سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :

همسات حائرة

عضو ذهبي
إنضم
Apr 25, 2011
المشاركات
6,323
الإقامة
أم الدنيـــــــــــا
سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

122011041213dgzla2ip6uqw.jpg


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسعدني أن أقدم لكم هذا التفسير - المتواضع - و الذي هو عبارة عن تفسير سهل ميسر جمعته و رتبته من أربعة تفاسيرتفسير السعدي , أيسر التفاسير للجزائري , اختصار تفسير ابن كثير لأحمد شاكر , و محاسن التأويل للقاسميلعلّه أن يكون مرجعا مفيدا لكل المسلمين وطلبة العلم المبتدئين

فاللهم إنك أنت المعين

و إن شاء الله تعالى سنبدأ من سورة الناس
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



تفسير سورة الناس

سورة الناس مدنية عدد آياتها ستة

( قل أعوذ بربّ الناس ) أي ألجأ إليه و أستعين به , و " رب الناس " الذي يربيهم بقدرته و مشيئته و تدبيره , و هو رب العالمين كلهم و الخالق للجميع .

( ملك الناس ) أي الذي ينفذ فيهم أمره و حكمه و قضاؤه و مشيئته دون غيره .

( إله الناس ) أي معبودهم الحق و ملاذهم إذا ضاق بهم الأمر , دون كل شيء سواه , والإله المعبود الذي هو المقصود بالإرادات و الأعمال كلها .

( من شر الوسواس الخناس )

" من شرالوسواس " الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس و ذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقي الشبه في القلب , و المخاوف و الظنون السيئة و يزين القبيح و يقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى .
" الخناس " هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر و كأنه غاب و لم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة , لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباسقوله " الوسواس الخنّاس " , قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم , فإذا سها و غفل وسوس , فإذا ذكر الله خنس , و كذا قال مجاهد و قتادة .
و قال المعتمر بن سليمان عن أبيه : ذُكر لي أن الشيطان , أو : الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن و عند الفرح , فإذا ذكر الله خنس.
و قال العوفي عن ابن عباس في قوله" الوسواس " قال : هو الشيطان يأمر , فإذا أطيع خنس .

( الذي يوسوس في صدور النّاس ) هل يختص هذا ببني آدم - كما هوظاهر - أو يعم بني آدم و الجن ؟ فيه قولان , و يكونون - أي الجن - قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا . قال ابن جرير : و قد استعمل فيهم " رجال من الجن" فلا بدع في إطلاق الناس عليهم .

( من الجنّة والناس ) هل هو تفصيل لقوله " الذي يوسوس في صدور الناس" ثم بينهم فقال " من الجنّة و الناس" و هذا يقوي القول الثاني , و قيل قوله " من الجنة و الناس" تفسيرللذي يُوسوس في صدور الناس , من شياطين الإنس و الجن , كما قال تعالى " و كذلك جعلنا لكل نبي عدوّا شياطين الإنس و الجن يُوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا" , فالموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس , والإنسان يوسوس بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر و تحسين القبيح و إلقاء الشبه في النفس , و إثارة الهواجس و الخواطر بالكلمات الفاسدة و العبارة المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان , إذ الشيطان من الجن يطرد بالإستعاذة و شيطان الإنس لا يطرد بها و إنما يصانع و يُدارى للتخلص منه .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

لطـــيفة :

قال ابن تيمية : الفرق بين الإلهام المحمود و بين الوسوسة المذمومة هو الكتاب و السنة , فإن كان مما ألقي في النفس مما دل الكتاب و السنة على أنه تقوى الله , فهو من الإلهام المحمود , و إن كان مما دلّ على أنه فجور , فهو من الوسواس المذموم , و هذا الفرق مطرد لا ينقض .

و قد ذكر أبو حزم في الفرق بين وسوسة النفس و الشيطان , فقال : ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه , و ما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه .

تنبيه :

في تفسير الجزائري لسورة الناس - في الحاشية - ذكر حديث رواه النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر و من سحر فقد أشرك و من تعلق شيئا و كل إليه" و هو حديث ضعفه الإمام الألباني , لكن جملة التعليق ثبثتفي الحديث ( الترمذي 2167 ) ,
فأرجو ممن يملك تفسير الجزائري الذي فيه الحاشية أن يكتب في نسخته أن هذا الحديث ضعيف إلا الجملة المذكورة أنفا.
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة الفلق



سورة الفلق مدنيةعددآياتها خمسة

فضلها هي و سورة الناس :

روى مسلم عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم يُر مثلهن قط : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ) .
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين و ينفث , فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه , و أمسح بيده عليه رجاء بركتها. رواه البخاري
و عن أبي سعيد : " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتعوذ من أعين الجان و عين الإنسان , فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما , و ترك ما سواهما " . رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه , و قال الترمذي : حديث حسن. قلت ( عبد الحي ) : و قد صححه الإمام الألباني.

( قل أعوذ برب الفلق ) : أي ألوذ به و ألتجئ إليه
"الفلق" عن جابر قال : الفلق : الصبح , و قال العوفي عن ابن عباس : الفلق : الصبح . و روى عن مجاهد و سعيد بن جبير و قتادة مثل هذا . قال ابن يزيد و ابن جرير : و هي كقوله تعالى ( فالق الإصباح) . وهذا هو الصحيح و هو اختيار البخاري في صحيحه .
و أما من قال إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو أنه اسم من أسماء جهنم فهذا أمر لا نعرف صحته , لا بدلالة الإسم عليه , و لا بنقل عن النبي صلى الله عليه و سلم , و لا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة .

( من شر ما خلق ) أي : من شر جميع المخلوقات , و قال ثابت البناني و الحسن البصري: جهنم و إبليس وذريته مما خلق .

( و من شر غاسق إذا وقب ) أي من شرما يكون في الليل حين يغشى الناس , و تنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة , والحيونات المؤذية , قال ابن تيمية: ...فإن الغاسق قدفسر بالليل كقوله تعالى " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل" و هذا قول أكثر المفسرين و أهل اللغة .

( ومن شرالنفّاثات في العقد ) قال ابن جرير: أي و من شرالسواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها , و به قال أهل التأويل - قلت ( عبد الحي : أي أهل التفسير ) -
والإستعاذة من شرهن له ثلاثة أوجه : 1 - أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعةالسحر , و من إثمهن في ذلك 2 - أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن و ما يخدعنهم بهمن باطلهن 3 - أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن . قاله الزمخشري.
و النفث هو إخراج هواء من الفم بدون ريق .

( و من شر حاسد إذا حسد) قال الزمخشري: أي إذا أظهر حسده و عمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود , لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره , فلا ضرر يعود منه على من حسده , بل هو الضّار لنفسه , لاغتمامه بسرور غيره .
و الحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى فيزوالها بما يقدر عليه من الأسباب , فاحتيج إلى الإستعاذة بالله من شره , و إبطال كيده , و يدخل في الحاسد العاين , لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع , خبيث النفس .
و الحسد حرام و هو أول ذنب عصي به الله تعالى إذ حسد إبليس آدم وحسد قابيل هابيل .
و هذه السورة تضمنت الإستعاذة من جميع أنواع الشر , عموما وخصوصا , و دلّت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره , و يستعاذ بالله منه و من أهله .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالإخلاص

سورة الإخلاص مكية عدد آياتها أربعة

- سبب نزولها :

عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم : يا محمد أنسب لنا ربك , فأنزل الله : " قل هو الله أحد , الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد" رواه الإمام أحمد و الترمذي و ابن جرير و حسّنه الإمام الألباني .

- فضلها :


روى البخاري عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ " فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يُطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن
" .
و روى البخاري عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه , ثم نفث فيهما فقرأ فيهما ( قل هو الله أحد ) و ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذبرب الناس ) , ثم يمسح بهما ما استطاع من جسد , يبدأ بهما على رأسه ووجهه , و ماأقبل من جسده , يفعل ذلك ثلاث مرات

" .

( قل هو الله أحد

)
" قل " قولا جازما به , معتقدا له , عارفا بمعناه
"

هو الله أحد " أي : قد انحصرت فيه الأحدية , فهو الأحد المنفرد بالكمال , الذي له الأسماء الحسنى , و الصفات الكاملةالعليا , و الأفعال المقدسة , الذي لا نظير له و لا مثيل .

( الله الصمد ) أي : الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له .


قال الغزالي: الله الصمد أي الذي يصمد إليه في الحوائج , ويقصد إليه في الرغائب , إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد , و قال ابن جرير: الصمد عند العرب هو السيد الذي يصمد إليه , الذي لا أحد فوقه , وكذلك تسمى أشرافها .
و قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : و في الصمد للسلف أقوال متعددة , قد يظن أنها مختلفة و ليست كذلك بل كلها صواب , و المشهور منها قولان : 1 - أن الصمد هو الذي لا جوف له 2 - أنه السيد الذي يصمدإليه في الحوائج . و الأول هو قول أكثر السلف من الصحابة و التابعين و طائفة من أهلاللغة , و الثاني قول طائفة من السلف و الخلف و جمهور اللغويين .


( لم يلد و لم يولد )
"

لم يلد " أي لم يكن له ولد لانتفاء من يجانسه إذ الولد يجانس والده , و المجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء .
"

و لم يولد " لانتفاء الحدوث عنه تعالى .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( قال الله عز وجل : كذبني ابن آدم و لم يكن له ذلك , و شتمني و لم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يُعيدني كما بدأني , و ليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته , و أما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا و أنا الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد ) رواه البخاري.

( و لم يكن له كفوا أحد ) أي لم يكن أحدا كفوا له و لا مثيلا و لا نظيرا و لا شبيها , لا في أسمائه و لا في أوصافه و لا في أفعاله , إذ ليس كمثله شيء و هو السميه البصير

.
قال مجاهد( و لم يكن له كفوا أحد ) يعني : لا صاحبة له , وهذا كما قال تعالى (بديع السماوات و الأرض أنّى يكون له ولد ولم يكن له صاحبة و خلق كلّ شيء ) أي هو مالك كل شيء و خالقه , فكيف يكون له من خلقه من نظير يساميه , أو قريب يدانيه , تعالى و تقدّس و تنزّه .
قال ابن القيم في زاد المعاد ( .. فسورة الإخلاص متضمنة لتوحيدالإعتقاد و المعرفة , و ما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركةبوجه من الوجوه , و الصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه , و نفى الولد و الوالد الذي هو من لازم الصمدية و غناه و أحديثه , و نفيُ الكفؤ المتضمن لنفي التشبيه و التمثيل و التنظير : فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له , و نفي كل نقص عنه و نفي إثبات شبيه أو مثل له في كماله و نفي مطلق الشريك عنه , و هذه الأصول هي مجامع التوحيد العلميّ الإعتقاديّ الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلالة و الشرك ) .
::
::
::



 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة المسد

سورة المسد مكية عدد آياتها خمسة

- سبب نزولها :

روى البخاري عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى البطحاء . فصعد الجبل فنادى : " ياصباحاه " , فاجتمعت إليه قريش , فقال : " أرأيتم إن حدّثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم أكنتم تصدقوني؟ " قالوا : نعم , قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " , فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك , فأنزل الله : " تبت يدا أبي لهب و تبّ" . إلى آخرها . و في رواية - عند البخاري أيضا- : فقام ينفض يديه , و هو يقول : تبا لك سائر اليوم , ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : "تبت يدا أبي لهب وتبّ" .

( تبت يدا أبي لهب ) أي خسرت و خابت , و ضل عمله و سعيه .
و هذه الجملة دعائية و لذا هلك - أبو لهب - بمرض خطير اسمه العدسة فمات و أقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده أراقوا عليه الماء من بعيد مخافة عدوى العدسة ؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون .
وأبو لهب هذا هو أحد عمومة النبي صلى الله عليه و سلم و اسمه عبد العزّى , و قد اشتهر بكنيته و عرف بها لولدٍ له يقال له لهب , أو لتلهب وجنتيه و إشراقهما , مع الإشارة إلى أنه من أهل النار , و أن مآله إلى نار ذات لهب , فوافقت حاله كنيته , فحسن ذكره بها .

( و تبّ) إخبار من الله تعالى بهلالك عبد العزّى أبي لهب .

( ما أغنى عنه ماله و ما كسب) لما سخط الله عليه و أدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله ولا ولده , حيث ذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دعا قومه إلى الإيمان , قال أبو لهب: إذا كان ما يقول ابن أخي حقا , فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي , فأنزل الله : " ما أغنى عنه ماله و ما كسب" .

( سيصلى نارا ذات لهب) أي نار ذات شرر و لهيب و إحراق شديد , فتحيط به من كل جانب جزاء ما كان يأتيه من مقاومة الحق و مجاحدته .

( و امرأتُه حمالة الحطب)
" وامرأتُه " هي أم جميل العوراء , كانت من سادات نساء قريش , و اسمها أروى بنت حرب بن أمية و هي أخت أبي سفيان , وقد كانت عونا لزوجها على كفره و جحوده و عناده , فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليهفي عذابه في نار جهنم .
" حمالة الحطب" حيث كانت تأتي بشوك السعدان و تضعه في طريق النبي صلى الله عليه و سلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام.
أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها .
و قيل لأنها كانت تحطب الكلام و تمشي بالنميمة كما قاله مجاهد و عكرمة و قتادة . قال الزمخشري : ويقال للمشّاء بالنمائم بين الناس , يحمل الحطب بينهم , أي يوقد بينهم و يورث الشر .

( في جيدها حبل من مسد) قالمجاهد و عروة: من مسد النار , و قال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة , فقالت : لأنفقها في عداوة محمد , يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار , و عن الشعبي قال: المسد : الليف .
قال مجاهد : " في جيدها حبل من مسد" أي طوق من حديد , ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مسد ؟
قال بعض أهل العلم : أي في عنقها حبلمن نار جهنم تُرفع به إلى شفيرها , ثم ترمى بها إلى أسفلها , ثم كذلك دائما .

قال الإمام: قد أنزل الله في أبي لهب و فيزوجته هذه السورة , ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه , مطاوعة لهواه و إيثارا لما ألفه من العقائد و العوائد و الأعمال , و اغترار بما عنده من الأموار , و بماله من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال , و أنه لا تغني عنه أمواله و لا أعماله شيئا , و سيصلى ما يصلى , نسأل الله العافية .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالنصر

سورة النصر مدنية عدد آياتها ثلاثة , و أجمعوا على أنهاآخر سورة نزلت جميعا , هذا قاله ابن عباس رضي الله عنه كما في صحيح مسلم

روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال : " لمانزلت ( إذا جاء نصر الله و الفتح) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نعيت إليَّ نفسي" بأنه مقبوض في تلك السنة " - قال الشيخ شاكر إسناده صحيح - , و هكذا قال مجاهد و أبو العالية و الضحاك , و غير واحد : إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نُعي إليه .
و روى البخاري عن ابن عباس قال : " كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر , فكأن بعضهم وجد في نفسه , فقال : لم يَدْخل هذا معنا و لنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن قد علمتم , فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم , فما رئيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليُريهم فقال : ما تقولون في قول الله عز وجل ( إذا جاء نصر الله و الفتح) ؟ فقال بعضهم : " أمرنا أن نحمد الله و نستغفره إذا نصرنا و فُتح علينا" , و سكت بعضهم فلم يقل شيئا , فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا , فقال : ماتقول ؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلمه له , قال : ( إذا جاء نصر الله و الفتح) فذلك علامة أجلك( فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا) . فقال عمر بن الخطاب : " لا أعلم منهاإلا ما تقول" .
أما المعنى الذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر , فهومعنى مليح صحيح , و قد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكةوقت الضحى ثماني ركعات , فقال قائلون : هي صلاة الضحى , و أجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها , فكيف صلاها ذلك اليوم و قد كان مسافرا لم يَنْوِ الإقامة بمكة ؟ و لهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسعة عشر يومايقصر الصلاة و يُفطر هو و جميع الجيش , و كانوا نحوا من عشرة ألاف .
قال هؤلاء : و إنما كانت صلاة الفتح , قالوا : فيستحب لأميرالجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخل ثماني ركعات , و هكذا فعل سعيد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن .
ثم قال بعضهم : يصليها كلهابتسليمة واحدة , و الصحيح أنه يسلم من كل ركعتين .

( إذاجاء نصر الله) أي لدينه الحق على الباطل .

( والفتح) و المراد بالفتح ها هنا فتح مكة قولا واحدا , فإن أحياء العرب كانت تَتَلَوَّم بإسلامها فتح مكة , يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي , فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا , فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا , و لم يبقى في سائر قبائل العرب إلا مُظهر للإسلام , و لله الحمد و المنة . و هذاهو قوله تعالى : " و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " .

( فسبح بحمد ربك) أي فنزه ربك عن أن يهمل الحق و يدعه للباطل يأكله , و عن أن يخلف وعده في تأييده , و ليكن هذاالتنزيه بواسطة حمده و الثناء عليه بأنه القادر الذي لا يغلبه غالب .

( و استغفره) أي إسأله أن يغفر لك و لأصحابك ما كان من القلق و الضجر و الحزن , لتأخر زمن النصر .

( إنه كان توّابا) أي إن الله تعالى الذي أمرك بالإستغفار توبة إليه كان توابا على عباده يقبل توبتهم فيغفر ذنوبهم و يرحمهم .

روى البخاري عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا و بحمدك , اللهم اغفر لي يتأول القرآن" .
و روى مسلم عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر في آخر أمره من قول : سبحان الله و بحمده , أستغفر الله و أتوب إليه , و قال : إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي , و أمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده و أستغفره , إنه كان توابا , فقد رأيتها ( إذا جاء نصر الله و الفتح , و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا , فسبح بحمد ربك و اسغفره إنه كان توّابا ) .

تنبيه :

ذكر الشيخ أحمد شاكر و الشيخ الجزائري أن سورة النصر تعدل ربع القرآن و سورة الزلزلة تعدل ربع القرآن , قلت ( عبد الحي ) : و الحديث الذي يدل على ذلك حديث ضعيف أنظر ضعيف الترغيب و الترهيب ( 1 / 890 ) , و الشيخ الجزائري نفسه أشارأن الحديث ضعيف في تفسير سورة الزلزلة ( ص 1489 )
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة الكافرون

سورة الكافرون مكية عدد آياتها ستة .

سبب نزولها :

نزلت ردا على اقتراح تقدم به بعض المشركين و هم الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل السهمي و الأسود بن المطلب و أمية بن خلف , مفاده أن يعبد النبي صلى الله عليه و سلم معهم آلهتهم سنة و يعبدون معه إلهه سنة مصالحة بينهم و بينه و إنهاء للخصومات في نظرهم , و لم يجبهم الرسول صلى الله عليه و سلم بشيء حتى نزلت هذه السورة ( قل يا أيها الكافرون) .

فضلها :

جاء عن ابن عباس رضي الله عنهأنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ... " و قل ياأيها الكافرون " تعدل رُبع القرآن) حسن لغيره . صحيح الترغيب و الترهيب ( 2 / 1477 ) .

( قل يا أيهاالكافرون) شمل كل كافر على وجه الأرض , و لكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفار قريش .

( لا أعبد ما تعبدون ) أي تبرَّأ مماكانوا يعبدون من دون الله , ظاهرا و باطنا .

( و لا أنتم عابدون ما أعبد ) لعدم إخلاصكم لله في عبادته , فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة .

( و لا أنا عابد ما عبدتم و لا أنتم عابدون ما أعبد )
" و لا أنا عابد" أي فيما أستقبل " ما عبدتم" أي فيما مضى " و لا أنتم عابدون" أي فيما تستقبلون أبدا " ما أعبد" أي الآن و فيما أستقبل , هكذا فسره الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى , ثم قال: و إنما قيل ذلك كذلك , لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين , قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا , و سبق لهم ذلك في السابق من علمه , فأمر نبيه صلى الله عليه و سلم أن يؤيسهم من الذين طمعوا فيه و حدثوا به أنفسهم , و إن ذلك غير كائن منه و لا منهم في وقت من الأوقات , و آيس نبي الله صلى الله عليه و سلم من الطمع في إيمانهم , و من أن يفلحوا أبدا , فكانوا كذلك لم يفلحوا و لم ينجحوا , إلى ان قتل بعضهم يوم بدر بالسيف , و هلك بعضٌ قبل ذلك كافراً .

( لكم دينكم و لي دين )
" لكم دينكم" تقرير لقوله تعالى ( لا أعبد ما تعبدون) و قوله تعالى ( و لا أناعابد ما عبدتم) كما أن قوله تعالى " و لي دين" تقرير لقوله تعالى ( و لا أنتم عابدون ما أعبد) و المعنى أن دينكم , الذي هو الإشراك , مقصور على الحصول لكم , لا يتجاوزه إلى الحصول لي أيضا , كما تطمعون فيه , فإن ذلك من المحالات , و أن ديني الذي هو التوحيد , مقصورعلى الحصول لي , لا يتجاوزه إلى الحصول لكم , فلا مشاركة بينه و بين ما أنتم عليه .
::
::
::
 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالكوثر

و تسمى سورة النحر

مكية و عدد آياتها ثلاث .

ما هو الكوثر :

روى مسلم عن أنس بن مالك قال : ( بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه و قال أنزلت عليّ آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم : " إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك و انحر إن شانئك هو الأبثر" , ثم قال أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا الله و رسوله أعلم قال فإنه نهر و عدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عددالنجوم , فيختلج العبد منهم , فأقول : رب إنه من أمتي , فيقول : إنك لا تدري ماأحدث بعدك) - و ظاهر هذه الرواية أن سورة الكوثر مدنية و لا مانع من نزولهامرتين مرة بمكة و أخرى بالمدينة - , و عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب , و الماء يجري على اللؤلؤ , و ماؤه أشد بياضا من اللبن , و أحلى من العسل) إسناده صحيح.

( إنّا أعطيناك الكوثر) روى الإمام أحمد عن أنس أنه قرأ هذه الآية " إناأعطيناك الكوثر" قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أعطيت الكوثر , فإذا هو نهر يجري , و لم يُشق شقا , و إذا حافتاه قباب اللؤلؤ , فضربت بيدي في تربته , فإذا مسكه ذَفَرة ,و إذا حصاه اللؤلؤ) . إسناده صحيح, و روى البخاري عن أبي عبيدة عن عائشة قال : سألتها عن قوله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر" قالت : ( نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه و سلم , شاطئاه عليه دُرّ مجوف آنيته كعدد النجوم) , ثم قال البخاري عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هوالخير الذي أعطاه الله إياه , و قال كذلك - أي ابن عباس - الكوثر : الخير الكثير . و هذا تفسير يعم النهر و غيره , لأن الكوثر من الكثرة و هو الخير الكثير و من ذلك النهر كما قال ابن عباس و عكرمة و سعيد بن جبير و مجاهد .
و من الكوثر يملأالحوض الذي في ***ات القيامة و لا يرده إلا الصالحون من أمته صلى الله عليه و سلم .

( فصلّ لربك و انحر) أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا و الآخرة , و من ذلك النهر الذي تقدم صفته فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة و نَحْرَك , فاعبده وحده لا شريك له و انحر على اسمه وحده لا شريك له كماقال تعالى " قل إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أوّل المسلمين" .
و خصّ هاتين العبادتين بالذكر لأنهما من أفضل العبادات و أجلّ القربات , و لأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب و الجوارح للّه , و تنقلها في أنواع العبودية , و في النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر و إخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته و الشح به .
و في الآية دليل على وجوب تقديم صلاة العيد على النحر و هو ما عليه جمهور الفقهاء - قلت ( عبد الحي ) : روى البخاري عن البراء بن عازب قال : ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النّحر بعد الصلاة , فقال : من صلّى صلاتنا و نسك نسكنا فقد أصاب النسك , و من نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) - .
و جائز أن يكون المراد من صلّ لربك وانحر أي صلّ صلاة الصبح بمزدلفة وانحر هديك بمنى .

( إنّ شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك - يا محمد - و مبغض ماجئت به من الهدى و الحق و البرهان الساطع و النور المبين , هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكرُهُ .
قال ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير , و قتادة : نزلت في العاص بن وائل . و قال شَمِربن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط , و قال ابن عباس أيضا , و عكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف و جماعة من كفار قريش . و قال عطاء : نزلت في أبي لهب , و عن ابن عباس : نزلت في أبي جهل . قال ابن كثير: و الآية تعم جميع من اتصف بذلك , ممن ذكر و غيرهم .
" هو الأبتر" أي المقطوع من كل خير , مقطوع العمل , مقطوع الذِكر , و أما محمد صلى الله عليه و سلم فهو الكامل حقا , الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق من رفع الذِكر , و كثرةالأنصار و الأتباع صلى الله عليه و سلم .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالماعون

هي مكية الأوائل مدنية الأواخر و آياتها سبع آيات

قوله تعالى ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين) هذه الآيات الثلاث نزلت بمكة في العاص بن وائل و الوليد بن المغيرة و أضرابهم من عتاة قريش و كفارهم فهذه الآيات تُعرِّض بهم و تندد بسلوكهم و توعدهم .

( أرأيت الذي يكذب بالدين) أي بثواب الله و عقابه , فلا يطيعه في أمره و نهيه , قال أبو سعود: استفهام أريد به تشويق السامع إلى معرفة من سيق له الكلام و التعجيب منه .

( فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم) أي : هو الذي يقهر اليتيم و يظلمه حقه , و لا يطعمه ولا يحسن إليه و لا يرحمه لقساوة قلبه , و لأنه لا يرجو ثوابا و لا يخشى عقابا .

( و لا يحضُّ على طعام المسكين) أي لا يحثّ غيره من ذوي اليسار على إطعام المحتاج و سدّ خلته , بل يبخل بسعيه عند الأغنياء لإغاثةالبؤساء , قال أبو سعود: و إذا كان حال من ترك حث غيره على ما ذكر , فما ظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة ؟ .

قوله تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون و يمنعون الماعون) هذه الآيات الأربع نزلت في بعض منافقي المدينة النبوية فلذا نصف السورة مكي و نصفها مدني .

( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) هذا وعد شديد لهم إذالويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار و قيوحهم و هو أشد العذاب إذ كانوايُغْمَسون فيه أو يطعمون و يشربون منه .
و معنى عن صلاتهم ساهون قال ابن جرير: " أي لاهون يتغافلون عنها وذلك باللهو عنها و التشاغل بغيرها , و تضييعها أحيانا و تضييع وقتها أخرى " و مفوتون لأركانها , و هذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة , التي هي أهم الطاعات و أفضل القربات. قلت ( عبد الحي ) : فإن كان هذا حالهم مع أجل الطاعات فإهمالهم لباقي العبادات و القربات أكثر و أوسع , و تضييعها على النفس أسهل و أطوع .

( الذين هم يراءون) أي يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لايصلّون رغبة في ثواب , و لا رهبة من عقاب , و إنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم , لأن بالمراءاة يدرءون عن أنفسهم القتل و السبي .

( و يمنعون الماعون) أي ما يعان به الخلق و يصرف في معونتهم من الأموال و الأمتعة و كل ما ينتفع به , فإذا استعارهم مؤمن ماعونا للحاجة به لايعيرونه و يعتذرون بمعاذير باطلة , فهؤلاء لمنع الزكاة و أنواع القربات أولى و أولى .
روى ابن جرير عن عبد الله قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم نتحدث أن الماعون الدلو , والفأس و القِدر لا يستغنى عنهن .
و قال ابن عباس ( و يمنعون الماعون) يعني : متاع البيت , و كذا قال مجاهد و إبراهيم النَّخعي و سعيد بن جبير و غير واحد: إنها العاريّة للأمتعة .
و قال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال , و أدناه المنخل , و الدلو , و الإبرة. و هذا الذي قاله عكرمة حسن , فإنه يشمل الأقوال كلها , و ترجع كلها إلى شيء واحد , و هو ترك المعاونة بمال أو منفعة .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة قريش

مكية و آياتها أربع آيات

( لإيلاف قريش) قال كثير من المفسرين: إن الجار و المجرور متعلق بالسورة التي قبلها أي : فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش و أمنهم , و استقامة مصالحهم , و انتظام رحلتهم في الشتاء لليمن , والصيف للشام , و ذلك للإتجار و جلب الأرزاق إلى بلادهم التي ليست هي بذات زرع و لا صناعة فإيلافهم هاتين الرحلتين كان بتدبير الله تعالى ليعيش سكان حرمه و بلده في رغد من العيش فهي نعمة من نعم الله تعالى .
ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال :

( فليعبدوا رب هذا البيت) أي : فليوحدوه بالعبادة , كما جعل لهم حرما آمنا و بيتا محرما , كما قال الله تعالى ( إنّما أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة الذي حرّمها و له كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين) . و البيت هو الكعبة المشرفة .
و خصّ الله بالربوبية البيت , لفضله و شرفه و إلا فهو رب كل شيء .

( الذي أطعمهم من جوع) بما هيأ لهم من أسباب .

( و ءامنهم من خوف) أي مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات و الحروب و القتال و الأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض, قال ابن زيد: كانت العرب يغير بعضها على بعض و يسبي بعضها بعض , فأمنوا من ذلك لمكان الحرم و قرأ " أولم نُمكّن لهم حرما ءامنا يُجبى إليه ثمرات كلّ شيء" و نظيره أيضا قوله تعالى " أولم يروا أنّا جعلنا حرما ءامنا و يُتخطّف الناس من حولهم" .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالفيل

مكية و آياتها خمس آيات

(ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * و أرسل عليهم طيراأبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف ماكول) .
هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش , فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل , الذين كانوا قدعزموا على هدم الكعبة و محو أثرها من الوجود , فأبادهم الله , و أرغم آنافهم , وخيّب سعيهم , و أضل أعمالهم , وَرَدهم بِشرِّ خيبة , و كانوا قوما نصارى , و كان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان . و لكن كان هذا من باب الإرهاص و التوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال .
وواقعة الفيل في ذاتها معروفة متواترة الرواية , حتى إنهم جعلوهامبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث , فيقولون : ولد عام الفيل و حدث كذا لسنتين بعد عام الفيل و نحو ذلك .

(ألم تر كيف فعل ربُّك بأصحاب الفيل)يعني الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة , أي ألم تعلم علما رصينا متاخما للمشاهدة و العيان باستماع الأخبار المتواترة , و معاينةالآثار الظاهرة .
و الله تعالى يخاطب رسوله مذكرا إياه بفعله الجبار في إهلاك الجبابرة فأين قوة ظلمة قريش من قوة أبرهة و أبادها الله تعالى في ساعة فاصبر يامحمد و لا تحمل لهؤلاء الأعداء همّا فإن لهم ساعة فكانت السورة عبارة عن ذكرى للعظة و الإعتبار .

(ألم يجعل كيدهم في تضليل)أي ألم يجعل ما كادوه لبيتنا و حرمنا في خسارة و ضلال فلم يجنوا إلا الخزي و الدمار . قال الرازي: إعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية " إن قيل " لم سماه كيدا و أمره كان ظاهرا , فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت ؟ " قلنا " نعم لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر , لأنه كان يضمر الحسد للعرب , وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة , منهم و من بلدهم , إلى نفسه و إلى بلدته .

(و أرسل عليهم طيرا أبابيل)أي طوائف متفرقة , يتبع بعضها بعضا من نواح شتى . و " أبابيل " جمع لا واحد له , على ما حكاه , و التنكير في " طيرا " إما للتحقير , فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر , أو للتفخيم , كأنه يقول و أي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ القتل , أفاده الرازيّ .

(ترميهم بحجارة من سجّيل)أي من طين متحجر . كل طائر يحمل ثلاثة أحجار كالحمصة و العدسة واحدة بمنقاره و اثنتين بمخلبيه كل واحدة في مخلب ترميهم بها فتتفتت لحومهم و تتناثر فجعلهم كعصف ماكول .

(فجعلهم كعصف ماكول)قال ابن جرير: " كزرع أكلته الدواب فراثته , فيبس و تفرقت أجزاؤه , شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم , و تفرقت آراب أبدانهم بها , بتفرق أجزاء الروت , الذي حدث عن أكل الزرع ".
و المعنى : أن الله سبحانه و تعالى أهلكهم و دمرهم , و ردهم بكيدهم و غيظهم لم ينالوا خيرا , و أهلك عامتهم , و لم يرجع منهم بخير إلا و هو جريح , كما جرى لملكهم أبرهة , فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء وأخبرهم بما جرى لهم , ثم مات .

و أخيرا : إن أمر القصة أضيفت إلى الفيل , واشتهرت به , لاصطحابهم الفيل معهم للبطش و التخريب , فإنه لو تمّ لقائديه كيدهم , لكان الفيل يتخذونه آلة بطش و انتقام , فإذا غضبوا على محارب و أسروه , أو وزير وأوثقوه , أو بلد و نازلوا حصنه - أرسلوا على دار المغضوب عليه أو حصنه الفيل , فنطح برأسه و نابه الصرح فيدكه , و قواعد البنيان فيهدمها , فيكون أمضى من معاول و فؤوس , و أعظم رعبا و رهبة في النفوس , و ربما ألقوا المسخوط عليه بين يديه , فأعمل فيه نابه , و لف عليه خرطومه و شاله , و مثل به تمثيلا , كان أشد بطشا و تنكيلا .
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة الهمزة

مكية و آياتها تسع آيات

( ويل لكل همزة لمزة)
" ويل " يتوعد الرب تبارك وتعالى بواد في جهنم يسيل بصديد أهل النار و قيوحهم كل همزة لمزة .
" لكل همزة لمزة" أي لكل من يطعن في أعراض الناس و يغتابهم , فالهمّاز بالقول , و اللّماز بالفعل . قال القاشاني( رذيلتان مركبتان من الجهل و الغضب و الكبر , لأنهما يتضمنان الإيذاء و طلب الترفع على الناس , و صاحبهما يريد أن يتفضل على الناس , و لا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها , فينسب العيب و الرذيلة إليهم ليظهر فضله عليهم , و لا يشعر أن ذلك عين الرذيلة , فهو مخدوع من نفسه و شيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية و الغضبية ).

( الذي جمع مالا و عدّده) و من صفة هذا الهماز اللماز , أنه لا همّ له سوى جمع المال و تعديده و الغبطة به , و ليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات و صلة الأرحام , و نحو ذلك . قال الإمام: أي أن الذي يحمله على الحط من أقدار الناس , هو جمعه المال و تعديده , أي عده مرة بعد أخرى , شغفا به و تلذذا بإحصائه . لأنه لا يرى عزّا و لا شرفا و لا مجدا في سواه , فكلما نظر إلى كثرة ما عنده منه , انتفخ و ظن أنه من رفعة المكانة , بحيث يكون كل ذي فضل و مزية دونه , فهو يهزأ به و يهمزه و يلمزه , ثم لا يخشى أن تصيبه عقوبة على الهمز و اللمز و تمزيق العرض , لأن غروره بالمال أنساه الموت و صرف عنه ذكر المآل فهو " يحسب أن ماله أخلده" .

( يحسب أنّ ماله أخلده) أي يظن أن ماله الذي جمعه و أحصاه , و بخل بإنفاقه , مخلده في الدنيا , فمزيل عنه الموت . قال القاشاني( ...أي لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم و الفضائل النفسانية الباقية , لا العروض و الذخائر الجسمانية الفانية ) .

( كلا لينبذن في الحطمة)
" كلا " لايخلده ماله بل و عزتنا و جلالنا " لينبذن في الحطمة" أي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة و هي اسم طبقة من أسماء النار , لأنهاتحطم من فيها .

( و ما أدراك ما الحطمة) هذا الاستفهام لتعظيم أمرها و تهويل شأنها , كأنها ليست من الأمور التي تدركها العقول .

( نار الله الموقدة) أي المستعرة المتأججة , التي وقودها الناس و الحجارة , قال أبو سعود: و في إضافتها إليه سبحانه , ووصفها بالإيقاد , من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه .

( التي تطلع على الأفئدة) قال ثابت البناني: تحرقهم إلى الأفئدة و هم أحياء , ثم يقول: لقدبلغ منهم العذاب , ثم يبكي . و قال محمد بن كعب : تأكل كل شيء من جسده , حتى إذا بلغت فؤاده حَذْو حلقه ترجع على جسده . قال الزمخشري: يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم و تطلع على أفئدتهم , و هي أوساط القلوب , و لاشيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد , و لا أشد تألماً منه بأدنى أذى يمسه , فكيف إذا طلعت عليه نار جهنم و استولت عليه !!! و يجوز أن يخص الأفئدة لأنها مواطن الكفر و العقائد الفاسدة و النيات الخبيثة ...

( إنها عليهم مؤصدة) أي مغلقة مطبقة لا مخلص لهم منها.

( في عمد ممددة) قال الزمخشري: ( و المعنى أنه يؤكد بأسهم من الخروج , و تيقنهم بحبس الأبد , فتؤصد عليهم الأبواب , و تمدد على العمد , استيثاقا في استيثاق . و يجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة , موثقين في عمد ممددة , مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص ) . و المقطرة هي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالعصر

مكية و آياتها ثلاث آيات

قال الإمام ابن القيم في " مفتاح دار السعادة " ( قال الشافعي رضي الله عنه " لو فكر الناس في هذه السورة , لكفتهم" . و بيان ذلك أن المراتب أربعة و باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله , إحداها معرفة الحق , الثانية عمله به , الثالثة تعليمه من لا يحسنه , الرابعة صبره على تعلمه و العمل به وتعليمه , فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة ( ثم قال ) فهذه السورة على اختصارها , هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره , و الحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه , شافيا من كل داء , هاديا إلى كل خير ) .

قال الرازي ( هذه السورة فيها وعيد شديد , و ذلك لأنه تعالى حكم بالخسارة على جميع الناس , إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة , و هي : الإيمان و العمل الصالح و التواصي بالحق و التواصي بالصبر , فدل ذلك على أن النجاة معلقةبمجموع هذه الأمور ) .

( و العصر) أقسم الله تعالى بالعصر , الذي هو الليل و النهار , محل أفعال العباد و أعمالهم , و لانطوائه على تعاجيب الأمور , و لأنه يذكر بما فيه من النعم و أضدادها , فينبّه الإنسان على أنه مستعد للخسران و السعادة , و للتنويه به و التعظيم من شأنه , تعريضا ببراءته ممايضاف إليه من الخسران و الذم , كما قيل :

يَعيبون الزمان و ليس فيه معايبُ::: غير أهلٍ للزمانِ

فالعصر ظرف لشؤون الله الجليلة من خلق و رزق و إعزاز و إذلال و خفض و رفع , فكيف يذم في ذاته , و إنما قد يذم ما يقع فيه من الأفعال الممقوتة .

( إن الإنسان لفي خسر ) أي خسران , لخسارته رأس ماله الذي هو نور الفطرة و الهداية الأصلية , بإيثار الحياة الدنيا و اللذات الفانية و الإحتجاب بها و بالدهر , و إضاعة الباقي في الفاني .

( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات ) فهؤلاء استثناهم الله تعالى من الخسر فهم رابحون غير خاسرين و ذلك بدخولهم الجنةدار السعادة , و المراد من الإيمان الإيمان بالله و رسوله و ما جاء به رسوله من الهدى و دين الحق , و المراد من العمل الصالح الفرائض و السنن و النوافل .

( و تواصوا بالحق ) أي أوصي بعضهم بعضا بما أنزل الله في كتابه من أمره , و اجتناب ما نهى عنه من معاصيه , قال الرازي( دلت الآية على أن الحق ثقيل , و أن المحن تلازمه , فلذلك قرن التواصي بالصبر )

( و تواصوا بالصّبر ) أي على ما يبلو الله به عباده , أو على الحق , فإن الوصول إلى الحق سهل , و أما البقاء عليه و الصبر معه بالإستقامة و الجهاد لأجله , فذاك الذي يظهر به مصداق الإيمان و حقيقته .
وتخصيص التواصي بالحق و الصبر , مع إندراجهما في الأعمال الصالحة , لإبراز كمال الإعتناء بهما .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة التكاثر

مكية و آياتها ثماني آيات

( ألهاكم التكاثر) هذا خطاب الله تعالى للمشتغلين بجمع المال وتكثيره - الأموال و الأولاد , و الأنصار , و الجنود , و الخدم , و الجاه , و غيرذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر , و ليس المقصود به الإخلاص لله تعالى - للمباهاة به و التفاخر الأمر الذي ألهاهم عن طاعة الله و رسوله فماتوا و لم يقدموا لأنفسهم خيرا .

( حتى زرتم المقابر) أي حتى هلكتم , و متم و صرتم من أصحاب القبور , فأفنيتم عمركم في الأعمال السيئة و ما تنبّهتم طول حياتكم إلى ما هو سبب سعادتكم و نجاتكم .
و زيارة القبور عبارة عن الموت . قال الشهاب: " و فيها إشارة إلى تحقق البعث , لأن الزائر لابد من انصرافه عما زاره " , فدلّ ذلك على البعث والجزاء بالأعمال , في دار باقية غير فانية .

( كلا سوفت علمون ثم كلا سوف تعلمون)
( كلا ) ردع عن الإشتغال بالتكاثر , و توهم أن الفوز بالتفاخر , فإن الفوز بالتناصر على الحق والتحلي بالفضائل .
( سوف تعلمون) أي مغبة ما أنتم عليه , في الآخرة , من وخامة عاقبة الإشتغال بهذه الشهوات السريعة الزوال , العظيمة الوبال , لبقاء تبعاتها .
( ثم كلا سوف تعلمون) كرّر الوعيد و التهديد للتأكيد , و " ثم " للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأول , أو الأول عند الموت , و الثاني عند النشور .

( كلا لو تعلمون علم اليقين) أي لو تعلمون ما أمامكم - في قبوركم ويوم بعثكم و نشوركم - علما يصل إلى القلوب , لما ألهاكم التكاثر , و لبادرتم إلى الأعمال الصالحة .

( لترون الجحيم , ثم لترونها عين اليقين ) هذا تفسير الوعيد المتقدم , و هو قوله " تعلمون , ثم كلا سوف تعلمون " توعّدهم بهذا الحال , و هي رؤية النار - رؤية بصرية كما قال تعالى " و رأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعها و لم يجدوا عنها مصرفا" - التي إذا زفرت زفرة خرّ كل ملك مقرب , و نبي مرسل على ركبتيه , من المهابة و العظمة و معاينة الأهوال .

( ثم لتسئلنّ يومئذ عن النّعيم) أي عن النعيم الذي ألهاكم التكاثر به و التفاخر في الدنيا , ماذا عملتم فيه ؟ و من أين وصلتم إليه ؟ و فيم أصبتموه ؟ و ماذا عملتم به؟ . و قد صحّ عن النبي صلى الله عليه و سلم " إنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه و عن شبابه فيما أبلاه و عن علمه ماذا عمل به و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه" .
و عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير : لما نزلت " ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم" قالوا يا رسول الله , لأي نعيم نسأل عنه , و إنما هما الأسودان التمر و الماء ؟ قال : " إن ذلك سيكون" حسنه الشيخ الألباني .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم " إن أول مايسأل عنه - يعني يوم القيامة - العبد من النعيم أن يقال له : ألم نُصِحّ لك جسمك , و نُروكَ من الماء البارد ؟ " صححه الشيخ الألباني .
قال ابن عباس" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" النعيم : صحة الأبدان و الأسماع و الأبصار , يسأل الله العباد فيما استعملوها , و هو أعلم بذلك منهم , و هو قوله تعالى" إن السّمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا" , قال ابن جرير: لم يخصص في خبره تعالى نوعا من النعيم دون نوع , بل عمَّ , فهو سائلهم عن جميع النعم , و لذا قال مجاهد: أي عن كل شيء من لذة الدنيا.
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورةالقارعة

مكية و آياتها إحدى عشر آية

( القارعة ) من أسماء القيامة , كالحاقة , و الطامة , و الصاخة , والغاشية , و غير ذلك . و سميت بها لأنها تفزع القلوب و الأسماع بفنون الأفزاع والأهوال , و تخرج جميع الأجرام العلوية و السفلية من حال إلى حال : السماءبالإنشقاق و الإنفطار , و الشمس و النجوم بالتكوير و الإنكدار و الإنتثار , و الأرض بالزلزال و التبديل و الجبال بالدك و النسف .

( ما القارعة) أي أي شيء هي ؟ فالإستفهام للتهويل من شأنها .

( وما أدراك ما القارعة) تأكيد لهولها و فظاعتها , ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق على معنى أن عظم شأنها و مدى شدتها , بحيث لا يكاد تناله دراية أحد , حتى يدريك بها .

( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) أي : في انتشارهم و تفرقهم , و ذهابهم و مجيئهم , من حيرتهم مما هم فيه , من ضعف و ذلةو اضطراب . وجاء في آية أخرى " كأنهم جراد منتشر"

( و تكون الجبال كالعهن المنفوش) أي : كالصوف المنفوش , الذي بقي ضعيفا جدا تطير به أدنى ريح , قال تعالى " و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب " ثم بعد ذلك تكون هباء منثورا , فتضمحل و لا يبقى منها شيء يشاهد , فحينئذ تنصب الموازين , وينقسم الناس قسمين : سعداء و أشقياء .

( فأما من ثقلت موازينه) أي : رجحت حسناته على سيئاته .

( فهو في عيشة راضية) أي مرضية له و هو بها راض و كيف لا و هي الجنة دار النعيم المقيم .

( و أما من خفت موازينه) أي قلَّت حسناته و كثرت سيئاته أو لم يكن له حسنة بالمرة كأهل الكفر و الشرك .

( فأمُّه هاوية) أي : مأواه و مسكنه النار , التي من أسمائهاالهاوية , تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى " و إن عذابها كان غراما" قال ابن جرير: و إنما قيل : للهاوية أمه , لأنه لا مأوى له غيرها , و قال ابن زيد: الهاوية : النار , و هي أمه و مأواه التي يرجع إليها و يأوي إليها , و قرأ " و مأواهم النار" . و قيل : إن معنى ذلك , فأم دماغه هاوية في النار أي : يلقى في النار على رأسه روي نحو هذا عن ابن عباس و عكرمة و قتادة , قال قتادة: يهوي في النار على رأسه .

( و ما أدراك ماهيه) هذا الإستفهام للتهويل من شأنها و تعظيم لأمرها .

( نار حامية) أي حارة شديدة الحر , قويةاللهيب و السعير , قال النبي صلى الله عليه و سلم ( نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين من نار جهنم) قالوا : يا رسول الله , إن كانت لكافية , فقال ( إنها فضّلت عليها بتسعة و ستين جزءا) رواه البخاري, و في بعض ألفاظه ( إنهافضلت عليها بتسعة و ستين جزءا , كلهن مثل حرّها) رواه البخاري و مسلم , و رواه الإمام أحمد و زاد عليه ( و ضربت بالبحر مرتين , و لولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد) صححه الشيخ الألباني .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة العاديات

مكية و آياتها إحدى عشر آية

( و العاديات ضبحا) يقسم الله تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت عدوا بليغا قويا , يصدر عنه الضبح , و هو صوت نفسها في صدرها عند اشتداد العَدْو .

( فالموريات قدحا) يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار و تسمى نار الحباحب .

( فالمغيرات صبحا) أي جماعات الخيل يركبها فرسانها للإغارة على العدو بها صباحا , والإغارة صباحا أمر أغلبي , قال الشهاب: ... و تخصيص الصبح , لأن الغارة كانت معتادة فيه , أي مباغتة العدو .

( فأثرن به نقعا) أي فأهجن بذلك الوقت غبارا من الإثارة , قال الشهاب: و ذكر إثارة الغبار , للإشارة إلى شدة العَدْوِ وكثرة الكرّ و الفرّ .

( فوسطن به جمعا) فتوسطت جمع العدو و كتائبه لقتال أعداء الله الكافرين بالله و آياته و لقائه المفسدين في الأرض بالشرك و المعاصي .

( إن الإنسان لربّه لكنود) المراد من الإنسان الكافر و الجاهل بربّه تعالى الذي لم تتهذب روحه بمعرفة الله ومحابه و مكارهه و لم يُزَك نفسه بفعل المحاب و ترك المكاره , هذا الإنسان أقسم تعالى على أنه كفور لربه تعالى و لنعمه عليه أي شديد الكفر كثيره بذكر المصائب ويعشر بها و يصرخ لها و يصر عليها وينسى النعم و الفواضل عليه فلا يذكرها و لا يشكرالله تعالى عليها , فالكنود الكفور .
و قد فسر السلف الكنود بالهلوع و الجحود والجهول و الحقود و المَنوع .

( و إنه على ذلك لشهيد) أي إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع و الكند لشاهد بذلك , لايجحده و لا ينكره , لأن ذلك أمر بيِّن واضح . و يحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي : إن العبد لربه لكنود , و الله شهيد على ذلك , ففيه الوعيد , و التهديد الشديد , لمن هو لربه كنود , بأن الله عليه شهيد .

( و إنه لحب الخير لشديد) أي و إنه لحب المال و الدنيا و إيثارها , لقويّ , و حبه لذلك , هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه , قدم شهوة نفسه على حق ربه , وكلُّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار , و غفل عن الآخرة .
و سمّي المال خيرا تسمية عرفية إذ تعارف الناس على ذلك , كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة الله تعالى .

( أفلا يعلم إذا بُعثر مافي القبور) أخرج ما فيها من الأموات , لحشرهم و نشورهم .

( و حُصّل ما في الصدور) أي أظهر و أبرز ما في صدورهم و نفوسهم من أسرارهم و نياتهم المكتومة فيها , من خير أو شر , فصار السر علانية , و الباطن ظاهرا , و بان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم .
قال الرازي : ( و إنما خص أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح , لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب , فإنه لولا البواعث و الإرادات في القلوب , لما حصلت أفعال الجوارح , و لذلك جعلها تعالى الأصل في الذم فقال " ءاثم قلبه" و الأصل في المدح فقال " وَجِلَت قلوبهم" )

( إنّ ربهم بهم يومئذ لخبير) أي العالم بجميع ماكانوا يصنعون و يعملون و مجازيهم عليه أوفر الجزاء , و لا يظلم مثقال ذرة . فلو علم الكفور من الناس المحب للمال هذا و أيقنه لعدّل من سلوكه و أصلح من اعتقاده و من أقواله و أعماله فالآيات دعوة إلى مراقبة الله تعالى بعد الإيمان و الإستقامة على طاعته .
و خُص خُبره بذلك اليوم , مع أنه خبير بهم في كل وقت , لأن المراد بذلك , الجزاء بالأعمال , الناشئ عن علم الله و اطلاعه .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة الزلزلة

سورة الزلزلة مدنية و آياتها ثماني آيات

وتسمى سورة الزلزال لوجود لفظ الزلزال فيها و هو قوله تعالى " إذا زلزلت الأرض زلزالها" .

في هذه السورة يخبر الله تعالى عما يكون يوم القيامة , و أن الأرض تتزلزل و ترتجف حتى يسقط ما عليها من بناء و عَلَم . فتندك جبالها , و تُسوّى تلالها , و تكون قاعا صفصفا لا عوج فيه و لا أمت , و هذا الإخبارجاء مجملا إذ المقصود تقرير البعث و الجزاء ليعمل الناس بما ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة .

( إذا زلزلت الأرض زلزالها) أي أصابها ذلك الزلزال الشديد و الإهتزاز الرهيب , فهي الرجة التي لا غاية و راءها .

( و أخرجت الأرض أثقالها) أي قذفت ما في باطنها من كنوز و دفائن و أموات و غير ذلك , لشدة الزلزلة , و تشقق ظهرها - كقوله تعالى " يا أيها النّاس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم" - وكقوله تعالى " و إذا الأرض مُدّت و ألقت ما فيها و تخلّت " .

( و قال الإنسان مالها) أي قال من يكون من الإنسان شاهدا لهذا الزلزال ما لهذه الأرض رجّت هذه الرجة الهائلة , و بعثر ما فيهامن الأثقال المدفونة .
و " مالها " استفهام ناشئ عن دهشة و حيرة للمفاجأة .

( يومئذ تحدّث أخبارها) أي تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير و شر - بلسان القال أو الحال - فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم .
و هي في هذا الإخبار مأمورة لقوله تعالى ( بأن ربك أوحى لها) أي أمرها أن تخبر بما عمل عليها , فلا تعصي لأمره .

( يومئذ يصدر الناس أشتاتا) أي يوم تزلزل الأرض و تهتز للنفخة الثانية نفخة يصدر الناس فيها أشتاتا , ينصرفون عن مراقدهم إلى موطن حسابهم و جزائهم , متفرقين سعداء و أشقياء .

( ليروا أعمالهم) ليريهم الله ما عملوا من الحسنات و السيئات , ويريهم جزاءه موفرا , فالحسنة تورث الجنة و السيئة تورث النار .

( فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره , و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره) فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير , يرى ثوابه هنالك - و الذرة النملة الصغيرة و هي مَثل في الصغر , و قيل الذر هو الهباء الذي يُرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة - و من كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر , يرى جزاءه ثَمَّة إلا أن يعفو الجبار عزوجل , و بما أن الكفر مانع من دخول الجنة فإن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا يرى جزاءها في الدنيا , و ليس له في الآخرة شيء منها .
و هذا الجزاء شامل عام للخير و الشر كله , لأنه إذا رأى مثقال الذرة , التي هي أحقر الأشياء , و جوزي عليها فما فوق ذلك من باب أولى و أحرى , كما قال تعالى " يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا , و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا" " ووجدوا ما عملوا حاضرا" .
و هذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا , و الترهيب من فعل الشر و لو حقيرا .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة البيّنة

و تسمى سورة القيّمة و سورة لم يكن و يقال سورة المنفكين و سورة البرية و هي سورة مدنية عدد آياتها ثمان .

( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين ) أهل الكتاب هم اليهود و النصارى , و المشركون هم : عبدة الأوثان و النيران من العرب و من العجم .
فعنوان المشركين لا يتناول أهل الكتاب في عرف القرآن , بل هو خاص بالوثنيين , أعني من يدينون بالإشراك و تعدد الأرباب , فأهل الكتاب لا يتناولهم ذلك العنوان و إن دخل في عقائدهم الشرك , لأنه دخيل لا أصيل , و لذلك ينفرون من وصمة الشرك , و بسببه حل النكاح منهم دون الوثنيين .

( منفكين) منتهين عن كفرهم و ضلالهم الذين هم عليه أي : لا يزالون في غيهم و ضلالهم , لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرا .

( حتى تأتيهم البيّنة ) أي الحجة القاطعة و البرهان الساطع و هي هنا النبي صلى الله عليه و سلم .

و المعنى الإجمالي لهذه الآية ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة ) أن هؤلاء لم يكونوا منفصلين عمّا هم عليه من الديانة تاركين لها إلى غاية مجيء البينة لهم , فلما جاءتهم البينة و هي محمد صلى الله عليه و سلم و كتابه انفكوا أي انقسموا فمنهم من آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم و كتابه و الدين الإسلامي و منهم من كفر فلم يؤمن .

( رسول من الله ) أي محمد صلى الله عليه و سلم . أرسله الله يدعو الناس إلى الحق , و أنزل عليه كتابا يتلوه , ليعلم الناس الحكمة و يزكيهم , و يخرجهم من الظلمات إلى النور .

( يتلو صحفا مطهرة ) و هي صحف القرآن المطهرة من الخلط و حشو المدلسين , فلهذا تنبعث منها أشعة الحق حتى يعرفه طالبوه و منكروه معا .

( فيها كتب قيمة ) قال ابن جرير: أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة , ليس فيها خطأ , لأنها من عند الله عز وجل . قال الله تعالى " لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " . و الكتب التي في صحف القرآن و مصاحفه , إما أن تكون هي ما صح من كتب الأولين كموسى و عيسى و غيرهما , مما حكاه الله في كتابه عنهم , فإنه لم يأت منها إلا بما هو قوي سليم , و قد ترك حكاية ما لبّس فيه المتلبسون إلا أن يكون ذكره لبيان بطلانه , و لهذا لم يجد الجاحدون لرسالته عليه السلام من أهل الكتاب سبيلا إلى إنكار الحق , و إنما فضلوا عليه غيره . أو هي سور القرآن , فإن كل سورة من سوره كتاب قويم , فصحف القرآن أو صحائفه و أوراقهمصحفه تحتوي على سور من القرآن هي كتب قيمة .

( و ما تفرّق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ماجاءتهم البينة ) أي اليهود و النصارى إلا من بعد ما جاءتهم البينة و هي محمد صلى الله عليه و سلم و كتابه إذ كانوا قبل البعثة المحمدية متفقين على انتظار نبيّ آخر الزمان و أنه النبيّ الخاتم للنبوات فلما جاءهم تفرقوا فآمن بعض و كفر بعض .

( و ما أمروا ) أي و الحال أن أهل الكتاب ما أمروا بلسان أنبيائهم و كتبهم , و كذا في القرآن و على لسان نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ( إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) أي قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة و الباطنة وجه الله , و طلب الزلفى لديه .

( حنفاء ) مُعرضين مائلين عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد .

( و يقيموا الصلاة ) بأن يؤدوها في أوقاتها بشروطها و أركانها و آدابها .

( و يؤتوا الزكاة ) أي بصرفها في مصارفها التي عينها الله تعالى .

و خصّ الصلاة و الزكاة بالذكر مع أنهما داخلان في قوله تعالى " ليعبدوا الله مخلصين" لفضلهما و شرفهما , و كونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين .

( و ذلك دين القيمة)
" و ذلك " أي التوحيد و الإخلاص في الدين , هو " دين القيمة" أي الدين المستقيم , الموصل إلى جنات النعيم , و ما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم .
و قد استدل كثير من الأئمة , كالزهري و الشافعي , بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان , و لهذا قال " و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حُنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيّمة "
يتبع:::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة ) بعد أن بيّن الدين الحق المنجي من العذاب و الموجب للنعيم و هو الدين الإسلامي أخبر تعالى أن من كفربه من أهل الكتاب و من المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم الله فيهم لكفرهم بالحق و إعراضهم عنه بعد ما جاءتهم البيّنة و عرفوا الطريق و تنكبوه رضا بالباطل و اقتناعا بالكفر و الشرك بدل الإيمان و التوحيد هؤلاء الكفرة الفجرة هم شر الخليقة كلها .

( إن الذين ءامنوا ) أي بالله ورسوله محمد صلوات الله عليه ( و عملوا الصالحات) من بذل النفس في سبيل الجهاد للحق , و بذل المال في أعمال البر , مع القيام بفرائض العبادات , و الإخلاص في سائر ضروب المعاملات , لأن إذعانهم الصحيح ووجدانهم لذة معرفة الحق , ملّكت الحق قيادهم , فعملوا الأعمال الصالحة ( أولئكهم خير البريّة ) أي أفضل الخليقة . لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه , قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها , و بالعمل الصالح , قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنسانيّ , و هَدوا غيرهم بحسن الأسوة إلى مثل ما هُدوا إليه من الخير و السعادة .
و قد استدل بهذه الآية أبو هريرة رضي الله تعالى عنه و طائفة من العلماء , على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة .

( جزاؤهم عند ربهم) أي يوم القيامة .

( جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) أي بساتين إقامة دائما - تجري من تحتها الأنهار - لا يخرجون منها ولا يموتون أبدا .

( رضي الله عنهم و رضوا عنه ) رضي الله عنهم بسبب إيمانهم و طاعتهم و رضوا عنه , لأنهم بحسن يقينهم يرتاحون إلى امتثال ما يأمر به في الدنيا , فهم راضون عنه , ثم إذا ذهبوا إلى نعيم الآخرة , وجدوا من فضل الله ما لا محل للسخط معه , فهم راضون عن الله في كل حال .

( ذلك لمن خشي ربه) أي هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه , و عبده كأنه يراه , قد علم أنه إن لم يره فإنه يراه , و إن عصاه يوما تاب و إن أخطأ رجع حتى مات و هو على الطاعة لا على المعصية .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

فائدة :الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ لا خشية بلا علم قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء" فلذا وجب طلب العلم و هو العلم بالله و محابه و مكارهه ووعده ووعيده إذ ها هو العلم الذي يثمر الخشية .
::
::
::

 

أحدث المواضيع

أعلى