سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :

رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة المزّمل

و هي مكية و آياتها عشرون آية

( يأيها المزّمل ) أي المتزمل . أي المتلفف في ثيابه . و هنا خوطب صلى الله عليه و سلم بحكاية حاله وقت نزول الوحي , ملاطفة و تأنيسا و تنشيطا للتشمر لقيام الليل .

( قم الليل إلا قليلا ) أي صلِّ في الليل إلا قليلا و ذلك بحكم الضرورة للإستراحة , و مصالح البدن و مهماته التي لا يمكن بقاؤه بدونها .

( نصفه أو انقص منه قليلا أو زِد عليه ) أي : أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل , لا حرج عليك في ذلك .

فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربِّه , فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم . ثم خفف الله تعالى عنهم و نزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب و بقي الندب و الإستحباب .
فقد جاء في صحيح مسلمعن عائشة رضي الله عنها لما سألت عن قيام رسول الله صلى الله عليه و سلم , فقالت لسّائل : ألست تقرأ " يأيها المزّمل " ؟ قال : بلى . قالت : " فإن الله عزّ و جلّ افترض قيام الليل في أوّل هذه السورة , فقام نبيُّ الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه حولا , و أمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السّماء حتّى أنزل الله في آخر هذه السّورة التّخفيف , فصار قيام الليل تطوّعا بعد فريضة " .

( و رتّل القرآن ترتيلا ) أي : اقرأه على تمهل , فإنه يكون عونا على فهم القرآن و تدبره . قال الزمخشري: تريل القرآن قراءته على ترسل و تُؤدة , بتبيين الحرف , و إشباع الحركات ... و أن لا يهذّه هذّا , و لا يسرده سردا . قال ابن مسعود : لا تهذّوا القرآن هذّ الشعر , و لا تنثروه نثر الدقل . قفوا عند عجائبه , و حرّكوا به القلوب , و لا يكن همَّ أحدكم آخر السورة .
قالت حفصة رضي الله عنها : " و كان يقرأ – أي النبي صلى الله عليه و سلم – بالسُّورة فيرتِّلها حتَّى تكون أطول من أطول منها " رواه مسلم .
و عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " كانت مدًا , ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم , يمد بسم الله , و يمد الرحمن , و يمد الرحيم " رواه البخاري .
و عن أم سلمة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطِّع قراءته , يقرأ : الحمد لله ربّ العالمين , ثم يقف , الرحمن الرحيم , ثم يقف " رواه الترمذي و صححه الألباني. و قد استدل بالآية على أن الترتيل و التدبُّر , مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها , لأن المقصود من القرآن فهمه و تدبُّره , و الفقه فيه , و العمل به .

( إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) أي نوحي إليك هذا القرآن الثقيل . فإنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل , إنها فرائض وواجبات , أعلمه ليوطن نفسه على العمل و يهيئها لحمل الشريعة علما و عملا و دعوة .

( إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطئا و أقوم قيلا ) إن قيام الليل أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن من جعل السمع يواطئ القلب على فهم معاني القرآن و تدبُّرها , بخلاف النهار , فإنه لا يحصل به هذا المقصود , لأنه وقت انتشار الناس و لغط الأصوات و أوقات المعاش .

( إنّ لك في النّهار سبحا طويلا ) يخبر تعالى رسوله بأن له في النهار أعمالا تشغله عن قراءة القرآن فلذا أرشده إلى قيام الليل و ترتيل القرآن لتفرغه من عمل النهار .

( و اذكر اسم ربّك ) أي دم على ذكره ليلا نهارا . قال الزمخشري: و ذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب : تسبيح و تهليل و تكبير و تمجيد و توحيد و صلاة و تلاوة قرآن , و دراسة علم , و غير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغرق به ساعات ليله و نهاره .

( و تبتّل إليه تبتيلا ) أخلص له العبادة , و اصرف له طلبك لكل حاجة من أمر دينك أو دنياك .

( ربُّ المشرق و المغرب لا إله إلاّ هو فاتخذه وكيلا ) أي : هو المالك المتصرف في المشارق و المغارب و ما يكون فيها , الذي لا تنبغي العبادة إلا له و لا تصح الألوهية إلا له . و كما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل في كل ما يهمك فإنه يكفيك و هو على كل شيء قدير .

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( و اصبر على ما يقولون و اهجرهم هجرا جميلا ) يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه و سلم بالصبر على ما يقوله من كذبه منسفهاء قومه – كقولهم هو ساحر و شاعر و كاهن و مجنون و ما إلى ذلك – و أن يهجرهمهجرا لا عِتاب معه و لا أذية فيه و بالإعراض عن مكافأتهم بالمثل , كما قال تعالى " و دَعْ أذاهم و توكّل على الله" .

( و ذرني و المكذّبين ) أي : دعني و إيّاهم , و كِلْ أمرهم إليّ , فإن بي غنية عنك في الإنتقام منهم .

( أولي النّعمة ) أي : أصحاب النعمة و الغنى , الذين طغوا حين وسّع الله عليهم من رزقه , و أمدهممن فضله كما قال تعالى " كلاّ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" .

( و مهّلهم قليلا ) أي : تمهل عليهمزمانا و لا تستعجل فإني كافيكهم , قال تعالى "نُمتّعهم قليلاثمّ نضطّرهم إلى عذاب غليظ " .

( إنّ لدينا أنكالا وجحيما و طعاما ذا غصّة و عذابا أليما ) أي : عندنا للمكذبين بك في الآخرةقيودا من حديد و نارا مستعرة محرقة , و طعاما ذا غصّة لمرارته و بشاعته , و كراهةطعمه و ريحه الخبيث المنتن , فلا يستسيغه آكله و هو مع كل هذا ينشب في الحلق فلايدخل و لا يخرج . و عذابا موجعا مفظعا .

( يوم ترجف الأرض والجبال ) أي : تضطرب و ترتجّ بالزلزال .

( و كانت الجبال كثيبا مهيلا ) أي : تصير ككثبان الرمل بعدما كانت حجارة صماء , ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب , حتى تصير الأرض مستوية لاشيء فيهامنخفض و لاشيء فيها مرتفع .

يتبع ...
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليم و رحمة الله و بركاته

تتمة تفسير سورة المزمل

( إنّا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ) بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الآخرة .

( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ) و هو موسى بن عمران عليه السلام .

( فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا و بيلا ) فلما كذّب فرعون موسى و طغى و استكبر أخذناه أخذا ثقيلا شديدا غليظا . لهذا احذروا – قريش خاصة و الناس عامة – أنتم أن تكذبوا هذا الرسول – و هو محمد صلى الله عليه و سلم – فيصيبكم ما أصاب فرعون , حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر , كما قال تعالى " فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى" , و أنتم أولى بالهلاك و الدمار إن كذبتم , لأن رسولكم أشرف و أعظم من موسى بن عمران .

( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ) أي : فكيف يحصل لكم الفكاك و النجاة من يوم القيامة , اليوم المهيل أمره , العظيم قدره , الذي يشيب الولدان , و تذوب له الجمادات العظام .

( السماء منفطر به ) أي : منشقة بسبب أهوال يوم القيامة .

( كان وعده مفعولا ) أي يوم القيامة واقعا لا محالة , و كائنا لا محيد عنه , لأن وعده تعالى متحقق و لابد .

( إن هذه تذكرة ) إن هذه الآيات المشتملة على ذكر القيامة و أهوالها موعظة لمن اعتبر بها و اتّعظ .

( فمن شاء اتّخذ إلى ربه سبيلا ) أي : طريقا موصلا إليه , و ذلك باتباع شرعه , فإنه قد أبانه كل البيان , و أوضحه غاية الإيضاح , و في هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم , و مكَّنهم منها , لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم , فإن هذا خلاف النقل و العقل .

( إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل و نصفه و ثلثه و طائفة من الذين معك ) يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو و طائفة من أصحابه و أنهم يقومون أحيانا أقل من ثلثي الليل و يقومون أحيانا النصف و الثلث .

( و الله يقدّر الّيل و النهار ) أي يجعلهما على مقادير يجريان عليها , فتارة يعتدلان , و تارة يزيد أحدهما في الآخر , و بالعكس مما يشق لأجله المواظبة على قيامه بما علمه منكم .

( علم أن لن تحصوه) أي : لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثره تحريا منكم لما هو المطلوب .

( فتاب عليكم) أي : عاد عليكم باليسر و رفع الحجر , فنسخ قيام الليل الواجب , و بقي المستحب يؤدى و لو بركعتين في أي جزء من الليل و كونهما بعد صلاة العشاء أفضل .

( فاقرءوا ما تيسّر من القرآن ) أي : صلوا من الليل ما تيسر . و عبر عن الصلاة بالقراءة , كما قال تعالى " و لا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك .

( علم أن سيكون منكم مرضى و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله و آخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيّسر منه ) أي : علم أن سيكون من هذه الأمة ذووا أعذار في ترك قيام الليل , من مرضى لا يستطيعون ذلك , و مسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب و المتاجر , و آخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله , فقوموا بما تيسر عليكم منه .
هذه الآية – بل السورة كلها – مكية و لم يكن القتال شُرع بعد , فهي من أكبر دلائل النبوة , لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلية .

( و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة) أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم , و آتوا الزكاة المفروضة . و هذا يدل لمن قال : إن فرض الزكاة نزل بمكة , لكن مقادير النّصب و المخرج لم تُبين إلا بالمدينة , و الله أعلم .

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

(و أقرضوا الله قرضا حسنا ) أنفقوافي سبيل الله أموالكم طيبة بها نفوسكم فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء و أوفره , كما قال " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافاكثيرة " . و يدخل في هذا الصدقة الواجبة و المستحبة , ثم حث على عموم الخيرو أفعاله .

( و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هوخيرا و أعظم أجرا ) و ما تقدموا لأنفسكم من سائر العبادات فرضها و نفلها , وسائر أفعال الخير تجدوه عن الله يوم القيامة هو خيرا و أعظم أجرا , فالحسنة بعشرأمثالها , إلى سبعمائة ضعف , إلى أضعاف كثيرة , و أن مثقال ذرة من الخير في هذهالدار , يقابله أضعاف أضعاف الدنيا , و ما عليها في دار النعيم المقيم , من اللذاتو الشهوات , و أن الخير و البر في هذه الدنيا , مادة الخير و البر في دار القرار , و بذره و أصله و أساسه .

( و استغفروا الله إنّ الله غفوررحيم ) أي سلوه غفران ذنوبكم فإنه غفور رحيم لمن استغفره و تاب إليه و أناب .
و في الأمر بالإستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة و الخير , فائدة كبيرة , وذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به , إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله علىوجه ناقص , فأمر بترقيع ذلك بالإستغفار , فإن العبد يذنب آناء الليل و النهار , فمتى لم يتغمده الله برحمته و مغفرته , فإنه هالك .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة الجنّ

و هي مكية و عدد آياتها ثمان و عشرون آية

قال المهايميّ : سميت بها لاشتمالها على تفاصيل أقوالهم في تحسين الإيمان , و تقبيح الكفر , مع كون أقوالهم أشد تأثيرا في قلوب العامة , لتعظيمهم إياهم .

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : " ما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجنّ و ما رآهم , انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ , و قد حيل بين الشيّاطين و بين خبر السّماء , و أُرسلت عليهم الشُّهب , فرجعت الشياطين إلى قومهم , فقالوا : مالكم ؟ قالوا : حيل بيننا و بين خبر السّماء , و أُرسلت علينا الشهب , قالوا : ما ذاك إلاّ من شيء حدث , فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء ؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض و مغاربها , فمرّ النفر الذي أخذوا نحو تُِهامة , و هو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ , و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر , فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له , و قالوا : هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء , فرجعوا إلى قومهم , فقالوا : يا قومنا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا , فأنزل الله عزّ وجل على نبيّه محمد صلى الله عليه و سلم ( قل أوحي إليّ أنّه استمع نفر من الجنّ ) " رواه مسلم.

( قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ ) أي : أعلن للناس يا رسولنا أن الله قد أوحى إليك خبرا مفاده أن عددا من الجن ما بين الثلاثة و العشرة قد استمعوا إلى قراءتك للقرآن الكريم .

( فقالوا إنّا سمعنا قرءانا عجبا ) أي : لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم أنهم سمعوا كتابا جامعا للحائق الإلهية و الكونية و الأحكام و المواعظ , و جميع ما يحتاج إليه في أمر الدارين , و أن هذا الكتاب عباراته فصيحة غزيرة لا تناسبه عبارة الخلق , و لا تدخل تحت قدرتهم .

( يهدي إلى الرشد ) يهدي إلى الحق و الصواب .

( فآمنّا به و لن نشرك بربّنا أحدا ) و في هذا تعريض بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم إحدى عشر سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة و هم به كارهون له مصرون على الشرك , و الجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به و حملوا رسالته إلى قومهم .

( و أنّه تعالى جد ربنّا ما اتخذ صاحبة و لا ولدا ) أي تعالى ملك ربنا و سلطانه و قدرته و عظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه , الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ زوجة , أو وقاع شيء يكون منه الولد . و إنما نسب إليه ذلك المفترون .

( و أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) و أنه كان يقول جاهلنا على الله قولا جائرا عن الصواب , متعديا للحد – و هو نسبة الصاحبة و الولد إليه – و ما حمله على ذلك إلا سفهه و ضعف عقله .

( و أنّا ظننا أن لن تقول الإنس و الجن على الله كذبا ) و إنّا كنّا نظن أن الإنس و الجن لا يكذبون على الله و لا يقولون عليه إلا الصدق , و قد علمنا الآن أنهم يكذبون على الله و يقولون عليه ما لم يقله و ينسبون إليه ما هو منه براء .

( و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا ) أنه كان رجال من الناس إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري , يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان , أن يصيبهم بشيء يسوؤهم , فلما رأت الجن أن الإنس يستعيذون بهم من خوفهم منهم , زادتهم ذعرا و تخويفا حتى تبقوا أشد منهم مخافة و أكثر تعوذا بهم .
قال مقاتل : أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن من بني حنيفة ثم فشا في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله و تركوهم .
قالت خولة بنت حكيم : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " من نزل منزلا , ثم قال : أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شرّ ما خلق , لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " رواه مسلم.

( و أنّهم ظنُّوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ) قال ذلك النفر من الجن لقومهم إن الإنس ظنوا كما ظننتم أيها الجن أن لن يبعث الله رسولا إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده و ما فيه سعادتهم .

( و أنّا لمسنا السماء ) أي تطلبنا بلوغ السماء و استماع كلام أهلها .

( فوجدناها مُلئت حرسا شديدا و شُهبا ) أي : وجدنا السماء حفظت من سائر أرجائها بملائكة أقوياء يحرسونها و شهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا .

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( و أنا كنا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) أي : كنا نقعد من السماء أماكن معينة لنسترق السمع و نتلقف من أخبار السماء ما شاء الله , أما الآن فمن يريد أن يفعل ذلك يجد له شهاب نار قد رصد له , لا يتخطاه و لا يتعداه , بل يمحقه و يهلكه .
و قد كانت الكواكب يُرمى بها قبل ذلك , و لكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان , كما في حديث ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في نفر من أصحابه إذرُمي بنجم فاستنار , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ماكنتم تقولون لمثل هذا في الجاهليَّة إذا رأيتموه ؟ " قالوا : كنّا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فإنَّه لا يُرمى به لموت أحد و لا لحياته و لكنّ ربَّنا عزَّ و جل إذاقضى أمرا سبَّح له حملة العرش ثمّ سبَّح أهل السّماء الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى هذه السماء , ثم سأل أهل السّماء السادسة أهل السماء السابعة : ماذا قال ربُّكم ؟ قال : فيُخبرونهم ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السّماء الدنيا و تختطف الشياطين السمع فيُرمون فيقذفونه إل أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق , و لكنَّهم يُحرِّفونه و يزيدون " رواه الترمذي و صححه الألباني.

( و أنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربُّهم رشدا ) الأمر الذي قد حدث في السماء , لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم خير ؟ و هذا من أدبهم في العبارةحيث أسندوا الشر إلى غير فاعل , و الخير أضافوه إلى الله عز و جل , و قد ورد في الحديث الصحيح الذيرواه مسلم : " والشر ليس إليك " لكن لما استمعوا إلى القرآن علموا أنه أريد بهم الخير والصلاح , و ذلك ببعثة نبيّ كريم يرشد إلى الحق .

يتبع...
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تتمة تفسير سورة الجن


( و أنّا منا الصالحون و منّا دون ذلك ) أي منّا المسلمون العاملون بطاعة الله , و منّا فساق و فجار و كفار .

( كُنّا طرائق قداد ) أي : طرائق متعددة مختلفة و آراء مختلفة , فكان منهم اليهودي و النصراني و المجوسي , و لما جاء الإسلام أصبح منهم المسلم و أصبح من المسلمين قدرية و مرجئة و خوارج و رافضة و شيعة , لأنهم تابعون للناس في معتقداتهم و أقوالهم و أعمالهم .

( و أنّا ظننّا أن لن نعجز الله في الأرض و لن نعجزه هربا ) أي : نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا , و أن نواصينا بيده , فلن نعجزه في الأرض , و لن نعجزه إن هربنا و سعينا بأسباب الفرار و الخروج عن قدرته , لا ملجأ منه إلا إليه .

( و أنّا لما سمعنا الهدى آمنّا به) لما سمعنا القرآن الكريم الذي يهدي إلى الطريق المستقيم , و عرفنا هدايته و إرشاده , أثّر في قلوبنا فآمنّا به و صدّقنا بأنه حق من عند الله .

( فمن يؤمن بربّه , فلا يخاف بخسا و لا رهقا ) فمن يؤمن بربّه إيمانا صادقا لا يخاف أن يُنقص من حسناته أو إثما يضاف إلى سيئاته و يعاقب به و هو لم يرتكبه في الدنيا , كما قال تعالى " فلا يخاف ظُلما و لا هضما" .

( و أنّا منّا المسلمون و منّا القاسطون ) منّا المسلمون , و منّا الكافرون الجائرون عن طريق الحق .

( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) فمن انقاد لله تعالى بطاعته و خلص من الشرك به , فقد أصابوا طريق الحق , الموصل لهم إلى الجنة و نعيمها .

( و أمّا القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) أي : توقد بهم و تستعر عليهم و على الكافرين الجائرين أمثالهم من الإنس .

( و ألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا ) و أن لو استقام المشركون على الإيمان و التوحيد و الطاعة لله و لرسوله , لوسعنا عليهم أرزاقهم , و كثرنا لهم أموالهم . قال تعالى " و لو أنهم أقاموا التّوراة و الإنجيل و ما أُنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم " . و قال " و لو أن أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء و الأرض " .
و تجوز بالماء الغدق , و هو الكثير , عما ذكر , لأنه أصل المعاش و سعة الرزق , و لعزة وجوده بين العرب . أو لأن غيره يعلم منه بالأولى .

( لنفتنهم فيه ) أي : لنختبرهم و نمتحنهم في ذلك الخير الكثير , أيشكرون أو يكفرون ؟ ثم إن شكروا زادهم , و إن كفروا سلبهم و عذبهم .

( و من يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابا صعدا ) أي : من أعرض عن ذكر الله , الذي هو كتابه , فلم يتبعه و ينقذ له , بل غفل عنه و لهي , فإنه سوف يعذب عذابا شاقا شديدا موجعا مؤلما .

( و أنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) أي : إن المساجد التي هي أعظم محال العبادة لم تبنى إلا ليذكر فيها الله تعالى وحده , فلا يعبد فيها غيره , أو يشرك معه في العبادة , و لا يسأل فيها غيره أو يشرك معه في المسألة .

( و أنّه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) لما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو الناس إلى ربّهم اجتمعت الإنس و الجن عليه ليطفئوا دعوته , فأبى الله تعالى إلا أن ينصره و يُمضي دعوته و يظهره على من عاداه .

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( قل إنما أدعوا ربي و لا أشرك به أحدا ) أي : قال لهم الرسول صلى الله عليه و سلم لما آذوه و خالفوه و كذبوه و تظاهروا عليه , ليبطلوا ما جاء به من الحق و اجتمعوا على عداوته , إنما أعبد ربي وحده لا شريك له , و أستجير به و أتوكل عليه .

( قل إنّي لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا ) أي : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ , و عبد من عباد الله ليس إليّمن الأمر شيء في هدايتكم و لا ضلالكم , بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز و جل , يضل من يشاء و يهدي من يشاء .

( قل إنّي لن يجيرني من الله أحد ) أي : لو عصيت الله تعالى فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه .

( و لن أجد من دونه ملتحدا ) و لن أجد من غيره ملتجأ ألتجأ إليه .

( إلاّ بلاغا من الله و رسالاته ) أي : لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا إلا بلاغا من الله و رسالته , فإني أبلغكم عنهما أمرني به و أرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى و الخير و الفوز .

( و من يعصي الله و رسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدا ) ومن يعصي الله بالشرك به , و برسوله بتكذيبه و عدم اتباعه فيما جاء به فإن له جزاء شركه و تكذيبه و جحده نار جهنم خالدين فيها أبدا , لا محيد لهم عنها , و لا خروج لهم منها .

( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا و أقلّ عددا ) حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن و الإنس ما يوعدون من عذاب يوم القيامة , فسيعلمون يومئذ أنه لا ناصر لهم بالكلية , و أنهم هم أقل عددا من جنود الله عز و جل .

( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا) أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا و عنادا و تكذيبا , أن يقول لهم ما أدري أقريبما و عدكم ربكم من العذاب حيث يحل بكم عاجلا أم يجعل له ربي غاية و أجلا بعيدايعلمه هو و لا يعلمه غيره .

( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا , إلا من ارتضى من رسول ) و هذه كقوله تعالى " و لايحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء " . فإن الله تعالى وحده يعلم الغيب والشهادة , و إنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا من ارتضى من رسول فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به , و هذا يعم الرسول الملكي و البشري .

( فإنه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا ) أي : حرسا من الملائكة يحفظونه من تخاليط الشياطين و وساوسهم , حتى يبلغ ما أمر به من غيبه ووحيه .

( ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) ليعلم الرسول صلى الله عليه و سلم أن الرسل من قبله قد بلغت رسالات ربها لما أحاطها تعالىبه من العناية حتى إنه إذا جاءه الوحي كان معه ملائكة يحمونه من الشياطين حتى لايسمعوا خبر السماء فيبلغوه أولياءهم من الإنس , فتكون فتنة في الناس .

( و أحاط بما لديهم) أي : و أحاط الله بما لدى الملائكة والرسل علما .

( و أحصى كل شيء عددا) أي : و أحصى عدد كل شيء لسعة علمه سبحانه و تعالى , فلا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة نوح

و هي مكية و عدد آياتها ثمان و عشرون آية

قال المهايميّ : سميت به لاشتمالها على تفاصيل دعوته و أدعيته .

( إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) يقول تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه أرسله إلى قومه , رحمة لهم و إنذارا لهم من عذاب الله الأليم , خوفا من استمرارهم على كفرهم , فيهلكهم الله هلاكا أبديا , و يعذبهم عذابا سرمديا .

( قال يا قوم إنّي لكم نذير مبين ) أي : أخوفكم من عواقب كفركم بالله و شرككم به .

( أن اعبدوا الله و اتّقوه و أطيعون ) أي : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئا و اتقوه فلاتعصوه بترك عبادته و لا بالشرك به , و أطيعون فيما آمركم به و أنهاكم عنه لأني مبلغ عن الله ربي و ربكم , و لا آمركم إلا بما يكملكم و يسعدكم و لا أنهاكم إلا عما يضركم و لا يسركم .

( يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجل مسمّى ) إذا فعلتم ما أمرتكم به و صدقتم ما أرسلت به إليكم , غفر الله لكم ذنوبكم – و بالتالي يحصل لهم النجاة من العذاب , و الفوز بالثواب – و يمد في أعماركم و يدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنزجروا عما أنهاكم عنه , أوقعه بكم .

( إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون ) إن العذاب الذي كتبه على من كذب و تولى محقق غير مؤخر فلو كنتم من أهل العلم و النظر لأنبتم إلى ربكم فتبتم إليه و استغفرتموه .

( قال ربّ إني دعوت قومي ليلا و نهارا ) قال نوح عليه السلام - بعد أن بذل غاية الجهد في دعوة قومه , و ضاقت عليه الحيل , في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاما - و هو يشكو إلى ربّه إني دعوة قومي إلى عبادتك و توحيدك ليل نهار , و ذلك امتثالا لأمرك و ابتغاءً لطاعتك .

( فلم يزدهم دعائي إلاّ فرارا ) أي : كلما دعوتهم إلى الإيمان بك و عبادتك وحدك , فرُّوا مني و من الحق الذي أرسلتني به .

( و إني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم ) و إنما كلما دعوتهم ليؤمنوا بك و يتوبوا إليك لتغفر لهم سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه – كما أخبر تعالى عن كفار قريش " و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه لعلكم تغلبون " – و تغطوا بثيابهم من كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في الدين , و بُعدا عن الحق و بغضا له .

( و أصروا و استكبروا استكبارا ) أي : استمروا على ما هم فيه من الشرك و الكفر العظيم الفظيع , و تعاظموا عن الإذعان للحق و قبول ما دعوتهم إليه من النصيحة .

( ثم إني دعوتهم جهارا ثم إنّي أعلنت لهم و أسررت لهم إسرارا) ثم إني دعوتهم إلى توحيدك في عبادتك و إلى ترك الشرك فيها مرة بعد مرة , على وجوه متنوعة , ما بين مجاهرة و إظهار بلا خفاء , و ما بين إعلان و صياح بهم , و ما بين إسرار فيما بيني و بينهم في خفاء , و هذه المراتب أقصى ما يمكن للآمر بالمعروف , و الناهي عن المنكر أن يقوم بها .

( فقلت استغفروا ربكم إنّه كان غفّارا ) أي : ارجعوا إليه و ارجعوا عما أنتم فيه و توبوا إليه من قريب , فإنه من تاب إليه تاب عليه , و لو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر و الشرك .

( يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي نزل عليكم المطر متتابعا , يروي الشعاب و الوهاد , و يحيي البلاد و العباد .

( و يمددكم بأموال و بنين ) أي : يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا و أولادكم .

( و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا ) أي : و جعل لكم بساتين فيها أنواع الثمار , و خللها بالأنهار الجارية بينها .

( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) أي : أي شيء جعلكم لا ترون لله عظمة إذ تشركون معه ما لا يسمع و لا يبصر , فلا تخافون من بأسه و نقمته .

( و قد خلقكم أطوارا ) أي خلقكم حالا بعد حال , فطورا نطفة , و طورا علقة , و طورا مضغة .. و هكذا طورا بعد طور . و مقتضى علم ذلك شدة الرهبة من بطشه و أخذه , لعظيم قدرته .

( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ) أي : كل سماء فوق الأخرى .


 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( و جعل القمر فيهنّ نورا و جعل الشّمس سراجا ) ففاوت بينهما في الإستنارة , فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة , ليعرف الليل و النهار بمطلع الشمس و مغيبها , و قدر القمر منازل و بروجا , و فاوت نوره , فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستسر , ليدل على مضي الشهور والأعوام , كما قال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نوراو قدّره منازل لتعلموا عدد السّنين و الحساب ما خلق الله ذلك إلاّ بالحقّ يفصّل الآيات لقوم يعلمون " .

( و الله أنبتكم من الأرض نباتا ) إذ أصلكم من تراب , و النطف أيضا من الغذاء المكون من التراب , ثم خلقتكم تشبه النبات و هي على نظامه في الحياة و النماء .

( ثم يعيدكم فيها ) أي : في الأرض بعد الموت فتدفنون فيها .

( و يخرجكم إخراجا ) أي : يوم القيامة يعيدكم كمابدأكم أول مرة .

( و الله جعل لكم الأرض بساطا ) أي : مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها و الحياة عليها .

( لتسلكوا منها سُبلا فجاجا ) أي : خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم , من نواحيها و أرجائها و أقطارها .

و كل هذا مماينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله و عظمته في خلق السماوات و الأرض , و نعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية و الأرضية , فهو الخالق الرازق , جعل السماء بناءً , و الأرض مهادا , و أوسع على خلقه من رزقه , فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد و لا يشرك به أحد , لأنه لا نظير له و لا عديل له , و لا ندّ و لا كفء , و لاصاحبة و لا ولد , و لا وزير و لا مشير , بل هو العلي الكبير .

يتبع ...
::
::
::
 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تتمة تفسير سورة نوح ...

( قال نوح ربّ إنهم عصوني ) أي : قال عليه السلام شاكيا لربه : إن هذا الكلام و الوعظ ما نجع فيهم و لا أفاد , فقد خالفوا أمري و ردُّوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى و الرشاد .

( و اتّبعوا من لم يزده ماله و ولده إلاّ خسارا ) و اتّبعوا كبراءهم و أغنياءهم و أهل الترف فيهم , أهل المال و الجاه , المعرضين عن الحق , الذين غرَّتهم أموالهم و أولادهم , فهلكوا بسببهما , و خسروا سعادة الدارين .

( و مكروا مكرا كُبّارا ) أي : مكروا مكرا كبيرا بليغا بأتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق و الهدى , كما يقولون لهم يوم القيام " بل مكر اللّيل و النّهار إذ تأمروننا أن نّكفر بالله و نجعل له أنداد " .

( و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرنّ ودًّا و لا سُوَاعا و لا يغوث و يعوق و نسرا ) أي : قالوا لبعضهم البعض متواصين بالباطل , ألاّ تَدعوا عبادة آلهتكم , ثم سموا منها رؤساءها و هم خمسة : ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر . قال ابن عباس: " و هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح , فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا , و سمُّوها بأسمائهم . ففعلوا , فلم تُعبد , حتّى إذا هلك أولئك , و تنسَّخ العلم عُبدت " رواه البخاري.
و قال ابن جرير : " كان من خبرهم - فيما بلغنا - من محمد بن قيس قال : كانوا قوما صالحين من بني آدم , و كان لهم أتباع يقتدون بهم , فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم . فصورهم . فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم , و بهم يسقون المطر , فعبدوهم " .
قال قتادة : كانت آلهة تعبدها قوم نوح , ثم عبدتها العرب بعد ذلك .

( و قد أضلّوا كثيرا ) يعني : الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرا , فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب و العجم و سائر صنوف بني آدم . و قد قال إبراهيم عليه السلام في دعائه " و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام , ربّ إنّهن أضللن كثيرا من الناس " .

( و لا تزد الظالمين إلا ضلالا ) هذا دعاء من نوح عليه السلام على قومه بعد أن أيس من إيمانهم و عدم هدايتهم لطول ما مكث بينهم يدعوهم و هم لا يزدادون إلا كفرا و ضلالا .

( ممّا خطيئاتهم أغرقوا ) من كثرة ذنوبهم و عتوهم و إصرارهم على كفرهم و مخالفتهم رسولهم أغرقوا بالطوفان فلم يبق منهم أحد .

( فأدخلوا نارا ) أي : بمجرد ما يغرق الشخص و تخرج روحه يدخل النار في البرزخ .

( فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) أي : لم يكن لهم معين و لا مُغيث و لا مُجير ينقذهم من عذاب الله كقوله " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" .

( و قال نوح ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا ) أي : لا تترك على وجه الأرض منهم أحدا . قال ابن جرير : " يعنى ب " الديّار " من يدور في الأرض فيذهب و يجيء فيها " . فاستجاب الله له , فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه , و قال " سآوي إلى جبل يعصمني من الماء , قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم , و حال بينهما الموج فكان من المغرقين " .

( إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ) إنك إن أبقيت منهم أحدا أضلوا عبادك , أي : الذين تخلقهم بعدهم .

( و لا يلدوا إلاّ فاجرا كفّارا ) أي : لا يلدون إلا من يفجر عن دينك و يكفر بك و برسولك . و إنما قال نوح عليه السلام ذلك , لأنه مع كثرة مخالطتهم , و مزاولته لأخلاقهم , و طول المدة التي مكثها بينهم - ألف سنة إلا خمسين عاما - علم بذلك نتيجة أعمالهم , لا جرم أن الله استجاب دعوته , فأغرقهم أجمعين , و نجى نوحا و من معه من المؤمنين .

( ربّ اغفر لي و لوالديّ ) قال ابن جرير : أي رب اعف عني , و استر عليّ ذنوبي و على والديّ .

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( و لمن دخل بيتي مؤمنا ) قال ابن جرير : أي و لمن دخل مسجدي و مصلاي , مصليا مؤمنا بواجب فرضك عليه . قال ابن كثير : و لا مانع من حمل الآية على ظاهرها , و هو أنه دعا لكل من دخل منزله و هومؤمن .

( و للمؤمنين و المؤمنات ) دعاء لجميع المؤمنين و المؤمنات , و ذلك يعم الأحياء منهم و الأموات , و لهذا يستحب مثل هذاالدعاء , اقتداء بنوح عليه السلام , و بما جاء في الآثار , و الأدعية المشروعة .

( و لا تزد الظالمين إلا تَبارا ) أي : و لا يزدالظالمين إلا خسارا و هلاكا في الدنيا و الآخرة .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة المعارج

و تسمى سورة " سأل سائل " . و هي مكية و آيها أربع و أربعون .

( سأل سائل بعذاب واقع ) أي دعا داعٍ من الكفار و هو النضر بن الحارث و من وافقه من المشركين أن يصيبهم العذاب – على وجه التعجيز و الإمتحان - , فقالوا : " اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " . فبشرهم الله تعالى بأن ذلك العذاب واقع لا محالة .

( واقع , للكافرين ) مُرصد مُعَدّ للكافرين .

( ليس له دافع ) أي : ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل , من متمردي المشركين , أحد يدفعه قبل نزوله , أو يرفعه بعد نزوله .

( من الله ذي المعارج ) أي : صاحب العلو و الدرجات و مصاعد الملائكة و هي السماوات .

( تعرج الملائكة و الروح إليه ) أي : تصعد الملائكة و جبريل إلى الله تعالى .

( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق .

( فاصبر صبرا جميلا ) أي : اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك , و استعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه , و استمر على أمر الله , و ادع عباده إلى توحيده , فإن الصبر على ذلك خيرا كثيرا .

( إنهم يرونه بعيدا) وقوع العذاب و قيام الساعة يراه الكفرة مستحيل الوقوع , لأنهم أصلا يكذبونا بالبعث و النشور .

( و نراه قريبا ) أي : المؤمنون يعتقدون كونه قريبا , و إن كان له أمد لا يعلمه إلا الله , عز و جل , لكن كل ما هو آت فهو قريب و واقع لا محالة .

يقول تعالى : العذاب واقع بالكافرين ( يوم تكون السماء كالمهل ) أي : تذوب كذائب النحاس , و الرصاص المذاب , من تشققها , و بلوغ الهول منها كل مبلغ .

( و تكون الجبال كالعهن) أي : كالصوف المنفوش – في الخفة و الطيران بالريح – ثم تكون بعد ذلك هباء منثورا , فتضمحل . فإذا كان هذا القلق و الإنزعاج لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة , فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره بالذنوب و الأوزار ؟ أليس حقيقا , أن ينخلع قلبه و ينزعج لبه , و يذهل عن كل أحد ؟ و لهذا قال :
( و لا يسأل حميم حميما ) أي : لا يسأل قريب قريبا عن شأنه – مع أنه يراه في أسوأ الأحوال – لشغله بشأن نفسه .

( يبصرونهم ) أي : يعرّفون أقرباءهم , و مع ذلك يفر بعضهم من بعض .

( يودُّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه , و صاحبته و أخيه , و فصيلته التي تُؤويه , و من في الأرض جميعا ثمّ يُنجيه , كلا ) لما يرى المجرم الذي حق عليه العذاب هول يوم القيامة و هول ما ينتظره من عذاب أليه , يتمنى أن لو يفتدي نفسه – من ذلك العذاب – ببنيه الذين هم حُشاشة كبده , و محل شفقته , و زوجته التي هي أحب إليه , و أخيه الذي يستعين به في النوائب , و عشيرته التي تضمه إليها في الشدائد , بل و يفتدي بأهل الأرض جميعا لينجي نفسه من سوء المصير . لكن لا ينفع ذلك و لا يقبل , فقد حقّت كلمة ربك على الذين فسقوا أن لهم عذاب عظيم .

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( إنّها لظى ) إنّ النار التي وُعد بها المجرمون من لهب خالص , شديدالحرارة .

( نزّاعة للشّوَى ) أي : تنزع جلدة رأس المجرمين بشدة و قوة فيظل الرأس عظم بلا جلد , ثم " و إن يستغيثوا يُغاثُ بماء كالمهل يشوي الوجوه " فيسقط لحم الوجه , فيبقى هيكلاعظميا لا لحم و لا جلد عليه كما قال تعالى " كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " . * قاله الشيخ عبد العظيم بدوي* .

( تدعو من أدبر و تولّى , و جمع فأوعى ) أي : تدعو النار إليها – بلسان طلق ذلق – من أدبر عن طاعة الله ورسوله , فكذبه بقلبه , و ترك العمل بجوارحه . و من جمع المال بعضه على بعض فأوعاه , و منع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات و من إخراج الزكاة . ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب .

يتبع ...
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تتمة تفسير سورة المعارج

( إن الإنسان خُلق هلوعا ) أي قليل الصبر , شديد الحرص , كما بيّنه بقوله ( إذا مسّه الشّر جزوعا ) إذا أصابه الضر , من فقر أو مرض , أو ذهاب محبوب له , من مال أو أهل أو ولد , فزع و جزع و انخلع قلبه من شدة الرعب , و أيس أن يحصل له بعد ذلك خير .

( و إذا مسّه الخير منوعا ) و إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره , و منع حق الله فيها .

( إلاّ المصلين , الذين هم على صلاتهم دائمون) أي : الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله و وفقه , و هداه إلى الخير و يسر له أسبابه , و هم المصلون , المداومون عليها في أوقاته بشروطها و مكملاتها .

( و الذين في أموالهم حقٌّ معلوم , للسائل و المحروم ) أي : في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات , من زكاة و صدقة . فتُبدَل تلك الأموال للسّائل الذي يطلب الصدقة و للذي لا يطلبها حياءً و تعفّفا .

( و الذين يصدِّقون بيوم الدين ) أي : يوقنون بالمعاد و الحساب و الجزاء , فهم يعملون عمل من يرجو الثواب و يخاف العقاب . و التصديق بيوم الدين , يلزم منه التصديق بالرسل , و بما جاؤوا به من الكتب .

( و الذين هم مّن عذاب ربّهم مُّشفقون ) قال ابن جرير: أي وَجِلون أن يعذبهم في الآخرة , فهم من خشية ذلك لا يضيّعون له فرضا , و لا يتعدّون له حدّا .

( إنّ عذاب ربّهم غير مأمون ) أي : لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك و تعالى .

( و الذين هم لفروجهم حافظون) أي : يكفونها عن الحرام و يمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه , فلا يطؤون بها وطأً محرما , من زنى , أو لواط , أو وطءٍ في دبر , أو حيض , و نحو ذلك , و يحفظونها أيضا من النظر إليها و مسها , ممن لا يجوز له ذلك , و يتركون أيضا , وسائل المحرمات الداعية لفعل الفاحشة .

( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) من الجواري و الإماء .

( فإنهم غير ملومين ) في إتيان أزواجهم و جواريهم اللاائي ملكوهنّ بالجهاد أو الشراء الشرعي .

( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) فمن إلتمس لفرجه منكحا غير زوجته , أو ملك يمينه , فأولئك هم الظالمون الذين تجاوزوا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين . فدلت بذلك هذه الآية على تحريم نكاح المتعة , لكونها غير زوجة مقصودة , أو ملك يمين .

( و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون ) أي : مراعون لها , حافظون مجتهدون على أدائها و الوفاء بها , و هذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد و بين ربه , كالتكاليف السرية , التي لا يطلع عليها إلا الله , و الأمانات التي بين العبد و بين الخلق , في الأموال و الأسرار , و كذلك العهد , شامل للعهد الذي عاهد عليه الله , و العهد الذي عاهد عليه الخلق , فإن العهد يسأل عنه العبد , هل قام به و وفاه , أو رفضه و خانه فلم يقم به ؟

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

( و الذين هم بشهاداتهم قائمون ) أي لا يكتمون مااستشهدوا عليه , قال تعالى " و من يكتمها فإنّه آثم قلبه" , و لكنهم يقومون بأدائها حيث يلزمهم أداؤها , غير مغيّرة و لا مبدّلة .

( و الذين هم على صلاتهم يُحافظون ) على مواقيتهاو أركانها و واجباتها و مستحبّاتها , فافتتح الكلام بذكر الصلاة و اختتمه بذكرها , فدل على الإعتناء بها و التنويه بشرفها .

( أولئك في جنّات مكرمون ) أولئك المطبقون لهذه الصفات – السابق ذكرها – الناجحون فيها , في جنّات مكرمون بأنواع الملاذ و المسار , التي تشتهيها الأنفس و تلذ بها الأعين , وهم فيها خالدون .

يتبع ...
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمةالله و بركاته

تتمة تفسير سورةالمعارج

( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين , عن اليمين و عن الشمال عزين ) يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صلى الله عليه و سلم , منكرا عليهم فعلهم و إعراضهم فيقول : ما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مسرعين نافرين منك متفرقون عنك , شاردون يمينا و شمالا فرقا فرقا , وشيعا شيعا , كما قال تعالى : " فما لهم عن التّذكرة معرضين كأنّهم حمرة مستنفرة فرّت من قسورة " .

( أيطمع كلّ امرئ مّنهم أن يُدخل جنّة نعيم ) بأي سبب يطمع هؤلاء الكفار في جنّة النعيم , و هم لم يقدموا سوى الكفر , و الجحود برب العالمين .

( كلاّ ) لن يتحقق طمعهم , فليس الأمر بأمانيهم , و لن يدركوا مايشتهون بقوتهم التي يتصورون , بل مأواهم نار الجحيم و لهم العذاب الأليم .

( إنّا خلقناهم مما يعلمون ) أي : من المني الضعيف , كما قال : " ألم نخلقكم مّن مّاء مّهين" , و قال : " فلينظر الإنسان ممّ خلق , خُلق من مّاء دافق , يخرج من بين الصّلب والتّرائب " . فهم ضعفاء لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا , و لا موتا و لاحياة و لا نشورا . و تذكيرهم بهذا الأمر إزدراءً بهم و تهكم من حالهم إذ يجادلون ويعاندون و هم مخلقون من نطفة مذرة .

( فلا أقسم بربّ المشارق و المغارب إنّا لقادرون على أن نّبدّل خيرا منهم و ما نحن بمسبوقين ) أقسم الله عز و جل بربوبيته للمشارق و المغارب على قدرته باستخلاف قوم خير منهم , فإن ذلك لا يعجزه تعالى لكمال قدرته و قوة استطاعته , كما قال تعالى : " و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " و قال تعالى : " ألم ترى أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق إن يشأيذهبكم و يأتي بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز" . و قال : " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله , و الله هو الغني الحميد , إن يشأ يذهبكم و يأتي بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز " . كما قاله الشيخ عبد العظيم بدوي .

( فذرهم يخوضوا و يلعبوا ) أي : يا محمد دعهم في تكذيبهم و كفرهم و عنادهم .

( حتّى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) فإن الله قد أعد لهم فيه من النكال و الوبال ما هو عاقبة خوضهم و لعبهم .

( يوم يخرجون من الأجداث سراعاكأنّهم إلى نُصُب يوفضون ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى , لموقف الحساب , مجيبين لدعوته مسرعين إليها , كأنّهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه , يبتدرون , أيهم يستلمه أولا .

( خاشعة أبصارهم) من الخزي و الهوان .

( ترهقهم ذِلّة) تغشاهم ذلّة من هول ما حاق بهم .

( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) و هو اليوم الذي كانوايوعدون بالعذاب فيه و هو يوم القيامة الذي أنكروه و كذبوا به . ها هو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم و ألوان العذاب .
::
::
::

 
رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::

مشكوووووووووووووووووووووووووور :)
 

أحدث المواضيع

أعلى