المقالة الحادية والعشرون بعد المائتين من سلسلة السيرة النبوية المباركة 2-تتمة

الطائرالمسافر

عضو ذهبي
إنضم
Sep 27, 2013
المشاركات
1,447
العمر
79
الإقامة
جمهورية مصرالعربية-مدينة المنصورة-
المقالة الحادية والعشرون بعد المائتين
من سلسلة السيرة النبوية المباركة

2-تتمة قصة ‏
إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى
وذكر قصيدته بانت سعاد


ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة كما ذكر لي،

فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏
هذا رسول الله، فقم إليه فاستأمنه‏.‏
فذُكر لي‏:‏
أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليه،
ووضع يده في يده،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه،
فقال‏:‏
يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً فهل أنت قابل منه إن جئتك به‏؟‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏
فقال‏:‏ إذاً أنا يا رسول الله كعب بن زهير‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه‏:‏
وثب عليه رجل من الأنصار فقال‏:‏
يا رسول الله، دعني وعدو الله أضرب عنقه‏؟‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏‏(‏دعه عنك، فإنه جاء تائباً نازعاً‏)‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏
فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير، فقال في قصيدته التي قال
حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم عندها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكي قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شيم من ماء محنية * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
‏‏
تنفي الرياح الفدى عنه وأمرعه * من صوب غادية بيض يعاليل
فيا لها خلة لو أنها صدقت * بوعدها أو لو آن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها * فجع وولع وإحلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها * كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالعهد الذي زعمت * إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت * إن الأماني الأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً * وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها * وما لهن أخال الدهر تعجيل
أمست سعاد عرضتها بأرض لا تبلغها * إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلغها إلا عذافرة * فيها على الأبن إرقال وتبغيل
من كل نضاحة الذفري إذا عرقت * عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق * إذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها فعمَّ مقيدها * في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
حرف أخوها أبوها من مهجنة * وعمها خالها قوداء شمليل
يمشى القراد عليها ثم يزلقه * منها لبان وأقراب زهاليل
عيرانةٌ قذفت بالنحص عن عرض * مرفقها عن بنات الزور مفتول
قنواءٌ في حربتيها للبصير بها * عتق مبين وفي الخدين تسهيل
‏‏
كأنما فات عينيها ومذبحها * من خطمها ومن اللحيين برطيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل * في غادر لم تخونه الأحاليل
تهوي على يسرات وهي لاهية * ذوابل وقعهن الأرض تحليل
يوماً تظل به الحرباء مصطخداً * كأن ضاحية بالشمس محلول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت * ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا
أوبٌ بذي فاقدٍ شمطاء معولة * قامت فجاء بها نكر مثاكيل
نواحةٌ رخوة الضبعين ليس لها * لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها * مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة جنابيها وقولهم * إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت أمله * لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوماً على آلة حدباء محمول
نبئتُ أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة * القرآن فيه مواعيظ وتفصيل
‏‏
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل
لقد أقوم مقاماً لو يقوم به * أرى وأسمع ما قد يسمع الفيل
لظل يرعد من وجد موارده * من الرسول بإذن الله تنزيل
حتى وضعت يميني ما أنازعها * في كف ذي نقمات قوله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه * وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الأرض مخدرة * في بطن عثر غيل ذرنه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس معفور خراديل
إذا يساور قرناً لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مغلول
منه تظل حمير الوحش نافرة * ولا تمشي بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البر والدرسان مأكول
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم * ضرب إذا عرد السود التنابيل
شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا معاريج إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * ولا لهم عن حياض الموت تهليل
‏‏

وقد تقدم ما ذكرناه من الرمز لما اختلف فيه إنشاد ابن إسحاق والبيهقي رحمهما الله عز وجل‏.‏
وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب ‏(‏الاستيعاب‏)‏
أن كعباً لما انتهى إلى قوله‏:‏
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
نبئتُ أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
قال‏:‏
فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من معه أن اسمعوا‏.‏
قلت‏:
‏ وهذا من الأمور المشهورة جداً،
ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه، فالله أعلم‏.‏
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قال‏:
‏ بانت سعاد‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن سعاد ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏ زوجتي يا رسول الله‏.‏
قال‏:‏
‏(‏‏(‏لم تبن، ولكن لم يصح ذلك‏)‏‏)‏
وكأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته،
والظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية،
والله تعالى أعلم‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ وقال عاصم بن عمر بن قتادة‏:
‏ فلما قال كعب - يعني في قصيدته
- إذا عرد السود التنابيل،
وإنما يريدنا معشر الأنصار،
لما كان صاحبنا صنع به ما صنع،
وخص المهاجرين من قريش بمدحته،
غضبت عليه الأنصار‏.‏
فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار، ويذكر بلاءهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضعهم من اليمن‏:‏ ‏
من سره كرم الحياة فلا يزل * في مقنب من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابراً عن كابر * إن الخيار هموا بنوا الأخيار
المكرهين السمهري بأذرع * كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة * كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم * للموت يوم تعانق وكرار
والقائدين الناس عن أديانهم * بالمشرفي وبالقنال الخطار
يتطهرون يرونه نسكاً لهم * بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت بطون خيفة * غلب الرقاب من الأسود ضواري
وإذا حللت لينعوك إليهم * أصبحت عند معاقل الأعفار
ضربوا علياً يوم بدر ضربةً * دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله * فيهم لصدقني الذين أُماري
قوم إذا خوت النجوم فإنهم * للطارقين النازلين مقاري
قال ابن هشام‏:‏
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد‏:‏
‏(‏‏(‏لولا ذكرت الأنصار بخير فإنهم لذلك أهل‏)‏‏)‏‏.‏
فقال كعب هذه الأبيات وهي في قصيدة له‏.‏

وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في ‏(‏كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب‏)‏
بعد ما أورد طرفاً من ترجمة كعب بن زهير إلى أن قال‏:‏
وقد كان كعب بن زهير شاعراً مجوداً كثير الشعر،
مقدماً في طبقته هو وأخو بجير، وكعب أشعرهما، وأبوهما زهير فوقهما،
ومما يستجاد من شعر كعب بن زهير قوله‏:‏
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني * سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها * فالنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل * لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
‏‏
ثم أورد له ابن عبد البر أشعاراً كثيرة يطول ذكرها،
ولم يؤرخ وفاته،
وكذا لم يؤرخها أبو الحسن بن الأثير في كتاب
‏(‏الغابة في معرفة الصحابة‏)‏
ولكن حكى أن أباه توفي قبل المبعث بسنة، فالله أعلم‏.‏
وقال السهيلي‏:‏
ومما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
تجري به الناقة الأدماء معتجراً * بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
ففي عطافيه أو أثناء بردته * ما يعلم الله من دين ومن كرم
 

أحدث المواضيع

أعلى