همسات حائرة
عضو ذهبي
وفى العالم الإسلامى كتاب ومفكرون ودعاة مخلصون مخدوعون فى الديمقراطية ، يقولون نأخذ ما فيها من خير ونترك ما فيها من شرور .
يقولون نقيدها بما أنزل الله . ولا نبيح الإلحاد ولا نبيح التحلل الخلقى والفوضى الجنسية !
...إنها إذن لن تكون الديمقراطية .. إنما ستكون الإسلام !!
إن الديمقراطية هى حكم الشعب بواسطة الشعب . إنها تولى الشعب سلطة التشريع .
فإذا ألغى هذا الأمر أو قيد بأى قيد فلن تكون هى الديمقراطية التى تقوم اليوم بهذا الاسم .
واسألوا الديمقراطيين !
قولوا لهم : نريد أن نحكم بما أنزل الله ، ولا يكون للشعب ولام ممثليه حق وضع القوانين إلا فيما ليس فيه نص من كتاب أو سنة ولا إجماع من علماء المسلمين !
قولوا لهم : نريد أن ننفذ حكم الله فى المرتد عن دينه ، وحكم الله فى الزانى والسارق وشارب الخمر ..
قولوا لهم : نريد أن نلزم المرأة بالحجاب . ونمنع التبرج ، ونمنع العرى على الشواطئ وفى الطرقات . ونريد فى الوقت ذاته أن نكون ديمقراطيين !
اسألوهم وانظرا ماذا يقولون !
سيقولون على الفور : إن هذه ليست الديمقراطية التى نعرفها .. ففى الديمقراطية يشرع الناس فى جميع الأمور لا يلتزمون فى شئ منها بغير ما يريده الشعب ( نظريا على الأقل ! وإن كانت الحقيقة كما أسلفنا أن الرأسماليين هم الذين يشرعون من وراء الستار ! )
سيقولون إن الديمقراطية لا تتدخل فى " الحرية الشخصية " للأفراد !
فمن شاء أن يرتد عن دينه فهو حر !
ومن شاء أن يتخذ صديقة أو خليلة فهو حر .
ومن شاءت أن تكشف عن صدرها أو ظهرها أو ساقيها فهى حرة !
ومن شاءت أن تخون زوجها فهى حرة ما لم يشتك الزوج !
سيقولون : ابحثوا عن اسم آخر لما تريدون . . اسم غير الديمقراطية !
فإذا كان كذلك فلماذا نصر نحن على تسمية نظامنا الذى نريده باسم الديمقراطية ؟ لماذا لا نسميه الإسلام؟!
ويقول بعض الناس مخلصين : إنما نريد أن يلتزم الحاكم – المسلم – برأى الشعب فيما ليس فيه نص .. وهذا هو لب الديمقراطية الذى نريد أن نطعم به الحكم الإسلامى ، لنمنع طغيان الحكام !
وما نريد هنا أن ندخل فى الخلاف الفقهى القائم حول الشورى فى الإسلام وهل هى ملزمة لولى الأمر أم غير ملزمة .. فهذا يخرج بنا عن موضوع الكتاب إنما نقول فقط أن هذا أمر اجتهادى ليس فيه نص .. فالنص يلزم بالشورى ذاتها ، ولكن لا يوجد نص يقول إن الشورى ملزمة او غير ملزمة . ولذلك اختلف الفقهاء .
وما دام الأمر اجتهاديا فمن حق أى جيل من أجيال المسلمين أن ينظر فيه ، وينظر فى وجه المصلحة فيه .. فيوم نكون جادين فى تطبيق الإسلام ، فعندئذ يجتمع علماء الأمة وينظرون فى الأمر ، ويقررون على ضوء الظروف القائمة وقتها إن كانت المصلحة تقتضى جعل الشورى ملزمة أو غير ملزمة .. وتلتزم الأمة وحكامها بما يراه علماؤها المجتهدون ، فإذا رأى علماء الأمة أن المصلحة تتحقق بالتزام الحاكم بنتيجة الشورى كان هذا الاجتهاد ملزما لأولياء الأمور .
أما أن نستعير " ترسا " من آلة أجنبية عن الإسلام لنركبه فى النظام الإسلامى لمجرد ظننا أنه صالح ومفيد ، فليس هذا هو التفكير السديد .
إن الإسلام نظام متكامل . وحاجات المسلمين ومصالحهم تتحقق من داخل النظام لا من خارجه .
فلنعزم أولا أن نكون مسلمين حقا ، ملتزمين بما أنزل الله ، ثم لننظر بعد ذلك ما يفتح الله به علينا من الحلول :
"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)" سورة العنكبوت 29/69
وينظر أناس إلى البغى والطغيان القائم فى بلاد الإسلام فيقولون : أليست الديمقراطية خيرا من هذا البغى ؟
على الأقل نستطيع أن نتنفس ونحن آمنون ! لا يجئ حاكم فيعتقل من يعتقل ، ويعذب من يعذب ، ويقتل من يقتل دون أن يجرؤ أحد على معارضته بسبب عدم وجود نظام ديمقراطى ، فلو أننا اتخذنا الديمقراطية – مع تحكيم شريعة الله – أمنا من طغيان الحكام .
ويبدو هذا القول وجيها لأول وهلة .. ففى النظم الديمقراطية القائمة فى الغرب لا يطغى الحكام بهذه الصورة ، ولا يعتقلون الناس بعشرات الألوف ، ولا يعذبونهم فى السجون ، ولا يقتلون أحدا بالتعذيب داخل الأسوار ، مما تعرض له الدعاة المسلمون فى أكثر من مكان فى العالم الإسلامى .
ولكن القضية إذا أمعنا النظر فيها لا تبدو بهذه الوجاهة التى تبدو عليها الوهلة الأولى .
فلا يوجد نظام فى الأرض – حتى النظام الربانى – يعمل من تلقاء نفسه دون قيام البشر على حراسته ، أو يعطى الضمانات للناس دون أن يحرص الناس على التمسك بهذه الضمانات .
والديمقراطية ليست نظاما آليا يحمل ضماناته فى طياته ويطبقها من ذات نفسه !
إنما هى – ككل نظام – تعتمد على البشر الذين يقومون بالتطبيق .