مصر قبيل الحملة الفرنسية .

احمد غانم

عضو نشيط
إنضم
Jun 9, 2012
المشاركات
113
الإقامة
مصر
لابد من القاء الضوء على مصر ماقبل الحملة الفرنسية .
فلكى تكون الصورة اوضح امامنا لابد لنا ان نتعرف على الحياة فى مصر قبيل الحملة الفرنسية على مصر , من حيث الوضع السياسى و الظروف الاجتماعية و الاقتصادية.
فلا بد من القاء بعض الضوء على الحياة فى مصر بشكل عام قبل المجئ النابليونى إلى مصر و الذى أثّر أيما أثرعلى مصر فيما بعد بشكل مباشر و غير مباشر كما سنرى من خلال الكتاب .
و طبيعى أن خلفية الاحداث لهى جَدُّ مهمة لقراءة و فهم الصورة السياسية بشكل صحيح .


الوضع السياسى .

لقد جاءت حملة نابليون إلى مصر إبان الحكم العثمانى رسميا لمصر , و بالرغم من ان مصر من الناحية الرسمية كانت تحت الادارة العثمانية منذ ان غزا سليم الاول مصر و انتصر على السلطان طومان باى فى عام 1517.
و قيام سليم باعدام طومان باى على باب زويلة مما شكل ارهابا كبيرا بدأ به سليم الأول تاريخه فى مصر .
الا ان المماليك كان لهم وجودا فعليا و تاثيرا كبيرا على الحكم و الادارة فى مصر لم ينتهى إلا مع مذبحة القلعة فى عهد محمد على .
فنرى انه حيث الواقع الفعلى و العملى فان مصر منهوبة من قوتين فى نفس الوقت و هم العثمانيين و المماليك و هو وضع غريب زاد بالطبع من معاناة المصريين حيث فرضت – الاتاوات – على المصريين من الجانبين بالاضافة لكثرة الضرائب طبعا .

السمات الأساسية لدولة المماليك .

نظرا لكون المماليك و هم من الرقيق الأبيض قد جُلبوا إلى مصر بالأساس لأهداف عسكرية بحتة و كذلك كانت تتم تربيتهم تربية عسكرية بحتة و فى معسكرات مغلقة , بأسلوب أقرب للاسلوب الذى اتبعته الدولة الرومانية فى تربية طبقة المحاربين و هو ان تتم تربيتهم فى بيئة عسكرية صرف فى محيط عسكرى مغلق حتى يضمنوا بعدهم عن السياسية و يكون عملهم عسكريا بحتا , لأنه هو الهدف من الإتيان بهم أساسا من بلادهم و قد كثر الاستعانة بالمماليك بشكل كبير أيام الدولة الأيوبية فى ايام الملك الصالح نجم الدين أيوب للاستعانة بهم فى المهام العسكرية و الحروب الخارجية التى كانت المنطقة تموج بها فى حينها , و نتج عن كل ذلك نتيجة فى منتهى الاهمية و هى ان المماليك كانت خبرتهم الكبيرة فى الحروب و الأعمال العسكرية و الحربية , أى أن اعتمادهم الأكثر كان على القوة البدنية و الأعمال التى تحتاج إلى قوة بدنية مثل الأعمال الحربية و التى كانت هى أساس شرائهم و جلبهم الى مصر أساسا , كذلك الإنشاءات المعمارية الكبيرة و الضخمة .
لذلك فعندما أسس المماليك دولتهم كانت اهم السمات المميزة للدولة المملوكية هى الأعمال العسكرية و الحروب .
إلا ان الأمور السياسية و الاقتصادية و الذهنية بشكل عام فلم تكن التركيبة العامة جزء مميز للتركيبة العقلية و الذهنية فى الفكر الجمعى للمماليك بشكل عام – بحكم النشأة المشار – و نحن انما اردنا استعمال كلمة الفكر الجمعى حيث لا يمكن بالطبع التعميم , فليس كل مجتمع يكون للأفراده نفس الشخصية تماما – و انما بالطبع تكون هناك مشتركات ناتجة عن ظروف التربية و البيئة المحيطة , و طبيعى ان البيئة المحيطة من تربية عسكرية فى معسكرات من الصغر تجعل لشخصية المماليك تفوق اساسى بالنسبة فى الأعمال العسكرية أو الحربية أو مايشترك معها فى صفة من الصفات كاستعمال القوة أو الميل إلى العنف أحيانا , و هو ما ميز شكل الحكم فى عهد المماليك , و هو مايفسر عدم الاستقرار السياسى , و على أى حال فإن دولة المماليك فى مصر مرت بالعديد من المراحل تفاوت بالطبع بين الازدهار و الاضمحلال , إلا انه فى المجمل يعتبر عصر المماليك من العصور التى شهدت الكثير من سوء الاحوال الاقتصادية و السياسية و طمث للهوية المصرية , لان المماليك كما قلنا لم تكن بالطبع لهم مفهوم محدد عن الهوية الوطنية او القومية حيث انهم من عرقيات و أجناس و بلاد مختلفة .
و ما أشرنا إليه من قبل و مضافا إليه ما قد يكون هو الأهم و هو و إن ذكر متاخرا فى الترتيب إلا اننا سوف نتناوله بشئ من التفصيل فى المكان المناسب فى نفس الكتاب , و الذى هو يرجع لكون المماليك ليسوا مصريين , فليس ليهم فكرة واضحة عن الانتماء الوطنى و مضافا اليه انه كان يتم تربيتهم بطريقة معينة كما اشرنا اليها سابقا تجعل و لاء المملوكى لقائده , أو استاذه كما كان هو اللفظ الشائع , وطبعا كان المقصود منه هو تربيتهم على الولاء التام للقائد العسكرى له , و للابتعاد عن العمل السياسى و هو ما أدى إلى ضعف الروابط الوجدانية بينهم و بين المصريين , و قد يفسر ذلك اقدام المصريين على عدم الإنخراط و التدخل فى الصراع الذى دار بين طومان باى و سليم الأول و خاصة عندما طلب طومان باى من المصريين انقاذه عندما أراد سليم الأول اعدامه على باب زويلة , فأحد الأسباب يرجع إلى ان كلاهما غريب عن المصريين .
الخطوط الاساسية للحياة السياسية و الاقتصادية فى مصرية المملوكية .


لما سيق من قبل من أسباب تتعلق بالمماليك من حيث النشاة العسكرية باسلوب كانوا يحاكون به الاسلوب الرومانى القديم فى تربية المحاربين عسكريا , و كذلك عدم كونهم مصريين من الأساس و منتمين لعرقيات مختلفة , فقد انبنى على كل ذلك بالطبع نتيجة فى منتهى الاهمية ان المماليك من الصعب و الحال كذلك ان يهتموا بالتنمية – و هناك فارق بين النمو و التنمية بلغة الاقتصاد – فالمماليك ممكن ان يفكروا فى تطوير الاقتصاد و لكن من الصعب ان يفكر الماليك فى تطوير المجتمع المصرى – و هى التنمية المجتمعية و التى تختلف عن النمو التى تكلمنا عنها منلان خلفيات فكرهم اساسا ترتكز على الفكر العسكرى للادارة و خاصة بسبب الازمات الاقتصادية الكثيرة التى عانت منها مصر كثيرا ايام المماليك للعديد من الاسباب منها
و بالنسبة للوضع الاقتصادى فى مصر ايام المماليك فالاقتصاد وان بدأ فى البدايات الأولى للسلطنة المملوكية قويا – بمفهوم النمو و ليس التنمية التى اشرنا للفرق بينهما من قبل – إلا ان الحال لم يكن جيدا للعديد من الأسباب مضافة و مكملة لما سفناه من قبل و المتعلق بعدم انتماء المماليك لمصر لأنهم ليسوا مصريين , و كذلك لأن المماليك قد تمت تربيتهم فى أوطان بعيدة عن أوطانهم مما جعلهم يشعرون قطعا بعدم الأمان خاصة مع كثرة الحروب و الأضطرابات التى سيطرت على مصر وقتها للعديد من الأسباب و العوامل - التى تخرج عن موضوع كتابنا – مما أدى إلى أن أصبح تركيزهم الأكثر عندما وصلوا إلى السلطة فى مصر على الإرتكاز بشكل كبير على القوة العسكرية كنوع من الحماية و كذلك على أكبر قدر ممكن من القوة الاقتصادية عن طريق استنزاف الموارد المالية و الاقتصادية لمصر والمصريين فى صور رسمية سواء عن طريق الضرائب و الرسوم الحكومية و الادارية وغير رسمية غير رسمية عن طريق ما كان يطلق عليه الاتاوات و الحماية والطِلبة و التى كانت تنتشر بقوة فى العصر المملوكى , و اشتهر الوضع الاقتصادى بالفساد عموما فى الادارة المملوكية و سوء الادارة وعدم التحضر فى التعامل و حتى مع المصريين من اصحاب البلد .
* الوضع السياسى .
فقد كان الوضع السياسى فى مصر ملئ بالصراعات ما بين الأمراء المماليك وبعضهم البعض فقد كانت الاوضاع العسكرية فى مصر مع كثرة عدد المماليك و امرائهم هى اقرب شبها لما يمكن ان يطلق عليه اليوم ميليشيات فقد كان لكل من أمراء المماليك ذوى النفوذ فى السلطنة المملوكية مجموعة من المحاربين المماليك تحت امرته و نظرا لحجم القوة التى كانت تحت يد كل من الامراء المماليك ذوى النفوذ كانت تتحدد مدى قوته و مدى قدرته فى التأثير فى القرار السياسى بشكل عام , و إنه و الحال كذلك فقد كان لدور التدخل العسكرى فى العصر المملوكى اثر كبير فى ترسخ الدور العسكرى فى السياسة و الذى ظل موجودا فى مصر إلى اليوم .

الوضع الاقتصادى .
و نظرا للارتباط الشديد بين السياسة و الاقتصاد فقد كان الوضع الاقتصادى بشكل عام – رغم ان البداية المزدهرة نسبيا للاقتصاد فى بداية عهد السلطنة المملوكية – مضطرب شأنه شأن الوضع السياسى و لذلك ففى اثناء الحكم المملوكى ساء الوضع الاقتصادى كثيرا و فرضت الضرائب و المكوس بكثرة و دونما و جه حق على المصريين من مختلف الفئات مما ضاعف المعاناة كثيرا لدى المصريين فى العصر المملوكى و كذلك .
لقد اشرنا فى عجالة إلى الوضع السياسى الاقتصادى لمصر ابان عهد السلطنة المملوكية , و الذى كان له آثار كبيرة و منها مالم يستطع التاريخ تفسيره , و انما حمّله المؤرخين دائما على سلبية المصريين و تخاذلهم و فى هذا بالقطع ظلم شديد جدا للمصريين .
فعندما عجز المؤرخين عن تفسير دور المصريين الغير مفهوم فى كثير من المراحل التاريخية و الذى يصل الى السلبية احيانا مع الحاكم فى شأن الدفاع عن مصر مثلما حدث مع طومان باى عندما حاربه سليم الأول فقد حمّل المؤرخين ذلك على سلبية المصريين و فى هذا ظلم شديد للمصريين كما ذكرنا انما كان الدافع ورائه هو القهر و الظلم الذى تعرض له المصريين كثيرا فى اثناء حكم السلطنة المملوكية .
و ما سبق يفسر لنا أيضا لماذا لم يقاوم المصريون نابليون بونابرت عند مجيئه الى مصر على رأس حملة عسكرية و يقفوا بجانب السلطان العثمانى فى موقعة ابى قير البحرية اذ قامت الحرب بين قوات نابليون من ناحية و بين قوات السلطان العثمانى و القوات الانجليزية من ناحية اخرى فقد نُقلت القوات العثمانية على ظهر قطع البحرية الانجليزية فهى كانت حرب بين فرنسا و تركيا من ناحية و بين انجلترا و فرنسا للاسباب التى اشرنا اليها من قبل من ناحية اخرى فكل من الدولتين اللتان جاءتا لمحاربة قوات نابليون و هما الدولة العثمانية من ناحية و انجلترا من ناحية قد قامتا بالحرب دفاعا عن مصالحها هى فالدولة العثمانية كانت تدافع عن مصالحها فى مصر و التى تعتبرها سلة الغذاء لاجزاء كبيرة جدا من السلطنة , و كذلك انجلترا التى جاءت لمحاربة فرنسا بالتعاون مع تركيا لإجهاض التوسع الفرنسى فى الخارج مما قد يهدد المصالح الإنجليزية فى الخارج و كذلك قد يهدد اتصالها مع مصالحها فى الشرق و خاصة مع الهند .


الكاتب السياسى
أحمد غانم .
 

المواضيع المتشابهة

أحدث المواضيع

أعلى