قصيدة: خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِ - الحريرىّ

سارة م.ع

عضو جديد
إنضم
Sep 30, 2010
المشاركات
8
الإقامة
مصر
خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِ • والمعْهَدِ المُرتَبَعِ

والظّاعِنِ المودِّعِ • وعدِّ عنْهُ ودَعِ

وانْدُبْ زَماناً سلَفا • سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفا

ولمْ تزَلْ مُعتكِفا • على القبيحِ الشّنِعِ

كمْ ليلَةٍ أودَعْتَها • مآثِماً أبْدَعْتَها

لشَهوَةٍ أطَعْتَها • في مرْقَدٍ ومَضْجَعِ

وكمْ خُطًى حثَثْتَها • في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَها

وتوْبَةٍ نكَثْتَها • لمَلْعَبٍ ومرْتَعِ

وكمْ تجرّأتَ على • ربّ السّمَواتِ العُلى

ولمْ تُراقِبْهُ ولا • صدَقْتَ في ما تدّعي

وكمْ غمَصْتَ بِرّهُ • وكمْ أمِنْتَ مكْرَهُ

وكمْ نبَذْتَ أمرَهُ • نبْذَ الحِذا المرقَّعِ

وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ • وفُهْتَ عمْداً بالكَذِبْ

ولمْ تُراعِ ما يجِبْ • منْ عهْدِهِ المتّبَعِ

فالْبَسْ شِعارَ النّدمِ • واسكُبْ شآبيبَ الدّمِ

قبلَ زَوالِ القدَمِ • وقبلَ سوء المصْرَعِ

واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ • ولُذْ مَلاذَ المُقترِفْ

واعْصِ هَواكَ وانحَرِفْ • عنْهُ انحِرافَ المُقلِعِ

إلامَ تسْهو وتَني • ومُعظَمُ العُمرِ فَني

في ما يضُرّ المُقْتَني • ولسْتَ بالمُرْتَدِعِ

أمَا ترَى الشّيبَ وخَطْ • وخَطّ في الرّأسِ خِطَطْ

ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَطْ • بفَودِهِ فقدْ نُعي

ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي • على ارْتِيادِ المَخلَصِ

وطاوِعي وأخْلِصي • واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي

واعتَبِرِي بمَنْ مضى • من القُرونِ وانْقَضى

واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا • وحاذِري أنْ تُخْدَعي

وانتَهِجي سُبْلَ الهُدى • وادّكِري وشْكَ الرّدى

وأنّ مثْواكِ غدا • في قعْرِ لحْدٍ بلْقَعِ

آهاً لهُ بيْتِ البِلَى • والمنزِلِ القفْرِ الخَلا

وموْرِدِ السّفْرِ الأُلى • واللاّحِقِ المُتّبِعِ

بيْتٌ يُرَى مَنْ أُودِعَهْ • قد ضمّهُ واسْتُودِعَهْ

بعْدَ الفَضاء والسّعَهْ • قِيدَ ثَلاثِ أذْرُعِ

لا فرْقَ أنْ يحُلّهُ • داهِيَةٌ أو أبْلَهُ

أو مُعْسِرٌ أو منْ لهُ • مُلكٌ كمُلْكِ تُبّعِ

وبعْدَهُ العَرْضُ الذي • يحْوي الحَييَّ والبَذي

والمُبتَدي والمُحتَذي • ومَنْ رعى ومنْ رُعي

فَيا مَفازَ المتّقي • ورِبْحَ عبْدٍ قد وُقِي

سوءَ الحِسابِ الموبِقِ • وهوْلَ يومِ الفزَعِ

ويا خَسارَ مَنْ بغَى • ومنْ تعدّى وطَغى

وشَبّ نيرانَ الوَغى • لمَطْعَمٍ أو مطْمَعِ

يا مَنْ عليْهِ المتّكَلْ • قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ

لِما اجتَرَحْتُ من زلَلْ • في عُمْري المُضَيَّعِ

فاغْفِرْ لعَبْدٍ مُجتَرِمْ • وارْحَمْ بُكاهُ المُنسجِمْ

فأنتَ أوْلى منْ رَحِمْ • وخيْرُ مَدْعُوٍّ دُعِي



للأديب العالم الحريري صاحب المقامات, وقد أوردها ضمن مقامته البصرية و هي من آخر مقامته وفيها يتوب بطل المقامات السروجي.

 

أحدث المواضيع

أعلى