واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب

العلو نور

عضو ماسي
إنضم
Jun 4, 2009
المشاركات
710
الإقامة
معاكم اكون
مسألة: الجزء الخامس التحليل الموضوعي
[ ص: 157 ] ( واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ( 32 ) كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا ( 33 ) وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ( 34 ) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ( 35 ) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ( 36 ) )

يقول الله تعالى بعد ذكر المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين ، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم ، فضرب لهم مثلا برجلين ، جعل الله ( لأحدهما جنتين ) أي : بستانين من أعناب ، محفوفتين بالنخل المحدقة في جنباتهما ، وفي خلالهما الزروع ، وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجود ؛ ولهذا قال : ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) أي : خرجت ثمرها ( ولم تظلم منه شيئا ) أي : ولم تنقص منه شيئا ( وفجرنا خلالهما نهرا ) أي : والأنهار تتخرق فيهما هاهنا وهاهنا .

( وكان له ثمر ) قيل : المراد به : المال . روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل : الثمار وهو أظهر هاهنا ، ويؤيده القراءة الأخرى : " وكان له ثمر " بضم الثاء وتسكين الميم ، فيكون جمع ثمرة ، كخشبة وخشب ، وقرأ آخرون : ( ثمر ) بفتح الثاء والميم .

فقال - أي صاحب هاتين [ الجنتين ] - ( لصاحبه وهو يحاوره ) أي : يجادله ويخاصمه ، يفتخر عليه ويترأس : ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) أي أكثر خدما وحشما وولدا .

قال قتادة : تلك - والله - أمنية الفاجر : كثرة المال وعزة النفر .

وقوله : ( ودخل جنته وهو ظالم لنفسه ) أي : بكفره وتمرده وتكبره وتجبره وإنكاره المعاد ( قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ) وذلك اغترار منه ، لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها ، ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف وذلك لقلة عقله ، وضعف يقينه بالله ، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها ، وكفره بالآخرة ؛ ولهذا قال : ( وما أظن الساعة قائمة ) أي : كائنة ( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) أي : ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ، ليكونن لي هناك أحسن من هذا لأني محظى عند ربي ، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا ، كما قال في الآية الأخرى : ( ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ) [ فصلت : 50 ] ، وقال ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ) [ مريم : 77 ] أي : في الدار الآخرة ، تألى على الله عز [ ص: 158 ] وجل ، وكان سبب نزولها في العاص بن وائل ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .


( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ( 37 ) لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ( 38 ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( 39 ) فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ( 40 ) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ( 41 ) )

يقول تعالى مخبرا عما أجابه صاحبه المؤمن ، واعظا له وزاجرا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار : ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) ؟ وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه ، الذي خلقه وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، كما قال تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) [ البقرة : 280 ] أي : كيف تجحدون ربكم ، ودلالته عليكم ظاهرة جلية ، كل أحد يعلمها من نفسه ، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوما ثم وجد ، وليس وجوده من نفسه ولا مستندا إلى شيء من المخلوقات ؛ لأنه بمثابته فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه ، وهو الله ، لا إله إلا هو ، خالق كل شيء ؛ ولذا قال : ( لكنا هو الله ربي ) أي : أنا لا أقول بمقالتك ، بل أعترف لله بالربوبية والوحدانية ( ولا أشرك بربي أحدا ) أي : بل هو الله المعبود وحده لا شريك له .

ثم قال : ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا ) هذا تحضيض وحث على ذلك ، أي : هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك ، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك ، وقلت : ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) ؛ ولهذا قال بعض السلف : من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده أو ماله ، فليقل : ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة . وقد روي فيه حديث مرفوع أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده :

حدثنا جراح بن مخلد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عيسى بن عون ، حدثنا عبد الملك بن زرارة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد ، فيقول : ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) فيرى فيه آفة دون الموت " . وكان يتأول هذه الآية : ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) . [ ص: 159 ]

قال الحافظ أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون ، عن عبد الملك بن زرارة ، عن أنس : لا يصح حديثه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة وحجاج ، حدثني شعبة ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبيد مولى أبي رهم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا قوة إلا بالله " . تفرد به أحمد

وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله "

وقال الإمام أحمد : حدثنا بكر بن عيسى ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون قال : قال أبو هريرة : قال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ، أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ " . قال : قلت : نعم ، فداك أبي وأمي . قال : " أن تقول : لا قوة إلا بالله " قال أبو بلج : وأحسب أنه قال : " فإن الله يقول : أسلم عبدي واستسلم " . قال : فقلت لعمرو - قال أبو بلج : قال عمرو : قلت لأبي هريرة : لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ فقال : لا إنها في سورة الكهف : ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله )

وقوله : ( فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ) أي : في الدار الآخرة ( ويرسل عليها ) أي : على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى ( حسبانا من السماء ) قال ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، ومالك عن الزهري : أي عذابا من السماء .

والظاهر أنه مطر عظيم مزعج ، يقلع زرعها وأشجارها ؛ ولهذا قال : ( فتصبح صعيدا زلقا ) أي : بلقعا ترابا أملس ، لا يثبت فيه قدم .

وقال ابن عباس : كالجرز الذي لا ينبت شيئا .

وقوله : ( أو يصبح ماؤها غورا ) أي : غائرا في الأرض ، وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض ، فالغائر يطلب أسفلها كما قال تعالى : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) [ الملك : 30 ] أي : جار وسائج . وقال هاهنا : ( أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ) والغور : مصدر بمعنى غائر ، وهو أبلغ منه ، كما قال الشاعر


تظل جياده نوحا عليه تقلده أعنتها صفوفا
بمعنى نائحات عليه .



3_1.jpg

4_2.jpg

file:///C:/Documents%20and%20Settings/MY%20PC/%D8%B9%D8%A7%D9%85/%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A3%D9%85%20%20%D9%84%D9%84%D9%83%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%88%D8%AA%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A3%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85%20%D9%85%D8%B1%D8%AA%D9%84%20%20%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%A8%D9%86%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AC%D9%85%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%87%D9%81.mp3
 

أحدث المواضيع

أعلى