المقالة الثامنة والثمانون من سلسلة التاريخ العام 2-اسحاق بن ابراهيم عليهما ا

الطائرالمسافر

عضو ذهبي
إنضم
Sep 27, 2013
المشاركات
1,447
العمر
79
الإقامة
جمهورية مصرالعربية-مدينة المنصورة-
المقالة الثامنة والثمانون من سلسلة التاريخ العام 2-اسحاق بن ابراهيم عليهما ا



المقالة الثامنة والثمانون
من سلسلة التاريخ العام ‏
إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم2
قد قدمنا أنه وُلد ولأبيه مائة سنة، بعد أخيه إسماعيل بأربع عشر سنة‏.‏ وكان عمر أمه سارة حين بشرت به تسعين سنة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏
‏{‏وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ‏}‏ ‏
[‏الصافات‏:‏ 112-113‏]‏
وقد ذكره الله تعالى بالثناء عليه في غير ما آية من كتابه العزيز‏.‏ ‏
وقدمنا في حديث أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏‏(‏أن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم‏)‏‏)‏‏.‏
وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حياة أبيه، كان عمره أربعين سنة، وأنها كانت عاقراً، فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توأمين‏.‏
أولهما سموه عيصو، وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم‏.‏
والثاني‏:‏ خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب، وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل‏.‏ قالوا‏:‏ وكان إسحاق يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه بكره، وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر لأنه الأصغر‏.‏
قالوا فلما كبر إسحاق وضعف بصره، اشتهى على ابنه العيص طعاماً، وأمره أن يذهب فيصطاد له صيداً، ويطبخه له ليبارك عليه، ويدعو له، وكان العيص صاحب صيد، فذهب يبتغي ذلك‏.‏
فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه، ويصنع منهما طعاماً كما اشتهاه أبوه، ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو له، فقامت فألبسته ثياب أخيه، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين، لأن العيص كان أشعر الجسد، ويعقوب ليس كذلك‏.‏
فلما جاء به وقربه إليه، قال‏:‏ من أنت‏؟‏
قال‏:‏ ولدك، فضمه إليه وجسه، وجعل يقول‏:‏ أما الصوت فصوت يعقوب، وأما الجس والثياب فالعيص، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدراً، وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده، وأن يكثر رزقه وولده‏.‏
فلما خرج من عنده، جاء أخوه العيص بما أمره به والده، فقربه إليه، فقال له‏:‏ ما هذا يا بني‏؟‏
قال‏:‏ هذا الطعام الذي اشتهيته‏.‏
فقال‏:‏ أما جئتني به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك‏؟‏ فقال‏:‏ لا والله، وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك، فوجد في نفسه عليه وجداً كثيراً‏.‏
وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى، وأن يجعل لذريته غليظ الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم، فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب، أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها لابان الذي بأرض حران، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه عليه، وأن يتزوج من بناته، وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك، ويوصيه ويدعو له ففعل‏.‏
فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم، من آخر ذلك اليوم، فأدركه المساء في موضع فنام فيه، أخذ حجراً فوضعه تحت رأسه ونام فرأى في نومه ذلك معراجاً منصوباً من السماء إلى الأرض، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون، والرب تبارك وتعالى يخاطبه ويقول له‏:‏ إني سأبارك عليك، وأكثر ذريتك، وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك‏.‏
فلما هبّ من نومه فرح بما رأى، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالماً ليبنين في هذا الموضع معبد الله عز وجل، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره، ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهناً يتعرفه به، وسمى ذلك الموضع بيت إيل أي بيت الله، وهو موضع بيت المقدس اليوم، الذي بناه يعقوب بعد ذلك كما سيأتي‏.‏ ‏
قالوا‏:‏
فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران، إذا له ابنتان‏:‏ اسم الكبرى ليا، واسم الصغرى راحيل، وكانت أحسنهما وأجملهما، فطلب يعقوب الصغرى من خاله، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين‏.‏
فلما مضت المدة على خاله لابان، صنع طعاماً وجمع الناس عليه، وزف إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر، فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا، فقال لخاله‏:‏
لقد غدرت بي وأنت إنما خطبت إليك راحيل‏.‏
فقال‏:‏
إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها، فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نسخ في شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ، لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته، لأنه معصوم‏.‏
ووهب لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية، فوهب لليا جارية اسمها زلفى، ووهب لراحيل جارية اسمها بلهى، وجبر الله تعالى ضعف ليا بأن وهب لها أولاداً، فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا، فغارت عند ذلك راحيل، وكانت لا تحبل، فوهبت ليعقوب جاريتها بلهى، فوطئها فحملت، وولدت له غلاماً سمته دان، وحملت وولدت غلاماً آخر سمته نيفتالي‏.‏
فعمدت عند ذلك ليا فوهبت جاريتها زلفى، من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد وأشير، غلامين ذكرين، ثم حملت ليا أيضاً فولدت غلاماً خامساً منها وسمته ايساخر، ثم حملت وولدت غلاماً سادساً سمته زابلون، ثم حملت وولدت بنتاً سمتها دينا فصار لها سبعة من يعقوب‏.‏
ثم دعت الله تعالى راحيل وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب، فسمع الله ندائها وأجاب دعائها، فحملت من نبي الله يعقوب، فولدت له غلاماً عظيماً شريفاً حسناً جميلاً سمته يوسف‏.‏
كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى، فصار مدة مقامه عشرين سنة، فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله، فقال له خاله‏:‏ إني قد بورك لي بسببك، فسلني من مالي ما شئت‏.‏
فقال‏:‏ تعطيني كل حمل يولد من غنمك هذه السنة أبقع، وكل حمل ملمع أبيض بسواد، وكل أملح ببياض، وكل أجلح أبيض من المعز‏.‏ ‏‏
فقال‏:‏ نعم‏.‏ فعمد بنوه فأبرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من التيوس، لئلا يولد شيء من الحملان على هذه الصفات، وساروا بها مسيرة ثلاثة أيام عن غنم أبيهم، قالوا‏:‏
فعمد يعقوب عليه السلام إلى قضبان رطبة بيض من لوز ولب، فكان يقشرها بلقا، وينصبها في مساقي الغنم من المياه، لينظر الغنم إليها فتفزع وتتحرك أولادها في بطونها، فتصير ألوان حملانها كذلك‏.‏
وهذا يكون من باب خوارق العادات، وينتظم في سلك المعجزات، فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة، ودواب وعبيد، وتغير له وجه خاله وبنيه، وكأنهم انحصروا منه
وأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه، ووعده بأن يكون معه، فعرض ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى طاعته، فتحمل بأهله وماله، وسرقت راحيل أصنام أبيها، فلما جاوزوا وتحيزوا عن بلادهم لحقهم لابان وقومه‏.
 

أحدث المواضيع

أعلى