عبد الرحمن الناصر ( الأمير الشاب والخليفة المجاهد )

إنضم
Nov 17, 2010
المشاركات
31
العمر
43
الإقامة
الحامول ـ كفر الشيخ
عبد الرحمن الناصر لدين الله أو عبد الرحمن الثالث
ثامن أمراء بني أمية في الأندلس، جده هو عبد الرحمن الداخل المعروف بصقر قريش. ولد في 22 رمضان 277 هـ/2 يناير 891 م، هو أول من تسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين في الأندلس ويعتبر أقوى الأمراء، ويعتبر عصره من العصور الذهبية للأندلس. اشتهرت قرطبة وجامعتها الشهيرة في زمانه بمنارة العلم والعلماء وأمتد حكمه مدة خمسين عاماً.
* أولاً: نسبه :
اسمه الكامل هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي بن هشام بن عبد الرحمن (الداخل) أبو المطرف، الناصر لدين الله الأمير الثامن من أمراء الدولة الأموية بالأندلس. أمه أم ولد اسمها (ماريا) أو (مزنة) كما تسميها الروايات العربية.
أول من تلقب بالخلافة من رجال الدولة الأموية بالأندلس، وتسمى بها لما رأى ما آلت إليه الخلافة العباسية من ضعف وفساد ووهن. وخلف جده عبد الله بعهد منه، وكان عمه المطرف قد قتل أباه ظلما، لأن أباه كان المرشح لولاية العهد، فأراد أن يزيحه ليظفر بها ولما علم جده عبد الله بما لحق أباه من ظلم جعل ولاية العهد إليه، وتولى تربيته ونال نصيبا كبيرا من رعايته، وكان جزاء عمه القتل، قصاصا لما قتل أخيه، وقتله أبوه عبد الله، بعد أن تأكد من براءة أخيه مما عزاه إليه.
ثانياً: خلافته:
بويع عبد الرحمن بالإمارة بعد وفاة جده عبد الله سنة 300هـ ولم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره، فكان أول من بايعه بالإمارة أعمامه لحب جده له ولزهدهم بها، ولما كان يحيط بها من أخطار. فقد كانت الأندلس مضطربة بالمخالفين ونيران المتغلبين، وقد تمكّن عبد الرحمن من إخماد تلك النيران، وخاض غمار حروب طويلة، فأخضع العصاة وصفا له الملك، وجدّد دولة الأندلس وأخضع حكامها لسلطانه.
تلقّب بلقب الخلافة سنة 316هـ، فجمع الناس وخطب فيهم وبين حق بني أمية بالخلافة وأنهم أسبق إليها من بني العباس، فبايعوه وتلقب (الناصر لدين الله) وتسمى بأمير المؤمنين، وجرى هذا اللقب من بعده، وكان أسلافه يخطب لهم بالإمارة فقط. وأنشأ مدينة (الزهراء) سنة 325هـ وبنى فيها (قصر الزهراء). وحمل إلى المدينة الرخام من أقطار الغرب، وأقام فيها أربعة آلاف وثلاثمائة سارية، وأهدى له ملك الفرنجة أربعين سارية من رخام.
*أبرز الأحداث في عهده :
1. قضى على الفتن وثورات في ولايات الأندلس وأعادها إلى حكم الدولة الأموية.
2. تمكن من هزيمة الجلادقة الإسبان القشتاليين والنفاريين والليونيين وردهم إلى ثغورهم.
3. بنى مدينة الزهراء المدينة الملكية التي تعتبر رمز الحضارة الأندلسية.
4. الصراع مع عمر بن حفصون : انتهز عمر بن حفصون فرصة الفوضى التي مرت بالأندلس بعد وفاة عبد الرحمن الأوسط، وأخذ يهدد العاصمة قرطبة وعندما تسلم عبد الرحمن الناصر الخلافة استطاع القضاء عليه سنة 305هـ.
5. رد خطر الدولة العبيدية : قامت الدولة العبيدية في شمال أفريقيا وقامت بتوسيع رقعتها حتى وصلت إلى شواطئ بلاد المغرب وأصبحت تتطلع إلى الأندلس ولكن عبد الرحمن الناصر قام بردع أخطارها عن طريق:
· تقوية الأسطول البحري الأندلسي.
· التحالف مع قبائل المغرب.
· بناء مدينة الزهراء قرب قرطبة.
* عبد الرحمن الناصر أعظم الخلفاء العرب في الأندلس :
يعتبر عبد الرحمن الناصر نجماً لامعاً في سماء الأندلس، وصفحة بيضاء من تاريخها العظيم وحاكماً لم يعرف الدهر له مثيلاً، ولو أن العظمة والأمجاد تخلد أصحابها في الدنيا لكان الناصر من أحقهم بذلك 0
* من هو الناصر ؟
ولد في الأندلس عام 278 هـ واعتنى بتربيته جده لأبيه واهتم به اهتماما بالغا بعد وفاة والده وهو صغير. تولى إمارة الأندلس بعد وفاة جده عام 300 هـ وكان عمره 22 سنة، وقد تخلى كل أعمامه عن حقهم في الإمارة بسبب سوء أحوال الأندلس وتمزقها. استلم الحكم وليس له سلطة إلا على قرطبة فتعلقت آمال الناس بهذا الأمير الشاب.
كان يحب مظاهر الملك والمجد مع خشية وتواضع لله، كما كان ذ كياً حازماً عاقلاً استطاع توحيد الأندلس بعد التمزق ,محبا للجهاد وأمضى أكثر خلافته فيه0
حكم الأندلس خمسين عاماً، اتسم عهده بالقوة والعظمة والنهضة العمرانية، فقد خضع له كل حكام أوروبا آنذاك وقام بأعظم عمل عمراني عندما استقرت الأمور فبنى مدينة الزهراء عام 325 هـ على بعد 30 كم من الشمال الغربي من قرطبة .
* توحيد الأندلس:
تولي عبد الرحمن الأندلس والأندلس قد إنتقضت أركانها ، وثارت نيرانها ، واستد لهيب ثوارها ، فكان لها بطلها الذي لا تغلب له راية ولا تخفض له هامة ، أدب الثوار ومزقهم شر ممزق ، وكان أكبرهم إبن حفصون بحصن ببشتر ، وكان قد أعيا الأمراء قبله ، فطاوله وساجله وراح يرسل البعوث تلو الأخري حتي نزل علي الصلح في أخر أيامه ، وبعد وفاته إستنزل أولاده الواحد بعد الأخر حتي إستأصل شأفتهم ، انتشرت أخبار انتصارات هذا الشاب في أرجاء الإمارات ولما سمع بها بعض المتمردين لم يتمهلوا بل بادروا فوراً يعلنون له الخضوع مثل مدينة (سرقسطة ـ إشبيليةبربشتر وغيارها من المدن) فأقر حكامها وكان من خلقه أن يغدق على المتمردين والعصاة الذين يستسلمون له ويكرمهم، ويوسع عليهم، ويبقيهم على أعمالهم، ولذلك أخذت الأندلس تتوحد للناصر.
* انتصارته على الإسبان في الشمال: وجد الناصر الفرصة مواتية لإظهار وحدة المسلمين وتلاحمهم ضد العدو المشترك (مملكة ليون) فوجه جيشاً بقيادة وزيره "أحمد بن عبده "وذلك مع بداية عام 304هـ واصطدم بجيش مملكة ليون في عدد من المعارك الثنائية التي انتهت كلها بالنصر لعبد الرحمن، وغنمت قوات المسلمين غنائم كبيرة 0
تابع الناصر التقدم نحو شمال الأندلس بجيش يقوده بنفسه وكانت قوات الدعم له تتلاحق بصورة مستمرة من سائر الأندلس لتنضم الى جيشه فأخذ في الاستعداد لمعركة حاسمة عام 308 هـ. تقدم الجيش الذي يقوده عبد الرحمن الناصر ليفاجئ مملكة ليون وحليفتها مملكة نافار إلا أنهما كانتا على علم بتحركه فارسلت مملكة جليقية حملة مضادة على مدينة" الفرج " " وادي الحجارة "(معركة الفرج) وانتصر فيها جيش عبد الرحمن وأبادوا معظم قوات العدو، فتابع الناصر تقدمه إلى ملك ليون فكانت غزوة "مويش " إحدى أهم الغزوات في تاريخ الأندلس فقد استمرت ثلاثة شهور فتح فيها الناصر معظم الحصون وقام بتأمين الثغور ثم عاد إلى قرطبة.
بعد أن استقرت الأوضاع في الأندلس توجه الخليفة الشاب الناصر إلى إرساء دعائم حكمه وبناء الدولة في كل الاتجاهات:
* من الناحية السياسية والعسكرية:
أصبحت قرطبة أيام الناصر وجهة لكل الوفود والرسل التي أتت من جميع الدول الأوروبية لاسترضاء الناصر وتبادل العلاقات والصداقة والسفارات معه. فكانت الوفود الأوروبية تأتي إليه لدفع الجزية طوعاً خشية أن يقوم بغزو أراضيها، كما كانت تأتيه وفود من انكلترا والقسطنطينية تطلب منه أن يقبل بأن يدرس طلابها في الأندلس. لقد أصبح جيش عبد الرحمن الناصر أقوى جيش في ذلك الوقت وأسطوله البحري غدا أقوى أسطول آنذاك.
* من الناحية الاجتماعية:
تفنن الناس في أنواع الأطعمة والملابس والغناء والطرب خاصة بعد قدوم زرياب من بغداد فاشغل الناس بابتكاراته في علم الطعام واللباس، فلكل فصل نوع من اللباس ونوع من الطعام، ولكل مجلس آداب وتقاليد، ولكل حفلة طرب وغناء وموسيقا بمختلف الألحان كما قام بعض العلماء والدعاة بمحاربة الترف والإسراف ومنهم المنذر بن سعيد البلوطي.
* من الناحية العمرانية:
أصبحت قرطبة من أكبر مدن العالم آنذاك سكاناً ودوراً وقصوراً وبلغ عدد المساجد فيها ثلاثة آلاف مسجد، وكانت شوارعها مضاءة ليلاً في زمن كانت فيه أوروبا تنام في ظلام عميق. قام عبد الرحمن ببناء المدينة الأندلسية الملكية الشهيرة واسمها مدينة الزهراء بين عامي 936 م - 940 م على بعد 30 كم من قرطبة واستخدم الرخام والذهب في بنائها، وجعلها مماثلة لقصور دمشق العاصمة الأموية قديماً.
* من الناحية الإدارية:
قسمت قرطبة إلى ثمانية وعشرين ضاحية، وقسم رجال الشرطة إلى شرط بالليل وشرط بالنهار وجعل منهم قسم لمراقبة التجار وتنظيم جباية المال وموارد بيت المال حتى بلغ دخل بيت مال المسلمين (6،245،000) ديناراً ذهبياً، وكان ثلث هذا المبلغ يرصد لتغطية نفقات الدولة الجارية، ويدخر الثلث الثاني، أما الثلث الثالث فكان ينفق على المشاريع العمرانية (المكتبات والمدارس والقصور ومدينة الزهراء وغيرها). كما نظم أسلوب البريد ونظم المالية كالضرائب والمكوس والخراج والجزية. ونظم القضاء فقد أنشأ قضاء المظالم وأوجد (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأنشأ نظام الحسبة ففي كل بلد محتسب يشرف على الأسواق التجارية ومشاكلها وقوانين القضاء.
* من الناحية الاقتصادية :
نمت الزراعة نمواً مزدهراً، فتنوعت أشجار الفواكه والمزروعات من قصب السكر والأرز والزيتون والكتان وأوجد الناصر مزارع خاصة لتربية دود القز، كما نظم أقنية الري وأساليب المياه وجعل تقويماً للزراعة لكل موسم. وفي الصناعة حُفرت المناجم وطورت أنواعها مثل مناجم الذهب والرخام والفضة والرصاص والنحاس كما تطورت صناعة الجلود وصناعة الزيوت والأدوية وفي زمن الناصر ظهرت الأسواق الخاصة للبضائع كسوق للنحاسين وسوق للزهور والشحوم والزيوت وغيرها. ثم قام الناصر بإنشاء مراكز خاصة لصناعة السفن وآلاتها فأصبح للأندلس أسطولاً بحرياً كان الأقوى في ذلك الوقت.
* من الناحية الثقافية:
أضحت قرطبة مركزاً للعلوم والآداب وانتشرت الثقافة وكثر الإنتاج العلمي وشاعت المعرفة، بلغ عدد الكتب في المكتبة الواحدة أربعمئة ألف كتاب وبلغ عدد المكتبات سبعون مكتبة 0 كما ظهر النساخون الذين كانوا يقومون بدور المطابع في عصرنا، وظهر المجلدون لتجليد الكتب. وكان الناصر معروفاً بحبه للعلم والعلماء ومن أشهر العلماء في عصره:
القاضي عبد الله محمد بن محمد الذي أخذ العلم عن مئتين وثلاثين شيخا،
كما ظهر القاسم بن الدباغ الذي نقل العلم عن مئتين وستة وثلاثين شيخا 0
وبرز ابن عطية في التفسير، واشتهر في الفقه والحديث: الباجي وابن وضاح وابن عبد البر وابن عاصم والمنذر بن سعيد، وظهر بالفلسفة ابن رشد وغيرهم من العلماء والدعاة.
عمل الناصر على نشر المعرفة في ربوع البلاد، فبنى في قرطبة وحدها سبعاً وعشرين مدرسة وأدخل إليها الفقراء من الطلاب مجاناً، حتى أصبحت قرطبة في عهده منارة تجتذب إليها الأدباء والعلماء والفنانين.
*وفاة الناصر:
توفي الخليفة الناصر لدين الله عبد الرحمن الثالث بعد حكم دام خمسين عاماً وستة أشهر وثلاثة أيام، قضاها في عمل دائم لم يعرف خلالها من أيام الهناء إلا قليلا، ولم يركن إلى الراحة أثناءها إلا نزراً يسيراً فقد ترك بعد وفاته رسالة بخط يده كتب فيها:
"حكمت الأندلس خمسين عاماً لم أعرف الراحة خلالها إلا أربعة عشر يوماً وسائر الأيام قضيتها في الجهاد والعمل لبناء الدولة والجيش"
ماعرفت الدنيا نموذجاً من الحكام يماثله أو يشابهه، كان فرداً في تكوينه، وكان فرداً في حكمه وقيادته، قال في رسالته التي كتبها بخط يده:
"أيام السرور التي صفت لي دون تكدير، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ويوم كذا من كذا"
وعُدّت تلك الأيام فكانت أربعة عشر يوماً!! من سيصل إلى العز مثله ؟ فهو من اقترن اسمه بأروع آيات المجد والعزة للعرب والمسلمين، ولم يهنأ بالراحة إلا أربعة عشر يوماً.....
مضى الناصر للقاء وجه ربه لكن سيرته ستبقى مدى الزمان على الرغم من زوال مدينة الزهراء وإخراج المسلمين من الأندلس سيرة مشجية وسيرة عظيمة بآن واحد لأنها سيرة رجل في حياة أمة يرجى لها الآن أن تعود لعز ماضيها ومجد غابرها.
 

المواضيع المتشابهة

أحدث المواضيع

أعلى