رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين :::
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير سورة العلق
مكية و آياتها تسع عشرة آية
( إقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , إقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم , علّم الإنسان ما لم يعلم )
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ( كان أوّل ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم , فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح , ثمّ حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه الليالي أولات العدد , قبل أن يرجع إلى أهله , و يتزوّد لذلك , ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها , حتى فَجَئَهُ الحق و هو في غار حراء , فجاءه الملك فقال : إقرأ . قال ما أنا بقارئ , قال فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجَهد . ثم أرسلني فقال : إقرأ . قال قلت : ما أنا بقارئ . قال فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد , ثم أرسلني فقال : إقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطّني الثالثة حتى بلغ منّي الجهد . ثم أرسلني فقال : " إقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , إقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم , علّم الإنسان ما لم يعلم " فرجع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ترجف بوادره ...) رواه البخاري و مسلم و غيرهما و اللفظ لمسلم. فأول شيء نزل من القرآن الكريم هذه الآيات الكريمات المباركات , و هنّ أول رحمة رحم الله بها العباد , و أول نعمة أنعم الله بها عليهم .
( إقرأ باسم ربك ) يأمر الله تعالى رسوله أن يقرأ بادئا قراءته بذكر اسم ربّه أي باسم الله الرحمن الرحيم .
( الذي خلق ) أي خلق الخلق كله و خلق آدم من طين . قال أبو سعود: ووصف الرب بقوله تعالى " الذي خلق " لتذكير أول النعماء الفائضة عليه الصلاة و السلام منه تعالى , و التنبيه على أن من قدر على خلق الإنسان على ما هو عليه من الحياة و ما يتبعها من الكمالات العلمية و العملية , من مادة لم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات , قادر على تعليم القراءة للحيّ العالم المتكلم .
( خلق الإنسان من علق )
" خلق الإنسان " من أولاد آدم عليه السلام .
" من علق " و العلق اسم جمع واحدة علقة , و هي قطعة من الدم غليظة , كانت في الأربعين يوما الأولى في الرحم نطفة ثم تطورت إل علقة تعلق بجدار الرحم ثم تتطور في أربعين يوما مضغة لحم , ثم إما أن يؤذن بتخلقها فتخلق و إما لا فيطرحها الرحم قطعة لحم .
و تخصيص خلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات , لاستقلاله ببدائع الصنع و التدبير و تفخيما لشأنه , إذ هو أشرفها و إليه التنزيل , و هو المأمور بالقراءة , قال الإمام: و من كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا , و هو الحيّ الناطق الذي يسود بعلمه على سائر المخلوقات الأرضية , و يسخرها لخدمته , يقدر أن يجعل من الإنسان الكامل مثل النبي صلى الله عليه و سلم قارئا , و إن لم يسبق له تعلم القراءة , و جاء بهذه الآية بعد سابقتها ليزيد المعنى تأكيدا , كأنه يقول لمن كرر القول أنه ليس بقارئ : أيقن أنك قد صرت قارئا بإذن ربك الذي أوجد الكائنات , و ما القراءة إلا واحدة منها .
( إقرأ و ربك الأكرم) أي كثير الكرم و الإحسان , واسع الجود , الذي من كرمه أن علم بالعلم , قال الإمام: ... أن الله أكرم من كل من يرتجى منه الإعطاء , فيسير عليه أن يفيض عليك هذه النعمة , نعمة القراءة , من بحر كرمه , ثم أراد أن يزيده اطمئنانا بهذه الموهبة الجديدة , فوصف مانحها بأنه " الذي علّم بالقلم " .
( الذي علم بالقلم ) أي أفهم الناس بواسطة القلم كما أفهمهم بواسطة اللسان , و القلم آلة جامدة لا حياة فيها , و لا من شأنها في ذاتها الإفهام , فالذي جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم و البيان , ألا يجعل منك قارئا مبيّنا و تاليا معلما و أنت إنسان كامل ؟؟ ثم أراد أن يقطع الشبهة من نفسه , و يبعد عنه استغراب أن يقرأ و لم يكن قارئا , فقال " علم الإنسان ما لم يعلم " .
( علم الإنسان ما لم يعلم ) أي إن الذي صدر أمره بأن تكون قارئا و أوجد فيك ملكة القراءة و التلاوة , و سيبلغك فيها مبلغا لم يبلغه سواك , هو الذي علم الإنسان جميع ما هو متمتع به من العلم , و كان في بدء خلقه لا يعلم شيئا , فهل يستغرب من هذا المعلّم الذي ابتدأ العلم للإنسان و لم يكن سبق له علم بالمرة , أن يعلمك القراءة و عندك كثير من العلوم سواها و نفسك مستعدة بها لقبول غيرها .
( كلاّ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) أي حقّا إن الإنسان ليتجاوز حدّه و يستكبر على ربه , غذا رأى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه أو بالكلّ و ما أصبح في حاجة إلى غيره , فيتجاوز حدّ الآداب و العدل و الحق و العرف فيتكبر و يظلم و يمنع الحقوق و يحتقر الضعفاء و يسخر بغيره . و أبو جهل كان مضرب المثل في هذا الوصف وصف الطغيان حتى قيل إنه فرعون هذه الأمة .
كذلك دلالة هذا الكلام فيه ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم بالكفران و الطغيان , أي ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان ينعم عليه ربه بتسوية خلقه و تعليمه ما لم يكن يعلم و إنعامه بما لا كفء له , ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك و يطغى عليه أن رآه استغنى
يتبع...