المقالة الثالثة بعد المائة من سلسلة التاريخ العام 14-قصة نبى الله يوسف عليه السلام

الطائرالمسافر

عضو ذهبي
إنضم
Sep 27, 2013
المشاركات
1,447
العمر
79
الإقامة
جمهورية مصرالعربية-مدينة المنصورة-
المقالة الثالثة بعد المائة من سلسلة التاريخ العام 14-قصة نبى الله يوسف عليه السلام


المقالة الثالثة بعد المائة
من سلسلة التاريخ العام
14- قصة نبى الله يوسف عليه السلام
‏{‏فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏}‏ ‏
[‏يوسف‏:‏ 99-101‏]‏‏.‏
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة، التي قيل أنها ثمانون سنة، وقيل‏:‏ ثلاثة وثمانون سنة،
وهما روايتان عن الحسن‏.‏
وقيل‏:‏ خمس وثلاثون سنة، قاله قتادة‏.‏
وقال محمد بن إسحاق‏:‏
ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة‏.‏
قال وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة‏.‏
وظاهر سياق القصة
يرشد إلى تحديد المدة تقريباً فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة، فيما قاله غير واحد فامتنع، فكان في السجن بضع سنين، وهي سبع عند عكرمة وغيره، ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع، ثم لما أمحل الناس في السبع البواقي جاء إخوتهم يمتارون في السنة الأولى وحدهم، وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين، وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهلهم أجمعين، فجاءوا كلهم‏.‏
‏{‏فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ‏}‏
اجتمع بها خصوصاً وحدهما دون إخوته‏.‏
‏{‏وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ‏}‏
قيل هذا من المقدم والمؤخر تقديره‏:‏ ادخلوا مصر وآوى إليه أبويه‏.‏ وضعفه ابن جرير وهو معذور‏.‏
قيل‏:‏ تلقاهما وآواهما في منزل الخيام، ثم لما اقتربوا من باب مصر
‏{‏وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ‏}‏
قاله السدي‏.‏ ولو قيل إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضاً، وأنه ضمن قوله ادخلوا معنى اسكنوا مصر أو أقيموا بها،
‏{‏إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ‏}‏
لكان صحيحاً مليحاً أيضاً‏.‏
وعند أهل الكتاب‏:‏
أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر، وهي أرض بلبيس، خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشراً بقدومه، وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم‏.‏
وقد ذكر جماعة من المفسرين
أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب، وهو إسرائيل، أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف، وتعظيماً لنبي الله إسرائيل، وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم، فالله أعلم‏.‏ ‏
قالوا‏:‏

قال الله تعالى‏:‏
‏{‏وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ‏}‏
قيل‏:‏ كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة‏.‏
وقال بعض المفسرين‏:‏ فأحياها الله تعالى‏.‏ وقال آخرون‏:‏ بل كانت خالته ليا، والخالة بمنزلة الأم‏.‏
وقال ابن جرير وآخرون‏:‏
بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ، فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه، وهذا قوي والله أعلم‏.‏
ورفعهما على العرش أي‏:‏ أجلسهما معه على سريره‏.‏
‏{‏وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً‏}‏
أي‏:‏ سجده له الأبوان، والاخوة الأحد عشر، تعظيماً وتكريماً وكان هذا مشروعاً لهم، ولم يزل ذلك معمولاً به في سائر الشرائع، حتى حرم في ملتنا‏.‏
‏{‏وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ‏}‏
أي‏:‏ هذا تعبير ما كنت قصصته عليك من رؤيتي الأحد عشر كوكباً، والشمس والقمر حين رأيتهم لي ساجدين، وأمرتني بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك‏.‏
‏{‏قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ‏}‏
أي‏:‏ بعد الهم والضيق جعلني حاكماً نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت‏.‏
‏{‏وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ‏}‏
أي‏:‏ البادية، وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخليل‏.‏
‏{‏مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي‏}‏
أي‏:‏ فيما كان منهم إلي من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره‏.‏
ثم قال‏:‏
‏{‏إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ‏}‏
أي‏:‏ إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه ويسرها، وسهلها من وجوه لا يهتدي إليها العباد، بل يقدرها وييسرها بلطيف صنعه، وعظيم قدرته‏.‏
‏{‏إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ‏}‏ أي‏:‏ بجميع الأمور‏.‏

‏{‏الْحَكِيمُ‏}‏
في خلقه وشرعه وقدره‏.‏ ‏

وعند أهل الكتاب‏:‏ أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب، والفضة، والعقار، والأثاث، وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء، ثم أطلق لهم أرضهم، وأعتق رقابهم، على أن يعملوا ويكون خمس ما يشتغلون من زرعهم وثمارهم للملك، فصارت سنة أهل مصر بعده‏.‏
وحكى الثعلبي‏:‏
أنه كان لا يشبع في تلك السنين حتى لا ينسى الجيعان، وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار، قال‏:‏ فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك‏.‏ قلت‏:‏ وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يشبع بطنه عام الرمادة، حتى ذهب الجدب وأتى الخصب‏.‏
قال الشافعي‏:‏
قال رجل من الأعراب لعمر بعد ما ذهب عام الرمادة‏:‏
لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة‏.‏
ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت، وشمله قد اجتمع، عرف أن هذه الدار لا يقربها قرار، وأن كل شيء فيها ومن عليها فان، وما بعد التمام إلا النقصان، فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله، وسأل منه - وهو خير المسؤولين - أن يتوفاه، أي‏:‏ حين يتوفاه على الإسلام، وأن يلحقه بعباده الصالحين، وهكذا كما يقال في الدعاء‏:‏ اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، أي‏:‏ حين تتوفانا‏.‏
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام،
كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى، والرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين، كما قال‏:‏
‏(‏‏(‏اللهم في الرفيق الأعلى‏)‏‏)‏، ثلاثاً ثم قضى‏.‏
ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاة على الإسلام منجزاً في صحة بدنه وسلامته،
وأن ذلك كان سائغاً في ملتهم وشرعتهم،
كما روي عن ابن عباس أنه قال‏:‏
ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف‏.‏
فأما في شريعتنا‏:‏
فقد نهي عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن، كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد‏:‏
‏(‏‏(‏وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين‏)‏‏)‏‏.‏
وفي الحديث الآخر‏:‏
‏(‏‏(‏ابن آدم الموت خير لك من الفتنة‏)‏‏)‏‏.‏
وقالت مريم عليها السلام‏:
‏ ‏{‏يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً‏}‏ ‏
[‏مريم‏:‏ 23‏]‏‏.‏ ‏
وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت الأمور، وعظمت الفتن، واشتد القتال، وكثر القيل والقال،
وتمنى ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب الصحيح لما اشتد عليه الحال، ولقي من مخالفيه الأهوال‏.‏
فأما في حال الرفاهية
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما
من حديث أنس بن مالك قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏‏(‏لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، إما محسناً فيزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب، ولكن ليقل‏:‏ اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي‏)‏‏)‏‏.‏
والمراد بالضر ههنا‏:‏
ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه، لا في دينه، والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام سأل ذلك إما عند احتضاره، أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك‏.‏
وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب‏:‏
أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة سنة، ثم توفي عليه السلام وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق‏.‏
قال السدي‏:‏
فصبر وسيره إلى بلاد الشام، فدفنه بالمنارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليهم السلام‏.‏
وعند أهل الكتاب‏:
‏ أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة،
وعندهم‏:‏
أنه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة، ومع هذا قالوا فكان جميع عمره مائة وأربعين سنة‏.‏
هذا نص كتابهم وهو غلط، إما في النسخة أو منهم، أو قد أسقطوا الكسر، وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا، فكيف يستعملون هذه الطريقة ههنا‏.‏
وقد قال تعالى في كتابه العزيز‏:‏
‏{‏أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏}‏ ‏
[‏البقرة‏:‏ 133‏]‏
يوصي بنيه بالإخلاص، وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء عليهم السلام‏.‏
وقد ذكر أهل الكتاب‏:‏
أنه أوصى بنيه واحداً واحداً وأخبرهم بما يكون من أمرهم،
وبشَّر يهوذا بخروج نبي عظيم من نسله، تطيعه الشعوب، وهو عيسى بن مريم، والله أعلم‏.‏
وذكروا‏:‏
أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوماً،
وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوماً،
ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه، ليدفنه عند أهله فأذن له، وخرج معه أكابر مصر وشيوخها، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي، وعملوا له عزاء سبعة أيام‏.‏
قالوا‏:‏
ثم رجعوا إلى بلادهم، وعزَّى إخوة يوسف ليوسف في أبيهم، وترققوا له، فأكرمهم وأحسن منقلبهم، فأقاموا ببلاد مصر‏.‏
ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة،
فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه، فحنطوه ووضعوه في تابوت،
فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه كما سيأتي‏.‏
قالوا‏:‏
فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين، هذا نصهم فيما رأيته،
وفيما حكاه ابن جرير أيضاً‏.‏
وقال مبارك بن فضالة عن الحسن‏:‏
ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة‏.‏ وقال غيره‏:‏
أوصى إلى أخيه يهوذا صلوات الله عليه وسلامه‏.‏
 

أحدث المواضيع

أعلى