التصنيع مفهوم التصنيع

ADMIN

Administrator
طاقم الإدارة
إنضم
Sep 10, 2006
المشاركات
23,661
الإقامة
Egypt
التصنيع

مفهوم التصنيع

يعتبر مفهوم التصنيع industrialization من المفهومات التي ظهرت في العصر الحديث، وبوجه خاص بعد الثورة الصناعية الأولى[ر] منتصف القرن السادس عشر. وهو بإيجاز عملية بناء المصانع على نطاق واسع بحيث يصبح النشاط الصناعي مسيطراً في بنية الاقتصاد على حساب النشاطات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والتجارة والخدمات والنشاطات الاستخراجية.​

فقد عرَّف خبراء الأمم المتحدة في الدورة الثالثة للجنة التنظيمية للأمم المتحدة التصنيع بأنّه: «عملية تطوير الهيكل الاقتصادي الداخلي المتعدد الفروع، والمجهز بتقانة حديثة، والذي يتميز بقطاع تحويلي ديناميكي، يملك وينتج وسائل الإنتاج وسلع الاستهلاك، والقادر على ضمان معدلات نمو عالية للاقتصاد كله، وتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي».
الصناعة والتصنيع
الصناعة تعني تحويل الخامات المعدنية والنباتية والحيوانية والمواد الاصطناعية إلى بضائع وطاقات ذات قيم استعمالية تشبع حاجة للإنسان باستخدام الآلات والطرائق الكيمياوية المختلفة. وتكون هذه العملية منمطة ومستمرة وموحدة في أكثر من دورة إنتاجية.

فقد عرفت منظمات الأمم المتحدة الصناعة: «بأنها كل ما يسهم في تحويل المادة الخام إلى منتج». أي إن الصناعة في إطار الأنشطة الاقتصادية هي عملية تحويل أي مادة أو سلعة إلى حالة، أو صورة أخرى، تصبح معها أكثر نفعاً أو إشباعاً لحاجات الإنسان ورغباته.​

والصناعة محور التصنيع، لكن الصناعة مفهوم أعم من التصنيع إذ تشمل النشاطات الاستخراجية (النفط، الغاز، خامات المعادن، الفحم والمياه الجوفية وغير ذلك) والنشاطات التحويلية (تحويل الخامات إلى بضائع للاستهلاك النهائي أو الوسيط أو الرأسمالي، وإنتاج الكهرباء ومعالجة الغاز الطبيعي وإنتاج بخار الماء).​


أما التصنيع فيقتصر على النشاطات التحويلية دون النشاطات الاستخراجية، لذلك فإن الدول التي تمتلك قطاعاً ضخماً من الصناعة الاستخراجية (دول الأوبيك) لاتعتبر دولاً مصنعة لأنها تفتقد إلى قطاع الصناعات التحويلية المتطورة.

أما لماذا تعد الصناعات التحويلية أساساً لمعرفة مستوى التصنيع، فمرد ذلك إلى عدة​


أسباب، منه ا:
1ـ أن الصناعات التحويلية تضيف أكبر قدر ممكن من القيمة المضافة إلى الخامات أو مصادر الطاقة.

2ـ أن هذه الصناعات تتطلب استخدام قدر كبير من العمل الإنساني ومن التكنولوجيا، علماً بأن التكنولوجيا هي أيضاً نتاج نوعي للعمل الإنساني.​

3ـ وعليه فإن هذه الصناعات تعزز حركية المجتمع وتقوي عملية إنتاج القيم الاستعمالية والتبادلية.​

4ـ أن إطار الصناعات التحويلية واسع جداً ويشمل عدداً كبيراً من المنتوجات، وهذا العدد يتزايد بسرعة كلما تطور المجتمع وتقدم.​

5ـ أن للصناعات التحويلية أثراً إيجابياً كبيراً على مجمل البنية الاجتماعية إذ إن هذه الصناعات تحرك البنية الاجتماعية بتدريب الأعداد المتزايدة من الكوادر وفتح الجامعات والمعاهد الضرورية لتطور الاقتصاد.​

6ـ أن الصناعات التحويلية تسهم في تطور الطلب الاجتماعي على المنتوجات، كما تسهم في تطوير الحاجات ولها أثر تحريضي وتراكمي في جميع زوايا الاقتصاد والمجتمع.
وتسمي مراجع الأمم المتحدة النشاطات الاستخراجية بالصناعة الأولية، أما النشاطات التحويلية فتسميها بالصناعة الثانوية لأن الاستخراج قاعدة أولية للتحويل. بمعنى أن الصناعة الاستخراجية هي فروع النشاط التي تقوم بالكشف عن الخامات، واستخراجها، وتركيزها. حيث تستعمل مخرجاتها كمدخلات في فروع الصناعات التحويلية لإنتاج سلع صالحة وقابلة للتداول، وتلبي حاجات الإنسان في الإنتاج والاستهلاك والاستثمار.

وتقسم النشاطات الصناعية التحويلية إلى قسمين :
1ـ إنتاج أدوات الإنتاج (البضائع الرأسمالية) والطاقة والمنتوجات الوسيط (نصف المصنعة).

2ـ إنتاج بضائع الاستهلاك النهائي.
أما المراجع الاشتراكية فتسمي القسم الأول بالصناعات الثقيلة (وخاصة الصناعة المعدنية وصناعة الآلات ووسائط النقل البضاعي والنقل الجماعي وإنتاج الكهرباء)،​


والقسم الثاني تسميه بالصناعات الخفيفة.

دوغما التصنيع
يرتبط مفهوم التصنيع بمفهوم التنمية ارتباطاً كبيراً. وقد بحث علم الاقتصاد[ر] طبيعة هذا الارتباط وضرورته. لكن لايوجد اتفاق بين النظريات الاقتصادية حول مدى لزوم هذا الارتباط ودرجته على الرغم من أن جميع النظريات تؤكد أنه لا يمكن التحدث عن تنمية حقيقية إذا لم يتم إدخال النمط الصناعي، بشكل أو بآخر، إلى بنية الاقتصاد..​

ويتعلق هذا الأمر، أساساً، بالسؤال التالي: هل التصنيع الشامل ضروري للتنمية؟ أم إنه يمكن تحريك عجلة التنمية من دون التركيز على التصنيع كمحور أساسي للتنمية؟.

تؤكد النظرية الاشتراكية أن التصنيع شرط لابد منه للتنمية، مع التركيز على أولوية ما يسمى بالصناعات الثقيلة (إنتاج وسائل الإنتاج، الطاقة... إلخ)، بغض النظر عن الظروف الطبيعية والبشرية والمصادر التي يمتلكها هذا الاقتصاد أو ذاك.​

أما الباحثون الاقتصاديون من التيار الرأسمالي فينتقدون هذا التوجه بشدة ويسمونه «دوغما التصنيع» أي صنمية التصنيع واعتباره أساساً للتنمية دون تمحيص. ويعتقد هؤلاء أنه من الخطأ أن تتجه الدول النامية نحو التصنيع الشامل أو محاولة بناء قاعدة صناعية عريضة، وأنه من الأفضل لهذه الدول تطوير إمكاناتها الزراعية والنشاطات الاستخراجية (استخراج الخامات والنفط والغاز)، وتصدير هذه المواد إلى الدول الصناعية مقابل استيراد البضائع المصنعة منها. ويقول هؤلاء المنظرون أن هذا يعزز عملية التبادل بين الشمال والجنوب ويقوي الترابط بين أجزاء العالم ودوله كلها.​

ولاشك في أن ما يطرحه هؤلاء هو، في بعض دوافعه، محاولة للحفاظ على موقع الدول الصناعية الاحتكاري في العالم، وسيطرتها المطلقة على سوق البضائع المصنعة وحصولها على ما يسمى «بالربح الإضافي» الناتج عن موقعها الاحتكاري.​

وهكذا، يضع ما يمكن أن نسميه (دوغما عدم التصنيع) مقابل «دوغما التصنيع» التي تطرحها النظرية الاشتراكية للتنمية الاقتصادية.​

ومن الواضح أن النظريتين، الاشتراكية والرأسمالية، حول علاقة التصنيع بالتنمية فيهما إطلاق وعمومية، مما يضعف من قيمتهما العلمية لأن تطبيق المطلق على المحدد يعتبر توجهاً غير علمي.إذ إن تحديد العلاقة بين التصنيع والتنمية، يجب أن ينطلق من واقع كل بلد وظروفه ومدى وجود المصادر الطبيعية فيه وكذلك إمكانات اتساع سوقه الوطنية وارتباطاته بالأسواق الإقليمية والعالمية وقدرته على تطوير تكنولوجيا مناسبة وغير ذلك من متغيرات مهمة.​

التصنيع والاعتماد على الذات
استكمالاً لما سبق ذكره في الفقرة السابقة لابد من الانطلاق من واقع البلد المعني وطاقاته عند اختيار نمط التنمية. إن التصنيع ضروري للتنمية عندما تتوافر الخامات اللازمة ومصادر الطاقة والقوة البشرية والسوق وإمكانية تطوير التكنولوجيا أو إمكانية استيعابها عند استيرادها، أما إذا كان البلد المعني فقيراً في كل هذه العوامل وغنياً في إمكاناته الزراعية أو السياحية فإنه من المفيد التركيز على هذه الإمكانات عند اختيار نمط التنمية..
والانطلاق في عملية التنمية من إمكانات البلد ومصادره وميزاته يؤدي إلى تعزيز الاعتماد على الذات، لأن الاستفادة من المصادر والطاقات الموجودة، حتى ولو لم تؤد إلى التصنيع الشامل، تحقق وفورات كبيرة وتبني اقتصاداً أقل اعتماداً على الخارج بالمعنى البنيوي.
وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين :
1ـ إن الاعتماد على الذات لايعني الانغلاق والانعزال عن العالم وإنما يعني حسن الاستفادة من الطاقات المتوافرة بغية الحصول على موقع أفضل في الموازييك العالمي الذي يقوم ـ أساساً ـ على قانون الميزات النسبية.
2ـ إن بناء المصانع ضروري لكل اقتصاد بشرط أن ترتبط المصانع بميزات البلد الزراعية أو السياحية، لا أن تبنى المصانع لمجرد تطبيق دوغما التصنيع..
التصنيع والتحديث
لعملية التصنيع انعكاسات إيجابية جداً على حركة التحديث التكنولوجي والاقتصادي والفكري والثقافي والتعليمي، بل والسياسي أيضاً. فبناء المصانع يحفز تطوير التكنولوجيا وينمي التعليم وبناء الكوادر كما ينمي السوق (الطلب والحاجات) ويحرض الحاجة إلى البحث العلمي مما يؤدي إلى تعزيز التعليم والفكر والثقافة بوجه عام. كما أن بناء المصانع يحرض تكوين طبقة عاملة متطورة ذات أفق مفتوح بسبب تعاملها مع التكنولوجيا المتطورة (وخاصة في إطار الثورة الصناعية الثانية والثالثة) مما يعزز توجه المجتمع بكامله نحو التقدم المستمر.
وتتمتع التكنولوجيا بخاصية التطور المستديم والمتصاعد (الأثر العمودي)، كما أنها تحرض عمليات التطور الشمولي في المجتمع (الأثر الأفقي) مما يعزز حركية المجتمع وتقدمه الاندفاعي.
التصنيع وتغير الهيكل الاجتماعي
يعتمد التصنيع، بشكل أساس، على تطور التكنولوجيا. وبما أن التكنولوجيا ذات خصائص تحريضية وتراكمية وتصاعدية فإن عملية تغير الهيكل الاقتصادي تندفع إلى الأمام بقوة. ولما كان المجال الاقتصادي جزءاً مهماً في مجمل البنية الاجتماعية الشمولية فإن تغير هذا الهيكل ينعكس بقوة على جميع المجالات الأخرى، السياسية والثقافية والاجتماعية والصحية مما يؤدي إلى تغيير اندفاعي في مجمل الهيكل الاجتماعي.

التصنيع ومستوى المعيشة:
مستوى المعيشة هو مجمل الظروف المادية والثقافية والاجتماعية للناس في بلد ما، وهذا المفهوم مركب ويشمل كل ظروف حياة الناس وليس جوانب الاستهلاك المادي فقط. لكن ظروف العمل والإنتاج هي المحور الذي يترك أثراً كبيراً في مجمل ظروف الحياة، لذلك فإن كل تغير في ظروف العمل والإنتاج ينعكس طرداً على كل ظروف الحياة.
ولما كان النشاط الصناعي (التحويلي) واحداً من أهم النشاطات التي تخلق قدراً كبيراً من القيم المضافة، فإن تعزيز هذا النشاط وتوسيعه يؤديان إلى ارتفاع مناسب في مستوى المعيشة، أي في مجمل ظروف حياة الناس.
والأمر هنا لا يتعلق بالدخل فقط، لأن النشاطات الاستخراجية أو الزراعية أو السياحية قد تعطي دخولاً مرتفعة أيضاً، وإنما المقصود تأثير عملية التصنيع في مجمل البنية الاجتماعية. إن ارتفاع الدخل يؤدي إلى ارتفاع في مستوى الاستهلاك، لكن مفهوم مستوى المعيشة لا يقتصر على مستوى الاستهلاك فقط وإنما يتعداه إلى مجمل ظروف الحياة (التعليم، التكنولوجيا، استقلالية الاقتصاد).أي إنه يشمل ما يسمى بتحسين مؤشر التنمية البشرية.
لذلك قد يكون دخل الفرد في دولة نفطية (اعتماداً على النشاطات الاستخراجية) أكبر من دخل الفرد في دولة صناعية (اعتماداً على النشاطات الصناعية)، إلا أن مستوى المعيشة في الدولة الصناعية أو مؤشر التنمية البشرية سيكون أعلى من مثليه في الدولة النفطية على الرغم من أن المواطن في هذه الدولة يستطيع الحصول على مستوى أعلى من الاستهلاك الشخصي.
ومع كل فوائد الصناعة وإيجابياتها، إلا أن لها سلبيات عديدة، كالتلوث البيئي الذي أصبح من سمات هذا العصر. ففي مؤتمر ريودي جانيرو الذي عقد عام 1992 في البرازيل بحضور العديد من رؤوساء الدول في العالم، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، أقرّ الحاضرون في جدول أعمالهم للقرن الحادي والعشرين في مجال حماية البيئة، فرض الغرامات على الأفراد والصناعات التي تلوث البيئة من جهة، وإعداد الخطط للتخلص من النفايات واعتماد طرائق أسلم في الإنتاج من جهة أخرى.
قياس مستوى التصنيع
هذا القياس كمي ويعتمد على عدد من المؤشرات منها نسبة الناتج الصناعي إلى الناتج المحلي الإجمالي، أو نسبة العاملين في القطاع الصناعي إلى عدد العاملين في الاقتصاد بكل قطاعاته أو عدد العاملين في المجتمع.
ويمكن أيضاً التحدث عن المقاييس النوعية. وهذا يتطلب التركيز على العلاقة بين قطاع الصناعات الاستثمارية (الرأسمالية) وقطاع الصناعات الاستهلاكية، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض المؤشرات الكمية كالدخل وعدد العاملين وقيمة الصادرات وغيرها.
وعلى أساس المقاييس القومية يمكن تحديد مستوى التصنيع، وبوجه عام مرّت الدول الصناعية الكبرى بثلاثة مستويات (مراحل) أساسية في تاريخها الحديث: المرحلة الأولى كانت فيها النسبة بين الصناعات الاستثمارية والاستهلاكية (1إلى 5) لصالح الصناعات الاستهلاكية وكانت العلاقة بين الصناعات الاستثمارية والتصدير (1 إلى 4-6) لصالح التصدير، في المرحلة الثانية أصبحت العلاقة أكثر توازناً (1 إلى 2) لصالح الصناعات الاستهلاكية و(1إلى 3-7) لصالح التصدير، أما في المرحلة الثالثة فقد تطورت الصناعات الاستثمارية تطوراً كبيراً (1 إلى 0.5-1) لصالح الصناعات الاستثمارية، وبالنسبة للعلاقة مع التصدير (1 إلى 0.5-1.5).


طارق الخيّر

مراجع للاستزادة:

ـ طارق الخير، مسائل تحسين الادارة الصناعية، رسالة دكتوراة (صوفيا 1977).
ـ طارق الخير، عدنان كركور، إدارة واقتصاد صناعي (جامعة دمشق 1990-1991).

 

أحدث المواضيع

أعلى