يارواد منتديات عاشق القمر / 50 موضوعاً اقرأوها قبل الكتابة

إلى كل كاتب ومتصفح ... احذر السيئات الجارية !


a30b65524a.gif




الموضوع الخامس عشر





إلى كل كاتب ومتصفح ... احذر السيئات الجارية !




عن أبي هريرة أن رسول الله قال: (( من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئـًا)). وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي قال: (( ليس من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ؛ لأنه كان أول من سن القتل)).

أخي .. أخيتي احذروا ..... من اقتراف السيئات الجارية عليك في حياتك ، وبعضاً من تلك السيئات جارية حتى بعد الممات فبادر بالفكاك منها قبل أن تأسرك عقوبتها .

فمن أمثلة السيئات الجارية على سبيل المثال

الدعوة إلى المعتقدات و الطوائف الباطلة ونشر ضلالهم وبدعهم ونقل أفكار و مزاعم العلمانية المحاربة لدين الله والمخالفة لمنهج الله القويم ، ونقل أفكار الذين تأثروا بمنهجهم الخبيث .
ذم العلماء علماء الحق والهدى وولاة أمور المسلمين والدعاة إلى الله وأهل الاستقامة والطعن فيهم ومحبة إظهار عيوبهم وانتقاص قدرهم و تشكيك الناس بهم .

نقل الأحاديث ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدون تحري .. ولقد وجدت من الأحاديث المنكرة والضعيفة في ( مواضيع دعوية ) في الإنترنت . وكذلك لا بد من التثبت في نقل الآثار المروية عن السلف وكلام العلماء ، ونقل الأخبار الثابتة الصحة على كل حال .

أبراج الحظ و ما تجر إليه .. فالقارئ لهذه الأبراج كالمستمع للكاهن فجزاؤه أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً والدليل (( من أتى عرافا فسأله عن شيء ، لم يقب! ل له صلاة أربعين ليلة )) صحيح [الألباني – شرح الطحاوية ]

قال أهل العلم لا تقبل له صلاة أربعين يوماً أي لا ترفع مع كونها واجبة ولا تسقط عنه . والمصدق لما جاء في هذه الأبراج كمن صدق كاهناً أو ساحراً فهذا جزاؤه أنه كفر بما أنزل على محمد صلى اله عليه وسلم والدليل
((من أتى عرافا أو كاهنا ، فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد )) صحيح [الألباني – شرح الطحاوية ]

ولا يقول أحد أني أقرأ الأبراج وأنا مكذب لها فلا إثم علي .. لأنه من قرأها كمن ذهب للكاهن وأخذ يسمع ما يقوله فهذا لا تقبل له صلاة أربعين يوماً هذا إن كان مكذباً وأما إن كان مصدقاً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا كلام وتقرير من أهل العلم

التوقيع وما فيه من صور خاصة صور النساء ووجه المرأة عورة ويكون ثابتاً يراه من أراد ذلك والآثام جارية .

تنزيل صور النساء في موضوع معين أو كخلفية لقصيدة أو لغير ذلك .

شعر يدعو إلى التلاقي المحرم أو يصوره أو يأجج الفتنة بين الجنسين . وهذا طبعاً يؤدي إلى شر وفحش ... وهذا لاشك في تحريمه لأن الوسيلة لها حكم المقصد وبعض الكلمات تحرك إلى سلك المقصد المحرم فتكون بذلك محرمة .

وضع ملف غنائي والغناء محرم بالكتاب والسنة ، ويُعصى الله ويجاهر بالمعصية ويدعى إليها ثم نجد من يشكره على ما قدم ولو يعلم ما ذا قدم له ما شكره !

كتابة موضوع عن أهل الفن والطرب ويتعرض لشيء من أخبارهم والاحتفاء بالفسقة مروجي الضلال والمعاصي .

الكتابة عن الممثلين والممثلات أصحاب الاختلاط والكذب والتكشف و هدم القيم وإضلال الناس .

الدلالة على موقع فيه منكرات أو صور خليعة وأشياء محرمة .

إيراد النكت وهذا مما يشاع وينتشر وتعمر به مجالس ويسميه البعض (بالمزاح) وحقيقته كذب يقال لقصد إضحاك الناس وقد قال صلى الله عليه وسلم (( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له )) ومن أراد المزاح فليفعل بلا كذب وبدون محاذير شرعية وأن يقلل منه ولا يستكثر ، بل يفعله على الصفة المشروعة وقد قال صلى الله عليه وسلم (( إني لأمزح ، و لا أقول إلا حقا )) صحيح الجامع 2494

أثر تلك المشاركات على صاحبها :
إن كل من يسمع أو يرى المنكر أو يوزعه وينشره في المنتديات وغيرها فإنه يكتب على صاحب ذلك الموضوع آثامهم كاملة ..

فكم من عضو وزائر ستضل ؟ وقد يُنشر إلى مواقع آخر ى وتزداد عليك السيئات وقد يفتتن البعض بصورة أو كلمة أو معنى ... ويذهب لمقارعة الفواحش فهل تتحمل كل ذلك

و ينتشر موضوعك بين الأعضاء وكم من عضو مشارك في أكثر من منتدى ، وقد تأخذ هذه المشاركة زمناً طويلاً وهي تتنقل من بين منتدى إلى آخر ، ومن بريد إلى آخر وهكذا ، ويجري إثمها عليك وأنت في بيتك وفي عملك وكذلك و أنت نائم . .. وقد يرسل موضوعك عبر مجموعات بريدية ذات الأعداد الهائلة ... ومتى يكتب لهذه المشاركة التوقف عبر هذه الشبكة العنكبوتية الله أعلم . فهل تستطيع عد أعداد المطلعين على مشاركتك ؟ وهل تستطيع أن تحمل آثامهم جميعاً .. وهل تعلم أن الذنوب تورث التثاقل عن العبادة وكراهيتها وحب المعصية وإدمانها ونسيان الآخرة ، لأن المعاصي تجر إلى معاصي&nbs! p; بعكس الطاعات .. وهل تعلم أن سيئة واحدة يوم القيامة قد ترجح بالميزان ويدخل صاحبها النار والعياذ بالله . فما بالي أراك من الذنوب تستكثر .

ثم كم من الساعات والأوقات صرفوها أولائك في موضوعك الداعي للمحرم ، وهل تعلم أن المرء يوم القيامة سيحاسب على عمره فيما أفناه ، فما بالي أراك تفني عمرك وأعمار فوق عمرك من الذين تشاركهم آثامهم .

وكم من الأموال ستصرف وقت التصفح والمشاهدة والاستماع ، أم أن كهرباء الجهاز والاتصال الهاتفي لا تستهلك مالاً ؟! أما علمت أن المرء في يوم القيامة سيحاسب عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه و لقد كنت سبباً في إضاعة أموالك وأموال هؤلاء فيما حرم الله أيسرك أن تلقى الله بهذه السيئات العظام .

إذا لم تستطع على فعل الخيرات وإرشاد الناس إليه فلا فلا تظلم نفسك وتتمادى على غيرك ... ثم كيف تتجرأ على إعلانها وحث الناس عليها ولا ترى بذلك بأساً ؟!

قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي 1/37 ((حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها فيقول يا فلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لا يعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " )) .

وقفة للمتأمل :
قال تعالى في الحديث القدسي (( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )) رواه مسلم 2577

وقفة قبل الندم :
هل تحدث نفسك بعد ذلك بسلوك نفس الطريق وأنت تعلم ما منتهاه وما ذا سيجر عليك من وبال لا يعلم مدى ذلك إلا الله .. أم أنك ستستغفر الله وتقلع وتعلنها توبة إلى الله ..

وأعلم أني لك ناصح محب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوك في الله

تباع الأثر
 
مزالق خطرة في الكتابة في المنتديات !


a30b65524a.gif




الموضوع السادس عشر





مزالق خطرة في الكتابة في المنتديات !





إلى كل كاتب قبل أن يخط حرفاً واحداً .... وإلى كل زائر وكل مرتاد للشبكة العنكبوتية قبل أن يقرأ أو ينقل لا بد أن يكون على بصيرة تجاه ما يقرأ وينشر ...

هذه بعض النصائح أقدمها لي و إلى اخوتي في الله .... أسأل الله أن ينفع الجميع بما يكتب ويوفقنا لعمل ما يحب ويرضى وأن يجنبنا ما يكره ويأبى .

1- وجوب تقوى الله ومراقبته ومن ذلك ما تخطه أناملك في كتابة جميع المشاركات .فأنت تكتب والملائكة تكتب فاكتب ما يسرك رؤيته يوم القيامة.

2- الكتابة وفق الضوابط الشرعية وعلى مقتضى الكتاب والسنة ومفهوم السلف الصالح ومن سار على طريقتهم بإحسان.

3- الحذر من كتابة أخبار الفتن والنزاعات التي حدثت في هذه الأمة فمعتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة السكوت وعدم الخوض في ذلك.

4- الحذر من مزالق النيل من العلماء فهم ورثة الأنبياء وهم أخشى عباد الله بعد الأنبياء لله وأعلمهم به. والاعتقاد في ضلالهم أو مداهنتهم ثلم في عقيدة المعتقد ، والعلم بأن لحومهم مسمومة والغيبة فيهم أشد مما هي في سواهم، بل ومعرفة فضلهم بعد الله وبعد فضل النبي صلى الله عليه وسلم في! هداية البشر ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، والذب عن أعراضهم أن يدنسها شئ والذود عنهم من الأقلام المغرضة .

5- عدم الخوض في ولاة الأمور بالكلام الصريح أو بالتلميح والرد على من يقوم بذلك إذ لاحق له في هذا التعدي. وغيبة ولاة الأمور كغيبة العلماء من عظائم الأمور ، والدعاء لهم ، ومحبتهم وطاعتهم في المعروف ..

وسأقف على أمر تكثر الكتابة حوله بل وينتشر على ألسن كثير من العامة .. ولعل الإنترنت أحد روافده ؛ ألا وهو الطعن والسب في ولاة الأمور ورميهم بأبشع الكلام وقبيح الصفات ، ووصل الأمر بإطلاق الكفر عليهم دون تخصيص ، وهذا والله ناتج عن الجهل الشنيع الذي نعاني ويلاته ، وهذه نقاط مختصرة حول هذا الأمر :

أ‌- وجوب السمع والطاعة لولاة المسلمين في المعروف .

ب‌- عدم الخروج عليهم مادام أنهم تحت مسمى الإسلام وإن ضربوك وأكلوا حقك ، جاءت بذلك النصوص فيا من ترضى بشرع الله وهدي نبيه فهذا هو شرع الله وهذا هدي نبيه فظلم وجور من الحاكم في ظل وجود سلطته أحسن من الفوضى والنزاع و كل يعبث ويخرب وينهب ويتسلط الناس ويقتل بعضهم بعضا ، فمفهوم الشرع أوسع وأرحب والله أعلم بما يصلح لنا (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ))

ج- الغيبة محرمة ومن كبائر الذنوب وغيبة ولاة الأمور من أعظم الغيبة لأنهم ولاة أمور تنفيذين والعلماء ولاة أمور شرعيين .

إذا كانوا فساقاً فغيبة الفاسق تجوز ولكن ليست على كل حال كما يتوهم البعض بل للمصلحة وعلى قدر الحاجة وعلى هذا يحمل كلام أهل العلم في قول الحسن البصري رحمه الله ( لا غيبة لفاسق ) .. ولنتنبه لذلك لخطره وانتشاره .

د‌- بغضهم على كل حال و تحريض الناس عليهم نوع خروج .

هـ - أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لهم فإن لم تستطع .... فليس هناك نصاً يقول سبوهم واغتابوهم وحرضوا عليهم الناس .. والسب والشتم و! الرمي بشنيع الكلام لا جدوى من وراءه ولن يساهم في إيجاد حلاَ سوى ما يلحق صاحبه من الذنوب .

و- جاء في ترجمة الذهبي رحمه الله للحجاج الثقفي ( قال الذهبي عن الحجاج أن له من الحسنات ما يذوب في بحر سيئاته ) رغم ذلك انظر كيف كان يتعامل معه ابن عمر وأنس رضي الله عنهما بالنصيحة ووفق ما أمرنا به الله ونبيه صلى الله عليه وسلم لفهمهم النصوص وامتثالهم لمراد الله! ورسوله صلى الله عليه وسلم .

ز- أما من يقول بكفرهم فعليهم الإتيان بثلاثة أمور أن فعلهم كفر وكفر بواح ( لا مجال للإجتهاد فيه ) وعندك فيه من الله برهان

ح- هذا الكلام محرر عن أهل العلم ومن أراد التثبت فليرجع لكلام ابن باز وابن عثيمين وغيرهم من العلماء الثقات للتوصل إلى الحقيقة وهذا ما يفتي به أهل العلم الثقات .. وأعتقد أن كلفة السؤال عن مثل هذا الأمر من العلماء الثقات أهون من عواقب ما يجر إليه ، و لا عذر في الكتابة أو النشر على جهل .

ومن يتوصل إلى الحقيقة فليتذكر قول الله تعالى (( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ))
فتوى للشيخ ابن باز رحمه الله فيمن ينقد ولاة الأمور على المنابر .

http://www.binbaz.org.sa/last_resault.asp?hID=2109

6- حسن الظن في المسلمين والأصل في المسلم السلامة والنصيحة له وحرمة التعدي عليه ومن ذلك التعدي بالتطاول عليه بالكتابة. قال صلى الله عليه وسلم (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده )).

7- البدء بالسلام في كل مشاركة وعدم إغفال هذه التحية وما يترتب عليها من أجر ومحبة .. والكتابة بلغة القرآن وبلغة أهل الجنة وترك العامية ما أمكن ، وتلين الجانب للإخوان بالكلمة الرفيقة والعبارة اللطيفة والنصيحة القيمة ، والحرص على منفعتهم .وخير الناس أنفعهم للناس .

8- الإخلاص لله في الكتابة وفي الأمور كلها واحتساب الأجر من المولى الوهاب .

9- رد الإساءة بالإحسان وتجاهل الرد عن الجاهل وخسة الانتصار للنفس بالباطل والانتصار لمجرد الانتصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيده جه! ل الجاهل إلا حلماً .

10- نصرة المسلمين ورفع كلمة التوحيد كل بوسعه والرد على المغرضين وشوائب الأمور من أهل البدع والأهواء وغيرها بالرد المرتكز على علم وحسن تصرف وإلا فأخبر من يقوم بذلك حسن القيام . .

11 - هجر الكذب المصور في قالب المزاح والنكت .... فذلك لا يخرجه عن كونه كذباً محرماً .

12- شرف الدعوة إلى الله وحمل الرسالة وخدمة الدين .. وترك الكثير من مباح وفضول الكلام .

13 - تطبيق ما يكتب ويقرأ حتى لا يكون هذا العلم حجة علينا والتفاعل مع قضايا الأمة والدعاء للمسلمين عموماً وعلى من ألمت بهم النكبات خصوصاً.


هذا والله أعلم .......





والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته





محبكم في الله .... تباع الأثر

 
a30b65524a.gif




الموضوع السابع عشر


النصيحة إلى من يكتُب في المنتديات



هذه النصيحة مني إلى من يكتُب من الإخوان والإخوات في المنتديات ، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم ، وثبتنا على دينه القويم ، وأعاذنا من الأهواء والطرق المفضية بسالكها إلى طريق الجحيم ... امين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد فالباعث لهذه النصيحة أن من الناس من يبني الحب والبغض على مدى موافقة الآخرين له ، فتجد من يحب فلاناً من الناس لأنه على طريقته في الدعوة ، أو لأنه ضمن جماعته ؟ !! وأمثال ذلك ، ويبغض الآخرين إذا خالفوه في رأي فقهي اجتهادي ، وهذا كله دليل على اختلال الإيمان في القلب لأن هذا الأمر مبني على أوثق عرى الإيمان ، فإن كان محتالاً في الواقع ، فهو كذلك في القلب ، وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ولرسوله في ذلك ، ولا يطلبه ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، ويكون مع ذلك له شبهة دين .

والواجب أن الذي يرضى له و يغضب له هو ((الـقـرآن و الـسـنـة )) وهو الحق وهو الدين الخالص.

على المسلم أن يتقي الله عز وجل في نقده وألفاظه ، ويخلص النيه لله ويتجرد عن الهوى وحظوظ النفوس ، ولا يتكلم إلابعلم وعدل وإنصاف ويقدم حسن الظن بأخيه المسلم وخاصة العلماء منهم ممن يشهد لهم بأنهم من أهل العلم والفتوى ، ويوازن بين المحاسن والمساىء ، ويجعل لكثرة الحسنات أو قوتها اعتبارها ، ويتذكر أن الشخص الواحد غالبا ما يجتمع فيه أمران ، فيحمد ويحب بسبب أحدهما ، ويذم ويبغض بسبب الآخر، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا محمد صلى الله عليه وسلم وكل مجتهد له أجر والمصيب له أجران ، ثم تكون ألفاظه مهذبه ويبتغي بذالك وجه الله تعالى.

فمن سلك هذا السبيل ، فيرجى له الصواب والسداد ، وعدم التبعه يوم القيامة بما يقول ، ومن أدخل بشيء مما سبق فقد وقف على حفرة من حفر النار ، فلينظر موقع قدمه أن تزل وهو لا يشعر ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وعلى شاب الدعوة إلى الله أن يستفيدوا من كلام السلف الصالح عند عرض سير أعلام النبلاء فإنهم إذا كان لا بد لهم من الحديث عرضوا ما للشخص وما عليه وإلا كفوا عن ذلك وشغلتهم عيوبهم عن عيوب غيرهم .

وينبغي هنا التنبيه إلى أمر مهم ، وهو : أن من المسلمين من يجتمع فيه أمران : أمر من الخير فيحب بسببه ويمدح عليه وأمر من الشر فيذم بسببه ويبغض من جهته . وأما الحب والولاء بإطلاق فهو للمؤمنين ، والبغض والبراء بإطلاق فهو للكافرين ، فإن الحب والبغض من أوثق عرى الإيمان ، كما ثبت ذلك في الأثر ..


والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه .

اخوكم في الله المحب لكم .... ( الـمـؤتـمـن ) .... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

a30b65524a.gif





الموضوع الثامن عشر


تحذير أهل التوحيد من فتنة التجسيد ! !


: : فتنة التجسيد . ! ! : :



حقاً إنها فتنة . ! !
لقد صار المسلمون إلى زمن بعدوا فيه عن منهج الوحي - إلا من رحم ربك وقليل ما هم ! -
فصرت ترى المتمسك بالمنهج الحق غريباً بين الناس - بله - غريباً بين جملة أهل الحق ! !
لقد مرّت الأمة الإسلامية - وخاصة في هذا العصر - بنكبات وبلايات - من عند أنفسهم - أثرت هذه النكبات على سلوك كثير من
الغيورين أيأستهم عن التغيير وأقعدتهم عن العمل ، وأنشأت فيهم هذه الفتنة .. فتنة التجسيد !
فتنة التجسيد التي جعلت للمتقاعس مخرجا ومبرراً للقعود والكسل !
وبحق صارت فتنة ..!
لأنك تجد أن من جملة الواقعين فيها ذلك الحليم الذي لم يعد حيران حتى وقع فيها!
وبحق هي فتنة . .
لأنها في صورتها تصور وجه للحق ..!
لكنها ليست هي الحق كله !
فما ترى هي فتنة التجسيد ؟؟!
إنها : تجسيد المبادئ في أشخاص !!
أو في جماعات !!
أو في وسائل !!
وبعيدا عن مسميات الأشخاص أو وصف الجماعات أو تعداد الوسائل ، فإننا نجد اليوم من الناس - الغيورين - من ليس له في الواقع
إلا أنه من محبي فلان وفلان ، أو من طائفة الجماعة الفلانية وهكذا .. وهو مع هذا لا يقبل عليهم قولا ولا همساً ! !
والأخطر من هذا أن يبرر لهم أخطاءهم وأفعالهم ! !
إن الأصل في العملية التربوية - وفي دعوة الناس عموماً - أن تتركز الجهود في الدعوة والتربية على توثيق الصلة برب العالمين وبمنهجه القويم وأن لا نعلق الناس ببشر أو بطائفة أو وسيلة ! !
فإن الأشخاص مهما يكونوا عظماء فهم غير معصومين .
والوسائل مهما كانت ناجحة فهي محدودة بحدود الزمان والمكان .
والذي يتأمل نصوص الشرع ومصائر الأمم يدرك أن الخلط بين المبادئ والأشخاص، أوالمبادئ والوسائل، من أسوإ الأدواء الفكرية والعملية. !!!
ولذلك نقرأ في المنهج الرباني قول الله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) ! !
فهذا هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى ليبلغ هذا المنهج الرباني ، ومع ذلك فإن الله جل وتعالى يوجّه العباد إلى ترك التعلق به وأن الواجب هو اقتفاء أثره ! !
هذا المنهج نجده واضحا جلياً في توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على أمته وأرحمهم بها يقول :
( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) : : أبو داود ح / 3991 ، والترمذي ح / 2600 وقال حديث حسن صحيح . : :
فتأمل هذا الأمر المطلق باتباع سنته بإطلاق لأنه معصوم: "عليكم بسنتي"، ثم أمر باتباع سنة الخلفاء من بعده، لكنه قيدها بالرشد:
"وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
وفي ذلك درس ثمين في التمييز بين الشخص والمبدأ، حتى ولو كان ذلك الشخص أحد الخلفاء الراشدين.!!
وههنا سأسرد جملة من النصوص النبوية التي تؤصل هذاالمعنى :
- في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ) !
- جمعه الناس بماء بين مكة والمدينة يسمى " خمّا " وخطبهم فقال : ( يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب )
ثم أمرهم بالتمسك بالكتاب ووصى بأهل بيته : : مسلم ح / 4425 : :
- وعن ابن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يوما كالمودع فقال : ( أنا محمد النبي الأمي - قال ذلك ثلاثاً - ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه
وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتُجوِّز بي وعوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذُهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه ) : : أحمد ح / 6318 : :
وعلى هذا المنهج الرباني تربى السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم ، وعليه ربّوا من بعدهم :
- قولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) ! !
-- وفي غزوة أحد لمّا أشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم فألقى بعض الصحابة ما في أيديهم حتى جاء أنس بن النضر فرآهم على هذه الحال فقال : ما يجلسكم ؟!
قالوا : قتل رسول الله ! !
قال: فما تصنعون بالحياة بعده ، فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! !
- ونجد في السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في غزوة من الغزوات عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة الجيش وجعلها لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنه وذلك لمّا أحس في الناس
تعلّقاً بخالد بن الوليد البطل الهصور ! !
وذلك والله يعلمنا اليوم درساً عظيماً ، نفتقر إليه في هذا الزمن في موقفنا من عظماء التاريخ وطوائفه !
وللأسف اليوم ما بقي عند بعض الناس إلا التسمي بأسماء العظماء ، وتعليق صورهم ، والتغني بعباراتهم وأشعارهم ! !
وإبرازهم إبرازاً يكون معه التعلق المذموم ، والقعود عن العمل .




* خطورة التعلق ( التجسيد ) !



- اختصار الأمة في شخص !
- ضعف العبودية الحقة لله جل وتعالى ، قال الفضيل بن عياض : والله ! ما صدق الله في عبوديته من لأحد من المخلوقين عليه ربّانيّة ! !
- ترك العمل والاستقامة بمجرد غياب الشخص المتعلق به ( موت ، قتل ، سجن ، تغريب ) ! !
- التقليد في الصفات المذمومة .( عشوائية ، تهور ، عجلة ، فوضوية ) ! !
- الإنصدام بواقع الشخص المتعلق به إذا حصل منه خطأ أو زلة مما يسبب للمتعلق النكوص ، فيجعل زلة هذا الشخص ( عالما كان أو مجاهدا أو مربياً أو ....) سبباً في الإبتعاد عن الحق .
ومرّة لاحظ بعض طلبة سفيان بن عيينة عليه شدّة وغلظة فتجرأ أحدهم وقال له : إن قوماً يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك !
فقال سفيان : هم حمقى إذن مثلك إن يتركوا ما ينفعهم لسوء خلقي ! !
- تبرير الأخطاء والسعي إلى بحث المسوّغات لها .
- العجز والكسل والقعود عن العمل ، يظن أن حبه لفلان أو تعليق صوره أو المعرفة بخطبه ومقالاته والتغنّي بالمجد يكفيه مؤونة السعي والعمل ! !
- المبالغة في الإطراء والمدح ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لرجل سمعه يمدح فلاناً : ( لقد أهلكتم - أو قطعتم - ظهر الرجل ) : : البخاري ح / 6060
قال ابن حجر : قال ابن بطال : حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة ؛ فربما ضيّع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به أ.هـ الفتح 10 / 477
هذه جملة من خطورة هذه الفتنة العظيمة ، التي كانت هي بداية دخول الشرك على الخلق ، وهي اليوم تأخذ صوراً واشكالاً ومظاهر في قيادات أو جماعات أو وسائل دعويه ! !
وإنك تجد اليوم هذا أمراً ظاهرا في الواقع يجسّده واقع الناس على شبكة الانتر نت ! !




* اسبابها .

لعل من أهم أسباب ظهور هذه الفتنة :
- اليأس من واقع الحال ، والعجز عن العمل ، والهزيمة النفسية عند كثير من المسلمين ، الذي اكتفى أن ينتسب إلى فلان أو الجماعة الفلانية !
- غياب القدوة والموجّه المؤثر الذي يقود الأمة إلى الله جل وتعالى لا إلى نفسه أو طائفته ومذهبه ومنهجه !
- الشعور بالنقص !
- تسويف الدعاة والمربين في التحذير من هذه الفتنة ، واذكر أني مرّة كنت بمجلس ، فذكرت أن بعض الناس قد غلى في التعلق بفلان وفلان ، !!
وأنه ينبغي على الدعاة والمربين أن يوجهوا من تحت أيديهم إلى خطورة هذا الأمر ! !
فقام أحد الحضور - وهو من أهل الفضل ولا أزكيه على الله - فقال : يا أخي إذا لم نجعل الأمة تفتخر بعظمائها ، فبمن نجعلهم يفتخرون ؟! !
قلت : لكن الأمر لم يعد فخراً . . قد أصبح تعلّقاً مذموماً ! !
أمّا بعد . . .
فإن الأمر لم يعد أمراً عابراً ، بل صار متحتماً على أهل الديانة والغيرة أن يعودوا بالأمة إلى روحها وحياتها في ظل الوحي ..
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ! !
وبالله التوفيق .


مهذب : أبو أحمد
 
a30b65524a.gif





الموضوع التاسع عشر

الهوى وأثره في الخلاف

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله
وصحبه أجمعين .

إن من أعظم دواعي الضلال وأسباب الهلاك اتباع الهوى، فإنه يهوي
بصاحبه إلى المهالك حتى يورده النار .

قال الشاطبي: " سمى الهوى هوى، لأنه يهوي بصاحبه إلى النار " .
وروي هذا عن الشعبي .

وقال ابن عباس : ما ذكر الله – عز وجل – الهوى في كتابه إلا ذمه !!
" وأصل الضلال : اتباع الظن والهوى، كما قال تعالى فيمن ذمهم : { إن
يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } [سورة
النجم الآية :23 ] .

وهذا وصف للكفار فكل من له نصيب من هذا الوصف فله نصيب من
متابعة الكفار بقدر ذلك النصيب .

وقال – تعالى – في حق نبيه، صلى الله عليه وسلم، { والنجم إذا هوى .
ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحى
يوحى } [سورة النجم الآيات1-4]

فنزهه عن الضلال والغواية، الذين هما : الجهل والظلم، فالضال هو الذي
لا يعمل الحق، والغاوي الذي يتبع هواه .

وأخبر أنه لا ينطق عن هوى النفس، بل هو وحى أوحاه الله إليه. فوصفه
بالعلم ونزهه عن الهوي " .

ومتبع الهوى لا بد أن يضل، سواء عن علم أو عن جهل، فإنه كثيراً ما
يترك العلم اتباعاً لهواه، ولا بد أن يظلم إما بالقول أو بالفعل، لأن هواه قد
أعماه .

ولهذا حذر السلف عن مجالسة من هذه صفته،
كما قال أبو قلابة : " لا
تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في
ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون " .

وقال أيضا: "لا تجالسوا أهل الأهواء فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه
لبسوا عليكم ما تعرفون " . يعني أن مجلس صاحب الهوى لا يسلم من
الشر . فإما أن يتابع صاحب الهوى على هواه وباطله، أو يدخل عليه
شبهة في دينه الذي يعرف أنه حق .

وقال ابن عباس : " لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب " .

وقال ابراهيم النخعي : " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب
بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في
قلوب المؤمنين " .

وقال مجاهد : " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن لهم عرة كعرة الجرب " .
يعني أنهم يعدون من قرب منهم، كما أن من قارب الأجرب جرب .

وقال محمد بن علي : " لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين
يخوضون في آيات الله " .

يقصد قوله – تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله
يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم
إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } [ سورة
النساء ، الآية : 140 ] .

وقال مصعب بن سعد : " لا تجالس مفتونا فإنه لن يخطئك منه إحدى
اثنتين إما أن يفتنك فتتابعه ! وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه " !!

وقال يونس بن عبيد : " أوصيكم بثلاث : لا تمكنن سمعك من صاحب
هوى ، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم ، ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا
تدخلن على أمير ولو أن تعظه ".

وقال أبو قلابة يوصي أيوب السختياني : " يا أيوب احفظ عني أربعاً : لا
تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فينبذوا فيه ما
شاءوا " .

وقال أبو الجوزاء: "لئن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من
أن يجاورني رجل من أهل الأهواء". وقد دخلوا في هذه الآية : {وإذا
لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا
بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور }. [سورة آل عمران ، الآية :119] .

وقد دل على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فإنه
قال : " من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه
مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات " .

والمتعين على العبد – ولا سيما المبتدئ والشاب – أن يبتعد عن الشبه
والجدال في الدين، فإن ذلك يجر الى الردى .

قال ابن بطة : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، :" من سمع منكم
بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه
مؤمن فما يزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات " .

قال : هذا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق،
فلا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه
على المخاطرة بدينة في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول : أداخله
لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم
ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من
الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم
فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا عليهم .

وذكر أن محمد بن السائب كان من أهل السنة، فقال : نذهب نسمع من
هؤلاء فما رجع حتى أخذ بها وعلقت في قلبه . أ . هـ ومثله كثير .

والهوى : كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال
والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في
الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية !!

فميل النفس إلى الثناء ومدح الناس وتعظيمهم إياه وطلب الرفعة عليهم في
رئاسة أو صفة هو الهوى .

وقد ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله
والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الوحي .

وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال تعالى : { أفكلما جاءكم رسول بما لا
تهوى أنفسكم استكبرتهم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} [سورة البقرة الآية 87] . وقال تعالى : { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } [ المائدة ، الآية : 70]

فاتباع الهوى هو أصل الضلال والكفر، ومعلوم أن ذلك يتفاوت تفاوتاً
عظيماً، فمن اتباع الهوى ما يوصل إلى ما ذكر، ومنه ما هو أقل من
ذلك، وكل من خالف الحق لا يخرج عن اتباعه للهوى أو الاعتماد على
الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، كما قال تعالى : { إن يتبعون إلا الظن
وما تهوى الأنفس } [سورة النجم ، الآية :23] .

فإن كان يعتقد أن قوله صحيحاً وله فيه حجة يتمسك بها فغايته اتباع الظن
الذي لا يغني من الحق شيئا وتكون حجته شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ
مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، فإذا ميز الحق فيها عن
الباطل زال الاشتباه .

ومما يجب أن يعلم أن الله – تعالى – لم يقص علينا في القرآن الكريم
قصص السابقين إلا لنعتبر بها لما فينا من الحاجة إلى ذلك، ولما فيه من
المصلحة، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا ما يقع لنا وما يكون فينا على ما
وقع من السابقين وحصل لهم من جراء ذلك .

ولولا أن في نفوس كثير من الناس أو أكثرهم ما كان في نفوس المكذبين
للرسل لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه بقول أو فعل أو سجية
كامنة في النفس تنتظر الخروج،
ولكن الواقع مثل ما قال الله تعالى : {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم
تشابهت قلوبهم } [ سورة البقرة ، الآية 118]
وقوله تعالى : {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو
مجنون} [ سورة الذاريات الآية :52 ]
وقال تعالى : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } [سورة فصلت
، الآية :43]
وقوله : { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } [ سورة التوبة الآية :30
] ، أي قولهم يماثل قول من سبقهم بالكفر ويشابهه .

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو
القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا : يا رسول الله
اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ " .
والقذة : ريشة السهم، وهي ما يشبه رصاصة البندقية (اليوم)، فكل واحدة
تكون مساوية للأخرى، فالمعنى أنكم تكونون مثلهم بأفعالهم سواء بسواء .



وفي الحديث الآخر : " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى بأخذ القرون قبلها
شبراً بشبر وذراعا بذراع فقيل يا رسول الله ، كفارس والروم ؟ فقال :
ومن الناس إلا أولئك " .



بمعنى الأول تماما . وكثير من الناس يدعو إلى أن يكون شريكا لله تعالى
في طاعة الأمر واتباعه، بل والتعظيم ! وإن كان لا يستطيع أن يصرح
بذلك، ولكن هذا كامن في نفسه، وهذا غاية الظلم والجهل، وكل نفس –
إلا ما شاء الله – فيها على الأقل شعبة من ذلك، إن لم يعن الله العبد
ويهديه، وإلا ظهر ذلك من نفسه ووقع فيما وقع فيه إبليس وفرعون
بحسب قدرته وسلطانه .


قال بعض السلف : ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن
فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر .



والعاقل إذا تعرف على أحوال النفس، ونظر في أخبار الناس، وجد أن
كل واحد منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلوا بحسب حاله وقدرته، فالنفوس
مشحونة بحب العلو والرئاسة بحسب إمكانها . فتجد أحدهم يوالي من
يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه ! فمعبوده ما يريده ويهواه

… كما قال تعالى: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عيه وكيلا }
[سورة الفرقان ، الآية : 43 ] .

فمن وافق هواه واستمع لأقواله واتبعه صار صديقا له مقربا منه، وإن
كان عاصيا لله تعالى بل ربما وإن كان مشركا كافرا، ومن لم يوافقه فيما
يهواه كان عدوا وإن كان من أولياء الله المتقين . والتفاوت في هذا بين
الناس كبير، فكثيرمن المسلمين يطلبون طاعتهم في غيرهم، وإن كان في
طاعتهم معصية لله تعالى ، فمن أطاعهم في ذلك كان أحب إليهم وأعز
عندهم ممن أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .



وكثير من الناس يكون في نفسه حب الرئاسة كامن لا يشعر به، ويخفى
عليه، فضلا عن غيره، وعند المقتضيات تظهر هذه الكوامن؛ ولهذا
سميت هذه الشهوات الخفية .



قال شداد بن أوس : " يا بقايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء
والشهوة الخفية، قيل لأبي داود السجستاني : ما الشهوة الخفية ؟ قال :
حب الرئاسة، فهي خفية تخفى على الناس وقد تخفى على صاحبها " .



* ومن علامات ذلك محبة من يعظمه بقبول قوله أو الاستماع له أكثر من
غيره، وإن كان ذلك الغير أطوع لله وأتقى ، وهذا يوجد كثيرا حتى في
أهل العلم !! فتجد بعض أهل العلم يحب من يعظمه ويطيعه دون أن يعظم
من هو نظيره في العلم أو أفضل منه، وإن كانا على منهج واحد، وإنما
يتم بقبول قوله والاقتداء به أكثر من غيره، وإن كان ذلك الغير أكثر طاعة
لله، وربما أبغض من يشاركه في العلم والاتباع حسدًا وبغيًا .. كفعل
اليهود لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى مثل ما دعا إليه
موسى : كفروا به وأبغضوه . قال تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل
الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما
معهم } [ سورة البقرة ، الآية :91] .



ثم قد يحصل ممن هذا وصفه ظلم وعدوان لمن خالفه في هواه، أو ربما
لمن قام ببعض ما يجب عليه لله من نشر علم أو دعوة الى الله تعالى ،
فيقف في وجهه صادا عن الحق أو ملبسا الحق بالباطل كفعل علماء
اليهود،

كما قال تعالى عنهم: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل
وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} [سورة آل عمران الآية :71] . ثم تجده
يرمي من خالفه بالألقاب المكروهة المنفرة التي تخالف أمر الله ورسوله
ابتغاء التفرقة وابتغاء الفتنة، وهو في ذلك يزعم أنه مصلح ودافع للفساد،
كما قال الله عن فرعون : {ذروني أقتل موسى وليدع ربه إنى أخاف أن
يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} [سورة غافر الآية : 26 ]

فهو يزعم أنه هو المصلح والمحافظ على الدين الحارس له من التغيير
والتبديل، وأما موسى فإنه ممن يسعى لتغيير الدين والفساد في الأرض !!
وهكذا تقلب الحقائق لدى أهل الأهواء ومبتغي العلو في الأرض فيصبح
المفسد مصلحا والمصلح حقا لديهم مفسدا، والكفر بالله ومنازعته سلطانه
: دينا يجب أن يحمى ويصان، ودين الله يعتبر تغييراً للدين وتبديلا للحق ، فتجد هؤلاء يصنفون الناس حسب أهوائهم . فهذا إخواني وذلك سلفى
والآخر تبليغي، والثاني سروري أو اخونجي !! وهكذا أسماء ما أنزل الله
بها من سلطان، وليست في دين المسلمين، بل هي من دين الجاهلية
ومدعاة للعصبية والتفرقة !!



وإن كان اسم "السلفي" قد وردت به الآثار، والمقصود به من اتبع طريقة
الصحابة، ومن اقتدى بهم، ومع ذلك فإذا استخدم للتعصب والتحيز إلى
فريق معين فإنه يكون ممقوتا في الشرع .

فقد جاء في السيرة في أحد مغازي النبى صلى الله عليه وسلم " أنه اقتتل
غلامان : غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار فنادى المهاجر يا
للمهاجرين، ونادى الأنصاري يا للأنصار فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : ما هذا ، دعوى أهل الجاهلية ؟! دعوها فإنها منتنة " .
مع أن هذين الإسمين [المهاجرين والأنصار] جاء بهما القرآن، وهما
محبوبان لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولما استخدما لنوع من
العصبية صار ذلك من فعل الجاهلية، وأخبر الرسول صلى الله عليه
وسلم أن هذه الدعوى منتنة لأنها تدعو إلى التفرق والتفكك .



وقريب من هذا ما حصل لسلمان يوم أحد، لما رمى أحد المشركين ، قال
خذها وأنا الفارسي، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : قل وأنا الرجل
المسلم .



ومثله ما ذكره شيخ الإسلام يرحمه الله تعالى ، قال : روينا عن معاوية بن
أبي سفيان : أنه سأل ابن عباس : أأنت على ملة علي أو على ملة عثمان
؟ فقال : لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال : "وكذلك كان كل من السلف يقولون : كل
هذه الأهواء في النار . ويقول أحدهم : ما أبالي أي النعمتين أعظم : أن
هداني الله للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء " .



فلا يجوز التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله، مثل
أن يقال للرجل : أنت شكيلي أو قرفندي ، فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل
الله بها من سلطان، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه
وسلم ، ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأئمة لا شكيلى ولا قرفندي !!
بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله
تعالى قد سمانا في القرآن المسلمين المؤمنين عباد الله ، فلا نعدل عن
الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم وسموها هم وآباؤهم ،
فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بهذه الأسماء ولا يوالى عليها ويعادي بل
أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان . أ هـ .



والواجب على كل من يتكلم في أمر من أمور الدين أن يكون مخلصا لله
متجرداً للحق، وغالباً على نفسه بالمجاهدة عن اتباع الهوى وما تميل إليه
من حظوظها الدنيوية، كحب الثناء والظهور وكثرة الأتباع، أو ما هو
أسوأ من هذا كله، وهو الحصول على شيء من حطام الدنيا .




* ومن نظر في كثير من الخلافات بين الجماعات والأفراد ، سواء كان
ذلك في مسائل العلم أو في مجال التوجيه والعمل، وجد ظاهرها في طلب
العدل والإنصاف، أو الصواب وترك الانحراف، وحقيقتها حب عبادة
النفس واتباع الهوى، أو أغراض سيئة دنيئة، وقد علم أن الهوى يعمي
ويصم ويضل عن سبيل الله، وقد ترجع إلى أمور شخصية أو تطلعات
معينة دنيئة، وإن غلفت بالغيرة على الدين وإرادة إظهار الحق، والواقع
خلاف ذلك .



ومن هذه صفته فهو ومن نحى نحوه المعني بقول الرسول صلى الله عليه
وسلم : " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة إن
أعطي رضي وإن لم يعط سخط . تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش " .



فهو عبد لهذه الأشياء لأن عمله من أجلها، ولها يرضا ويسخط، ولهذا قال
صلى الله عليه وسلم : " إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط". وهذا يدل
على أن صاحب الهوى يعبد هواه كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه
هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره
غشاوة فمن يهديه من بعد الله } [سورة الجاثية ، الآية 23 ] . وفي حديث
أبي هريرة الذي في الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار
: " الأول من تعلم علما ليقال : هو عالم قارئ، والآخر من قاتل ليقال هو
جريء شجاع، والثالث : من تصدق ليقال هو جواد كريم " .



فهؤلاء إنما كان قصدهم مدح الناس لهم وطلب الجاه عندهم وتعظيمهم
لهم، لم يقصدوا بفعلهم وجه الله وإن كانت صور أعمالهم حسنة في الظاهر .

وفي الحديث الآخر : " من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به
السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فله من عمله النار " .



فمباهات العلماء أن يظهر لهم أنه يعرف ما يعرفون، ويدرك ما لا
يدركون من المعاني والاستنباطات، وأنه يستطيع أن يرد عليهم، ويبين
أنهم يخطئون .

وأما مماراة السفهاء فهو مجادلتهم ومجاراتهم في السفه .
وأما صرف وجوه الناس إليه فالمراد به طلب ثنائهم ومدحهم له،
وتعريفهم بأنه عالم، فهو بعمله هذا يتقرب إلى النار .



وفي الحديث الآخر : " من طلب علما مما يبتغي به وجه الله تعالى لا
يطلبه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة . وإن ريحها
ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة " .

ومقابله ما قاله أبو عثمان النيسابوري : " من أمر السنة على نفسه قولا
وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة
" لأن الله يقول : {وإن تطيعوه تهتدوا} [سورة النور الآية:54] .




فاتباع الهوى نوع من الشرك كما قال بعض السلف : " شر إله عبد في
الأرض الهوى " ! فهو يضل الإنسان عن الحق وإن كان يعرف ذلك، فإذا
صار الهوى هو القائد والدافع صار أصحابه شيعا يتعصب كل واحد لرأيه
ويعادي من خالفه، ولو كان الحق معه واضحا لأن الحق ليس مطلوبه !!
وبذلك يذلوا وتذهب ريحهم، ويفشلوا أمام كل عمل أرادوه، لأنهم صاروا
متفرقين تتحكم فيهم الأهواء، ولذلك تجد هؤلاء كلما علم أحدهم أن من
يخالفه قد تكلم في مسألة أو موضوع تجده يبادر إلى الرد عليه بدون تأمل
في قوله وتلمس لوجه الصواب، بل يعمى عن هذا المقصد، ويبذل جهده
في تضليل مخالفه، وتفنيد رأيه بكل ما يستطيع، ولو برأي تافه وتعسف
بغيض، مع أن الذي يوجبه الإسلام هو محادثة المخالف والاطلاع على
دلائله، ووزنها بميزان الكتاب والسنة . ثم يكون ذلك هو المنهي للنزاع،
كما قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا
يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [سورة النساء ،
الآية 65 ] فنفى الإيمان عمن لم يحكم الكتاب والسنة فيما يختلف فيه هو
وغيره، ثم يسلم لحكمهما وينقاد له بدون تبرم أو ضيق صدر بذلك . بل لا
بد من الرضا به والتسليم له مطلقا وإلا لا يكون مؤمناً .



وقال تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر } [سورة النساء الآية 59] فأوجب رد كل ما
حصل فيه نزاع إلى الله والرسول لأن قوله : { في شيء } نكرة تعم كل
ما أحدث نزاعاً وإن قل، وبين أن الرد إليهما هو مقتضى الإيمان، فإذا لم
يرد النزاع إلى الله والرسول فمفهوم ذلك انتفاء الإيمان عمن فعل ذلك .
وهذا المفهوم قد صرح به منطوقا في الآية السابقة . والرد إلى الله هو
الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته .. وذلك بإجماع
العلماء .



وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم
عذاب أليم} [سورة النور الآية: 63]. أي فليحذر من لم يتبع الرسول في
أقواله وأعماله ظاهراً وباطنا أن يطبع الله على قلبه ويزين له سوء عمله
فيراه حسنا فيزداد شرا على شر أو يصيبه الله بعقاب عاجل مؤلم لا
يتخلص منه مع ما أعد له في الآخرة من النكال والإهانة.



قال ابن كثير :" أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول صلى الله
عليه وسلم ظاهراً وباطنا : {أن تصيبهم فتنة} أي في قلوبهم من كفر أو
نفاق أو بدعة . {أو يصيبهم عذاب أليم} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس
أو نحو ذلك .
ثم ذكر الحديث الذي في الصحيحين : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إنما مثلى ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما
حوله جعل الفراش وهذه الدواب يقعن فيها فجعل الرجل يزعهن ويغلبنه
فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ".

ووجه ذكر هذا الحديث تفسيراً لهذه الآية ظاهر وهو أن من خالف أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى بنفسه في النار فليحذر الإنسان أن يزين له الشيطان أو هواه اتباع من خالف الشرع محسنا ظنه به فيعض
على يديه يوم يحصل ما في الصدور .




وكل هذا .. المقصود منه حسم النزاع وإنهاؤه ليحصل الوئام والاتفاق،
فإن هذا من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية .



وقد قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا
وأنتم مسلمون} [سورة آل عمران الآية 102]،

وقال تعالى: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}
[سورة آل عمران الآية 107 ].

وقال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، [سورة الأنفال الآية :1] .

وقال تعالى: {ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا}، [ سورة الروم الآيتان 31،32 ]

وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}
[سورة الأنعام الآية :159 ].



أمر الله عباده المؤمنين بأن يتقوه بفعل ما أمرهم به من الاجتماع على دينه
متحابين متعاونين على الخير، وأن لا يموتوا إلا وهم مستسلمين لأمره
منقادين لطاعته مبتعدين عن معصيته . فإن المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده .



وأمرهم أن يعتصموا بدينه عن التنازع والاختلاف والتفرق الذي يدعو
إلى التعادي والتقاطع ثم الفشل والضعف وتسلط الأعداء ! وأن يشكروا
الله على ما من به عليهم من نعمة الاجتماع على دينه أخوة متحابين،
وأمرهم أن يكونوا دعاة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم نهاهم عن التفرق بعدما أعلمهم ضرره وما يترتب عليه من العداء والتباغض، ثم التدابر والتقاتل، كما حدث لمن قبلنا الذين يجب أن نعتبر
بهم لئلا يصيبنا ما أصابهم، فمن فعل ذلك سوف يسود وجهه عند ملاقاة
ربه وتيقنه بالجزاء العادل، وذلك يوم تبيض وجوه أهل الحق والوفاق
الذين اعتصموا بكتاب الله عن التفرق والاختلاف، فعروفوا الحق
واجتمعوا عليه، وعرفوا قبح الباطل وسوء عاقبة أهله فابتعدوا عنه، وكل
هذا يدل صراحة على وجوب الاجتماع والائتلاف، ويحرم التفرق
والاختلاف بجميع صوره . فمن أوجد ثغرة يخرج منها عن هذا الاجتماع
يكون محاربا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مفارقا لأمره، وهذا شأن
أهل الضلال والأهواء .




أما أهل العلم فإنهم يختلفون في بعض مسائل العلم وهم متحابون
مجتمعون على الحق، معتصمون بحبل الله، كما كان صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض أحكام الشرع ولا يدعوهم ذلك
إلى التفرق وأن يكونوا شيعا كل فريق يعادي الآخر، كما يحصل اليوم
لكثير ممن يزعم أنه من أهل العلم وذلك لأنهم اعتصموا بحبل الله جميعا
كما أمر الله تعالى، وإنما كان اختلافهم في الاستنباط وإعمال الفكر في
نصوص الشرع وكلياته فيما لم يجدوا فيه نصا فحمدوا وأجروا على
ذلك.. مثل اختلافهم في إرث الجد مع الأخوة، وفي جواز بيع أمهات
الأولاد، وفي المشركة، وفي الطلاق قبل النكاح، وفي مسائل في البيوع،
وغير ذلك كثير كل واحد يخالف الآخر، ومع ذلك كانوا متوادين
متناصحين، رابطة الأخوة الإسلامية قوية بينهم .



قال الشاطبي : كل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث
ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء، ولا فرقة علمنا أنها من مسائل
الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنابز والتنافر والقطيعة
علمنا أنها ليست من أمرالدين في شيء، وأنها التي عنى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بتفسير الآية، وهي قوله تعالى : {إن الذين فرقوا دينهم
وكانوا شيعا} [ سورة الأنعام الآية 159]. فيجب على كل ذي دين وعقل
أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء
فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [سورة آل عمران الآية 103 ].
فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى، فالإسلام
يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف
ذلك فخارج عن الدين " أ . هـ .



والتفسير الذي أشار إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر به قوله
تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم
إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} [سورة الأنعام الآية 159] هو ما ذكره
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله عليه وسلم : يا عائشة :
" إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " هم أصحاب الأهواء، وأصحاب
البدع، وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ! يا عائشة إن لكل ذنب توبة ما
خلا أصحاب الأهواء والبدع ليس لهم توبة ! وأنا بريء منهم وهم مني
براء !!




وقال الشاطبي أيضا : " ينبغي أن تذكر أوصاف أهل البدع ولا يعينون
بأعيانهم لئلا يكون ذلك داع إلى الفرقة والوحشة وعدم الألفة التي أمر الله
بها ورسوله، حيث قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}
[سورة آل عمران الآية : 103]، وقال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات
بينكم} [سورة الأنفال الآية 1 ]، وقال تعالى: {ولا تكونوا من المشركين.
من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} [ سورة الروم الآيتان 31،32] وفي
الحديث : (لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا)
، وأمر عليه الصلاة والسلام بإصلاح ذات البين، وأخبر أن فساد ذات
البين هي الحالقة وأنها تحلق الدين، والشريعة طافحة بهذا المعنى" أ هـ .



يعنى أن من قواعد الشرع ومن مقتضيات الإيمان والاعتصام بكتاب الله :
الوحدة على الحق والاتفاق عليه، وأن ترك الاهتداء بهذا الدين يورث
الاختلاف والشقاق، كما قال تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا
وإن تولوا فإنما هم في شقاق} [سورة البقرة الآية : 137] فالله تعالى
أوجب علينا أن نجعل اجتماعنا ووحدتنا بكتابه، فعليه نجتمع وبه نعتصم ..
لا بأوضاع زائفة، ولا بمذاهب مخترعة، ولا بجنسيات يعتز بها، ولا
بسياسات باطلة مبنية على غير الحق والهدى ! ونهانا عن التفرق والتفكك
والانفصام بعد هذا الاجتماع والاعتصام، لما في ذلك من زوال الوحدة
التي هي مناط العزة والقوة، وبالعزة يعتز الحق فيعلوا على الباطل،
وبالقوة يحفظ هو وأهله من هجمات الأعداء ومكائدهم .




* وقد جاء النهي عن التفرق مصحوبا بالوعيد الشديد لفظاعة أمره،
وسوء عاقبته . كما قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد
ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم .
يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه} [ سورة آل عمران الآيتان :105،106].



لأن الاختلاف بعد مجيء البينات خروج على أمر الله الذي يجب أن يكون
جامعا للناس موحدا لصفوفهم، فإذا فهم قول الله واتبع وحسنت المقاصد
صار عاصما من الاختلاف والتفرق، داع للاتفاق والاجتماع على طاعة
الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك يتضمن التعاون على البر
والتقوى والتناصر على أعداء الله وأعداء المسلمين، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، والنصح للمسلمين عامة وخاصة، ولهذا جعل
الرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو الدين كما في حديث تميم الداري،
قال : الدين النصيحة قالها ثلاثا ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله، ولكتابه
ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم " .




ومما يؤسف له أن هذا الأمر المهم لم يوله طلبة العلم في أيامنا هذه ما
يستحقه من الاهتمام والاعتناء به، مع وجود كثير ممن نصب نفسه
للتوجيه والتدريس ويغلب عليه حب الظهور واتباع أهواء النفوس مع
الجهل الكثير في المسائل العلمية المهمة، فصار من ثمار ذلك هذه
الحالات التي يعيشها الشباب اليوم من التحزبات والاشتغال بالقيل والقال،
وإطلاق الألسنة تلوك وتلفظ في أعراض الناس، ولا سيما المشايخ
والدعاة الى الله، بل توجه إليهم سهام النقد والتجريح بلا جريمة، بل جعلوا
المحاسن مساوئ !




وقد استمعت لكلام أحد هؤلاء نقل كلاما لأحد الدعاة يثني فيه على العلماء
ويقول : " إنهم يقومون بأعمال كثيرة ويتحملون أعباء عظيمة، فيجب أن
لا نحملهم ما لا يطيقون، ويجب علينا أن نساعدهم ونعاونهم ونكمل
النقص الذي يحصل لهم " .. ثم يجعل هذا الكلام محلا للانتقاد ويقول :"
وهذا هو تنقص المشايخ والعلماء وعدم تقديرهم " .. إلى آخر هذيانه الذي
هو أشبه بهذيان المحموم : فما أدري ماذا يريد هذا الناقد الغيور على
المشايخ ؟ هل يريد أن يجعلوا في عداد الرسل معصومين كما تقوله
الرافضة أو أنه لم يجد شيئا يتعلق به إلا أن يلبس على الناس بأن هؤلاء
الدعاة قد خرجوا عن الحق فصاروا يرمون أهله بالتنقص والازدراء ؟ ! .




* أقول : من نتائج أفعال هؤلاء تبلبلت أفكار كثير من الشباب .



* فمنهم من ضل طريق الهدى ، وصار يتبع ما يرسمه له هؤلاء النقدة
الذين وقفوا في طريق الدعوة يصدون عن سبيل الله .



* ومنهم من صار لديه بسبب هؤلاء النقدة فجوة عظيمة بينه وبين العلماء،
ووحشة كبيرة فابتعد عنهم.



* ومنهم من جعل يصنف الناس حسب حصيلته مما يسمع من هؤلاء بأن
فلانا : من الإخوان، لأنه يكلم فلانا من الإخوان أو يزوره أو يجلس معه،
وأن فلانا من السروريين، وفلانا من النفعيين وهكذا .



والعجب أنهم بهذا يزعمون أنهم يطبقون منهج الجرح والتعديل. وقد
اتخذوا في هذا رؤساء جهالاً فضلوا وأضلوا .



فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه، وفي هؤلاء المساكين أرباع المتعلمين
أو أعشارهم .

وفي الحديث الصحيح : " لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر
النعم " يعني خير لك من الدنيا، فكذلك من ضل بسببه رجل واحد فعليه
وزر عظيم . وقد قال الله تعالى بعدما ذكر قصة قتل ابن آدم لأخيه : {من
أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في
الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}
[سورة المائدة ، الآية :32 ].



وإضلال الإنسان في دينه أعظم من قتله بكثير، والكلام في مسائل الدين
يجب أن يكون بدليل من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم،
وأن يقصد به وجه الله، وألا يكون ضرورة أكبر من نفعه، والا يكون
الحامل عليه الحسد لمعين واتباع الهوى .



قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : " ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو
دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على الملك والعلماء والمشايخ
المختلفين في العلم والدين وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، لا بجهل
وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد وعلى كل أحد، في كل حال، والظلم
محرم مطلقا لا يباح قط بحال قال تعالى : {ولا يجرمنكم شنآن قوم على
ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [سورة المائدة الآية :8 ]. وهذه الآية
نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي
أمر الله به قد نهي صاحبه أن يظلم من أبغضه ، فكيف في بغض مسلم
بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس ؟! فهو أحق أن لا يظلم ، بل يعدل عليه " .



وقال : " والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته والثناء على
أهله ومحبتهم. والظلم مما اتفقوا على بغضه وذمه وتقبيحه وذم أهله
وبغضهم، والعدل من المعروف الذي أمر الله به وهو الحكم بما أنزل الله
على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها،
والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى من اتبعه، ومن
لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر .



وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه الأمور الاعتقادية أو
العملية .
قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين
وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف
فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم} [سورة البقرة
الآية 213].
وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [سورة الشورى
الآية :10] .

فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة ليس لأحد أن
يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك ومن اعتقد أنه يحكم بين
الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة، فهو كافر ! وحكام
المسلمين يحكمون في الأمور المعينة ولا يحكمون في الأمور الكلية، وإذا
حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله، فإن لم يكن فبسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه " .



والله تعالى قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعاً ولا يتفرقوا،
وقد فسر حبله بكتابه، وبدينه، وبالإسلام وبالإخلاص وبأمره، وبطاعته،
وبالجماعة، وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وكلها
صحيحة ، فإن القرآن الكريم يأمر بدين الإسلام، وذلك هو عهده وأمره
وطاعته، والاعتصام به جميعاً إنما يكون في الجماعة ودين الإسلام
حقيقته الإخلاص لله، وفي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثا، أن تعبدوه ولا
تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن
تناصحوا من ولاه الله أمركم " .



والله تعالى قد حرم ظلم المسلمين الأحياء منهم والأموات، وحرم دمائهم
وأموالهم وأعراضهم، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال في حجة الوداع : " إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم
حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت ألا
ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع" .



وقد قال الله تعالى : {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} . [سورة الأحزاب ، الآية :58 ] فمن آذى
مؤمنا حيا أو ميتا بغير ذنب يوجب ذلك فقد دخل في هذه الآية .



ومن كان مجتهدا لا إثم عليه، فإذا آذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب، ومن
كان مذنبا وقد تاب من ذنبه أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه
عقوبة فآذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب وإن حصل له بفعله مصيبة .



وقال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [سورة الحجرات ، الآية : 5 ]
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الغيبة ذكرك
أخاك بما يكره .. قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول . قال : إن كان
فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته " .

فمن رمى أحدا بما ليس فيه فقد بهته، ومن قال عن مجتهد إنه تعمد الظلم
وتعمد معصية الله ورسوله ومخالفة الكتاب والسنة ولم يكن كذلك فقد بهته، وإن كان فيه ذلك فقد اغتابه، ولكن يباح من ذلك ما أباحه الله
ورسوله، وهو ما يكون على وجه القصاص والعدل وما يحتاج إليه
لمصلحة الدين ونصيحة المسلمين .



فالأول : كقول المشتكي المظلوم : فلان ضربني، وأخذ مالي ومنعني
حقي ونحو ذلك . قال تعالى : { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا
من ظلم} [ سورة النساء ، الآية : 148 ] .

وأما الحاجة : فمثل استفتاء هند بنت عتبة . قالت : يا رسول الله " إن أبا
سفيان رجل شحيح لا يعطيني وابنى ما يكفيني بالمعروف ! فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". أخرجاه .
فلم ينكر عليه قولها ذلك، وهو من جنس قول المظلوم .



وأما النصيحة : فمثل قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس لما
استشارته فيمن خطبها . قالت : خطبني أبو جهم ومعاوية . فقال : " أما
معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " .
وفي لفظ : " يضرب النساء ولكن انكحي أسامة " . فذكر ما تحتاج إليه،
وكذلك من استشار رجلا فيمن يعامله، والنصيحة مأمور بها، ولو لم
يشاوره كما مر في حديث تميم .



وكذلك بيان أهل العلم لمن غلط في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم،
أو تعمد الكذب عليه أو على من ينقل عنه العلم .



وكذلك بيان غلط من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية
والعملية .

فهذا إذا تكلم فيه الإنسان بعلم وعدل وقصد النصيحة، فالله تعالى يثيبه على
ذلك، لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيا إلى بدعة فهذا يجب بيان أمره
للناس، فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق .




أما إذا تشاجر مسلمان في قضية ومضت ولا تعلق للناس بها ولا يعرفون
حقيقتها كان كلامهم فيها كلاما بلا علم ولا عدل يتضمن أذاهما بغير حق،
ولو عرفوا أنهما مذنبان أو مخطئان فذكر ذلك من غير مصلحة راجحة
من باب الغيبة المذمومة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من حمى مؤمنا من منافق حمى الله لحمه من نار جهنم يوم القيامة " .



وفي الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " سباب المسلم
فسوق، وقتاله كفر" . وفيهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده " .



وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا
خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا
أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب
فأولئك هم الظالمون } [ سور الحجرات ، الآية : 11 ] .



فنهى عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، واللمز هو العيب والطعن .


وقوله تعالى: {ولا تلمزا أنفسكم}، أي لا يلمز بعضكم بعضا . وعلى
المسلم أولا أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما يقوله ويفعله، وألا
يكون بقوله وفعله طالبا الرئاسة لنفسه أو لطائفته، أو تنقص غيره وحسده.
وأن يفعل ذلك لطلب السمعة والرياء، فإنه بذلك يحبط عمله، وإذا كان
علمه صالحا وخاليا من الشوائب المفسدة في المبدأ. ولكن لما رد عليه
قوله أو أذى من أجل ما هو لله تعالى فنسب إلى الخطأ والغرض الفاسد
عند ذلك طلب الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان وزين له ذلك فيكون مبدأ
علمه لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى
على ذلك المؤذي، وهكذا يقع لأصحاب الاختلافات إذا كان كل واحد منهم
يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة ، فيقعوا في الهوى وطلب الانتصار
لجاههم ورئاستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي
العليا وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان
مجتهدا معذورا، لا يغضبون عليه لله، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان
جاهلا سيئ القصد ليس له علم ولا حسن قصد، فيقضي هذا إلى أن
يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، فتصير
موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله فيتشبهون
بالكفار الذين لا يطلبون إلا أهوائهم فتنشأ الفتن بين الناس.




وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله، والموالاة فيه والمعاداة فيه،
والعبادة كلها له والاستعانة به، والخوف منه والرجاء له والعطاء والمنع
له، وهذا لا يكون إلا بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره
أمر الله، ونهيه نهي الله، وطاعته طاعة الله، ومعاداته معاداة الله،
ومعصيته معصية لله تعالى .



وصاحب الهوى يعميه هواه ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله، ولا
يطلب ذلك، فلا يرضى لرضى الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله
ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يهواه ويريده، ويغضب إذا خولف
هواه، ويكون مع ذلك عنده شبهة دين وعلم، أو أنه يعمل على اتباع السنة
ونصرة الدين والواقع خلاف ذلك

.

ولو قدر أن الذي معه هو الحق المحض ولكنه قصده الانتصار لنفسه
ولغرضه، ولم يقصد أن يكون الدين كله لله وكلمة الله هي العليا بل قصده
الحمية لنفسه ولطائفته أو قصده الرياء ليعظم ويثنى عليه أو فعل ذلك
شجاعة وطبعا، أو لغرض من أمور الدنيا لم يكن لله ولا في سبيله، فكيف
إذا كان مثل غيره معه حق وباطل، وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل
وسنة وبدعة، فهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا .




والاختلاف إذا كان في ملة واحدة فكله مذموم، لأنه يؤدي إلى التنازع
والتفرق، والدين يأمر بالاجتماع والإتلاف . قال تعالى: {وإن الذين
اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [سورة البقرة : الآية : 176] . وقال :
{وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [ سورة يونس ، الآية : 19 ]
فذمهم على الاختلاف، وأما إذا كان الاختلاف بين أهل الإيمان والكفر
كقوله تعالى : {فمنهم من آمن ومنهم من كفر} [سورة البقرة ، الآية : 253] فهذا مطلوب لأن فيه تمييز الحق من الباطل، ومزاولة الباطل والبعد عنه .




وإذا حصل خلاف بين أهل الدين يجب أن يقصد به طاعة الله وتنقية الحق
من الباطل في نفوس الناس .. رحمة بهم وإحسانا إليهم وطلبا لرضى الله
تعالى، حتى إذا رد على أهل البدع الظاهرة مثل الرافضة وغيرهم يجب
أن يقصد بذلك بيان الحق وهداية الخلق، ورحمتهم والإحسان إليهم، وإذا
غلط في بيان بدعة أو ذمها أو معصية يجب أن يكون قصده بيان ما فيها
من الفساد ليحذرها العباد، وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا والقصد ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام .


والله أعلم .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد


لفضيلة الشيخ : عبدالله الغنيمان.
 

a30b65524a.gif




الموضوع العشرون

نهي الأسلاف عن الخلاف


الحمد لله رب العالمين ، وصلاة والسلام على نبينا الأمين محمد ابن عبد الله , وعلى آله الطاهرين ,وصحبه والتابعين.
وبعد:

يقول الله جل في علاه وتبارك في عالي سماه في كتابه الكريم ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) [هود118]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلام ( فإنه من يعش منكم ، فسيرى اختلافاً كثيرا)
[رواه أحمد (( المسند)) 4/126 وصححه ابن حجر]
فمن خلال هذه النصوص ، يتبين لنا ، أن الخلاف أمرٌ محتوم
فا الخلاف مما قضاه الله وأراده كوناً لحكمةٍ بالغة ، حتى يتميز المُتبع من المبتدع
فهو إذاً كالكفر باعتبار إرادةِ الله ِ له كوناً فاللهُ لا يحبه ، ولكنه سبحانه شاءه وأراده إرادة كونية قدرية
قال الإمام ابن حزم رحمه الله : وقد نصَّ ـ تعالى ـ على أن الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه ـ تعالى ـ لم يرضَ به، وإنما أراده ـ تعالى ـ إرادة كونٍ ، كما ارادَ الكُفر وسائر المعاصي . إ.هـ.
[ الإحكام في أُصول الأحكام (( 5/64)) ]


الخلاف من أوصاف المبتدعة



يقول الله تعالى ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ) [ الأنعام :159]
قال البغوي رحمه الله : هم أهلُ البدع والأهواء [ شرح السنة 1/210]
وقال الشاطبي رحمه الله : الفُرقةُ من أخس أوصاف المبتدعة [ الاعتصام1/113]
وقال أبو الُظفر السمعاني رحمه الله : إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع ، رأيتهم متفرقين مختلفين .
[الحجة في بيان المحجة 2/225]



الخلاف آفةُ الذنوب


يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما توادَّ اثنان في الله ، ثم يُفرق بينهما ، إلا بذنبٍ يُحدثُهُ أحدهما ) [ رواه البخاري في الأدب المفرد (( 401)) وصححه الألباني في الصحيحة 637]
وقال قتادة : أهلُ رحمة الله أهل جماعة ، وإن تفرقة دُورُهم وأبدانهم ، وأهل معصِيِتِهِ أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم . [ رواه الطبري في تفسيره ((12/85))]



الخلاف شرٌّ


قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : الخلاف شرٌّ . رواه أبو داود كتاب المناسك (( 1960))
ويقول المُزني عند قوله تعالى ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات )
فذم الله الاختلاف ، وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، فلو كان الاختلاف من دينِهِ ما ذمه .
[ جامع بيان العلم وفضله (( 2/910)) ]
وقال علي ـ رضي الله عنه ـ : اقضوا كما كنتم تقضون ، فإني أكرهُ الاختلاف ، حتى يكون الناس جماعة ، أو أموت كما مات أصحابي
[ رواه البخاري في مناقب علي 3707]
وقال الطحاوي : ونرى الجماعة حقاً وصواباً ، والفُرقة زَيغاً وعذاباً [ متن الطحاويه ]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فإن الجماعة رحمةٌ ، والفُرقة عذابٌ . مجموع الفتاوى 3/421



تخريج حديث (( اختلاف أمتي رحمة )).


قال السُبكي : ليس بمعروف عند المُحدثين ، ولم أقف له على سندٍ صحيح ، ولا ضعيف
ولا موضوع
[ فيض القدير 1/212]
وقال ابن حزم : وأما الحديث المذكور ، فباطلٌ مكذوب من توليدِ أهل الفسق . [ الإحكام من أصول الأحكام 5/61]
قال القاسمي : ذكر بعض المفسيرين هنا ما روي من حديث (( اختلاف أُمتي رحمة ))
ولا يُعرف له سندٌ صحيح ، ورواه الطبراني والبيهقي في المدخل بسندٍ ضعيف ، عن ابن عباس .
[ محاسن التأويل 4/928]
والحديث الذي اشار إليه القاسمي ، هو في المدخل 152 وإسنادُهُ ساقطٌ بالمرة ، فيه ثلاث علل:
الأولى: سليمان بن اب كريمة ، ضعفهُ ابو حاتم الرازي.
الثانية: جُويبرٌن متروك الحديث ، كما قال النسائي والدارقطني.
الثالثة: الانقطاع بين الضحاك وابن عباس.
وفي الجملة ، ليس في الأدلة من الكتاب والسنة ما يدل على أن الخلاف رحمة ، وإذا كان اختلاف أمتي رحمةً ، فهل يكون اجتمعها عذاباً
 

a30b65524a.gif




الموضوع الحادي والعشرون



خطوات نحو الكتابة الراقية


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه؛ وبعد:
فقد فشا في زماننا القلم وكثر الكتاب مصداقاً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونتج عن هذه الكثرة الكاثرة سلبيات جمة منها تكلم الرويبضة في أمر العامة وانتشار غثاء الكتابة من كتابٍ يريدون العلو والظهور ولو على طريقة الأعرابي الذي لطخ الكعبة_ شرفها الله _ بالقاذورات قائلاً : " أحببت أن أذكر ولو باللعنة " . وقد أردت أن أرقم بعض ما يعين الناشئ والشادي على إتقان صناعة الكتابة راجياً من القراء التفاعل الإيجابي وإبداء ما لديهم من ملحوظات.

**خطوات الكتابة الأدبية والفكرية الراقية:

1. إخلاص النية لله تعالى ونبل المقصد ذوداً عن الحق ودحضاً للباطل؛ مع الدعاء بالسداد والقبول والاستعانة الدائمة بالله والتوكل عليه في بلوغ الغايات العالية.

2. حدد ما هو الهدف من الكتابة: تعليمي؛ إخباري؛ حواري... ، و اختر الطريقة المناسبة لعرض الموضوع: رمزية؛ مباشرة؛ مقالة؛ خاطرة...

3. ما هي نوعية الكتابة: علمية؛ أدبية؛ فكرية؛ جادة؛ ساخرة... ؛ ومن هي الشريحة المستهدفة ؟

4. يطول الموضوع أو يقصر حسب نوعه وطبيعة المتلقي والمساحة المتاحة.

5. لا تنشر الكتابة مباشرة ؛ فلا بد من تنقيحها وقراءتها في أحوال مختلفة خاصة قبل النوم "لإعمال العقل الباطن " ، ثم اعرضها على الثقات للمشورة خصوصاً في بدايات الكتابة ، وعلى الكاتب متابعة تصحيحات الناشر ليستفيد منها إن كانت من ثقة معتبر .

6. تعرف على الأحوال المناسبة للكتابة : زمانية ومكانية ونفسية وجسدية ؛ ولكل كاتب طبع وطبيعة يحسن به مراعاتها حتى لايختنق إبداعه وتجف منابع عطاءه .

7. كتابة التاريخ في نهاية كل موضوع ليتتبع الكاتب مراحل تطوره الكتابي ورقيه الفكري، وكم من كتابة كنا نراها فريدة عصرها فلما قرأناها بعد مدة عجبنا من سذاجتها.

8. حتى تكتب بتفوق لا بد أن تقرأ بتذوق؛ فلن تكون كاتباً بارعاً حتى تصير قارئاً مميزاً. واعلم _ غير معلم _ أن القراءة وظيفة يومية ينبغي إتقانها. انظر _ غير مأمور _ كيف تقرأ كتاباً للمنجد ؛ القراءة المثمرة لبكار ؛ معالم في طريق الطلب للسدحان ؛ المشوق إلى القراءة للعمران ، وغيرها من بابتها كثير . واتخذ كتباً لتنظر فيها إن استغلق عليك فكر أو عجزت عن بيان أو قصرت مفرداتك عن بلوغ غاياتك .

9. استقرإ أساليب الكتابة عند مشاهير الكتاب وكبارهم – قديماً وحديثاً - ؛ لتستفيد منها دون تقليد أحد منهم حذو القذة بالقذة ؛ وأبحث عن أمراء البيان وأساطينه ولا تضع وقتاً مع من دونهم .

10. استخدم أفصح لغة دائماً وابذل وسعك وجهدك في ذلك، وقد قيل: " لم يسمع من الشافعي كلمة وفي العربية أحسن منها في مكانها " وقريب منه ما حُكي عن المتنبي في بعض شعره. ولا يكن معناك تابعاً للفظك ولا تتكلف مايثقل القارئ ويشق عليه من سجع ومحسنات .

11. كن حريصاً على تطبيق قواعد النحو محافظاً على قانون اللغة وسنن اللسان العربي القويم؛ وحاذر اللحن والهجين والعامية فهي أقبح من الجدري في الوجه الحسن. ولمزيد انظر معجم الأخطاء الشائعة لمحمد العدناني وتذكرة الكاتب لأسعد داغر.

12. العناية بالإملاء وعلامات الترقيم ؛ فهي زينة الكاتب وحلية الكتابة ، ولتنظر في ذلك : قواعد الإملاء والترقيم لعبد السلام هارون ؛ علامات الترقيم لأحمد زكي باشا ؛ التحرير العربي للفريح وشوقي .

13. يحسن بالكاتب ألا يتخم مقاله بعلامات الاستفهام والتعجب والنقط المتتابعة والأقواس الفارغة وأمثالها، وإن كان لا بد فلتكن ملح طعام لا طعاماً بلا ملح. وسبب النهي عن الإكثار منها كونها كالبهرج الزائف يخدع بها الغر دون الحصيف وتدل _ غالباً _ على غوغائية الكاتب وخوائه وفراغه حيث يتقاطع مع الطبل في الانتفاخ الخارجي والفراغ الداخلي .

14. تزيين الكتابة بالشواهد من القرآن والسنة والأقوال الخالدة والأمثال والشعر؛ مع ضرورة العناية بصحة النقل وتمييز المنقول. ويلاحظ أن الأمثال والحكم غدت بياناً غائباً عن الساحة الثقافية خاصة لدى جيل الشباب؛ ولذا انصح بقراءة هذه الكتب: معجم الأمثال العربية د. عفيف عبد الرحمن ؛ قاموس الأمثال والحكم العالمية سمير شيخاني ؛ معجم التراكيب اللفظية د.أحمد أبو سعد ؛ معجم الأمثال والتراكيب د. محمد حسن الشريف ؛ موسوعة الأمثال العربية د.إميل يعقوب، وكذلك الكتب التي اعتنت ببيان كنايات العرب ككتاب المنتخب من كنايات الأدباء وإشارات البلغاء للقاضي أبي العباس الجرجاني,وغيرها .

15. احرص على تكوين ثروة لغوية واسعة ، وليكن لك نظر دائم وإطلاع مستمر في المعاجم كالقاموس المحيط " طبعة الرسالة "واللسان " طبعة دار صادر "وتاج العروس " الطبعة الكويتية " ومعجم المقاييس لابن فارس " طبعة دار الجيل "وفقه اللغة للثعالبي وإكمال الإعلام لابن مالك " طبعة جامعة أم القرى " وجواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر والألفاظ الكتابية للهمداني ، وغيرها . وانظر في مقامات الحريري والسيوطي ففيهما كنز لمن طلبه .

16. كن دقيق الملاحظة بعيد النظر متجاوزاً الحدث إلى ما وراءه ، واستفد من الأحداث المألوفة لكتابة غير مألوفة ، وانظر مثالاً على ذلك مقالتين بعنوان " بين خروفين " و " بين هرين " للرافعي في وحي القلم ؛ واستمع إلى خطبة رمضانية عجيبة عبر منبر الحرم عن الشيطان للشيخ د. سعود الشريم .

17. لا تطرح فكرة إلا بعد وضوحها في ذهنك وإلمامك بكافة جوانبها مع الإيمان القوي بمضمونها.

18. اهتم بالتجديد والإبداع ولا تكن كابنة الجبل _ الصدى _ ، وتجنب تكرار الكلمات والجمل والأفكار إلا ما كان لضرورة ملحة لأن التكرار مجلبة للملال .

19. التزم جانب الهدوء وحسن الأدب وابتعد عن التشنج والانفعال؛ وتوقع المعارضة والمخالفة لرأيك وربما سوء الفهم لمقالك.

20. ابذل وسعك واستفرغ جهدك لاختيار عنوان جذاب مميز؛ وكن لطيفاً في الاستهلال وقوياً في الختام ؛ ولا تحرم قارئك من وسيلة للتواصل بسؤال أو اعتراض أو استيضاح .

21. دع القلم يجري خاطاً مداده على القرطاس ، وإياك إياك والتوقف ؛ فإن الماء إذا ركد أسن ، ولا تستعجل النشر أو تستبطئ الثمرة ؛فمن كانت همته عالية ؛ فسيبلغ حتماً مكانة عالية .


أحمد بن عبد المحسن العساف
الثلاثاء 10 من جمادى الآخرة 1425
 
يا روادَ منتديات الحوار


a30b65524a.gif




الموضوع الثاني والعشرون


يا روادَ منتديات الحوار
أين نحنُ من ســـلامــةِ الصـــدرِ بيننا ؟

الحمد لله القائل في محكم كتابه : " ‏وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " [ الذاريات : 55] .

قال ابن كثير في تفسيره : أي إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة.

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل : ‏إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي ‏‏جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي ‏التَّحْرِيشِ ‏بَيْنَهُمْ . رواه مسلمٌ من حديث جابر رضي الله عنه .

إن الناظر فيما يقع بين الإخوة من شحناءٍ وبغضاءٍ بسبب سوء فهم ، أو عمل غير مقصود ، أو غير ذلك من الأسباب ليحزنُ أشدَ الحزنِ على ذلك .

وإننا نرى أن الشيطان قد نجح في زرع هذه العداواتِ ، وكيف لا وهو الذي أخذ العهد على نفسه بمثل هذه الأفعال .

ومما يبعث الحزن أكثر أن تجد هذا الأمر بين أناس من خيار شباب المجتمع ، بل ممن تربوا على العلم الشرعي الذي يحصن المسلم من الوقوع في مثل هذه الزلات ، والهفوات ، والتي قد تحسب عليه ، نسأل الله السلامة والعافية .

وفي هذا الموضوع أريد أن أذكر نفسي أولا ، ثم إخواني ثانيا بخصلة عظيمة نسيناها أو تناسيناها في زحمة المشاغل الدنيوية ، وعدم القراءة لسير سلف هذه الأمة .

هذه الخصلة هي
" ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ " .

نقف في هذا التذكير مع نصوص الكتاب والسنة ، ومع سير سلف هذه الأمة ، لعلنا نصلح ما قد أفسده الشيطان بين الإخوان .

نقف في هذا التذكير مع أنفسنا وقفة صادقة متجردة من الهوى ، وحظوظ النفس ، ونسأل أنفسنا : هل صدورنا وقلوبنا سليمةٌ على إخواننا الذين أخطأوا في حقنا ؟

1- ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ في القرآن :

- فضل كظم الغيظ ، والعفو عن الناس :
يقول تعالى : " ‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‏ ‏" [ آل عمران : 134]
الشاهد من الآية " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ " .
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تيسير الكريم الرحمن ( ص 148) :
" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ " أي : إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم - وهو امتلاء قلوبهم من الحنق ، الموجب للانتقام بالقول أو الفعل - ، هؤلاء لا يعملون بمقضى الطباع البشرية ، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم .

" وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ " يدخل في العفو عن الناس ، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل ، والعفو أبلغ من الكظم ، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء ، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة وتخلى عن الأخلاق الرذيلة ، وممن تاجر مع الله ، وعفا عن عباد الله رحمة بهم ، وإحسنا إليهم ، وكراهة لحصول الشر عليهم ، وليعفو الله عنه ، ويكون أجره على ربه الكريم ، لا على العبد الفقير كما قال تعالى : " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [ الشورى : 40] .ا.هـ.

اللهم اجعلنا ممن يكظمون غيظهم ، ويعفون عن الناس .

- يوسف عليه السلام يضرب المثل في سلامة الصدر :
قال تعالى : " ‏قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ‏قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " [ يوسف : 91 - 92] .

الله أكبر ! يوسف في موقف القوة ، وكان باستطاعته بإشارة منه أن ينتقم ممن آذاه ، ولكن سلامة الصدر ، والعفو ، والصفح .

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في فوائده المستنبطة من قصة يوسف ( ص 62) :
الفائدة السبعة والعشرون : مبلغ عفو يوسف عليه السلام : ومنها : ما مَنَّ الله به على يوسف من حسن عَفْوه عن إخوانه ، وأنه عفا عمّا مضى ، ووعد في المستقبل أن لا يثرب عليهم ، ولا يذكر منه شيئا لأنه يجرحهم ويحزنهم ، وقد أبدوا الندامة التامة ، ولأجل هذا قال : " ‏مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ‏" [ يوسف : 100] .

ولم يقل : من بعد أن نزغهم ، بل أضاف الفعل إلى الشيطان ، الذي فرَّق بينه وبين إخوته . وهذا من كمال الفتوة وتمام المروءة .ا.هـ.

- ثناءُ اللهِ على الأنصار بسبب سلامةِ صدورهم - رضي الله عنهم - :
قال تعالى : " ‏وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ‏وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ‏ ‏" [ الحشر : 10]

قال شيخ الإسلام في الفتاوى (10/119) :
وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار فقال : " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ‏‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " أى مما أوتى إخوانهم المهاجرون . قال المفسرون : لا يجدون فى صدورهم حاجة أي : حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون ، ثم قال بعضهم : من مال الفيء ، وقيل : من الفضل والتقدم .ا.هـ.

قال الشوكاني في فتح القدير (5/201) :
" ‏وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً " أي : لا يجد الأنصار في صدورهم حسدا وغيظا وجزازة .ا.هـ.

- الدعاء بخلو قلب المؤمن من الغل على المؤمنين :
قال تعالى : " ‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ‏‏يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ‏وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏ " [ الحشر : 1]

قال الإمام الشوكاني في فتح القدير (5/202) :
" ‏وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا " أي : غشا وبغضا وحسدا . أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الأطلاق ، فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوليا لكونهم أشرف المؤمنين ، ولكون السياق فيهم .ا.هـ.

وأكتفي بهذه الآيات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

2 - ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ في السنة :

- اللهُ يأمرُ نبيهُ بأخذِ العفو :
قال تعالى : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " [ الأعراف : 199] .

قال الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير ، باب خذ العفو ، وأمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين :
‏حَدَّثَنَا ‏يَحْيَى ‏، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ‏، عَنْ هِشَامٍ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ " ‏قَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ ‏ ‏.

وَقَالَ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ ‏، ‏حَدَّثَنَا ‏أَبُو أُسَامَةَ ‏، ‏حَدَّثَنَا ‏هِشَامٌ ‏، ‏عَنْ ‏أَبِيهِ ‏، ‏عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏، ‏قَالَ ‏ : ‏أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ أَوْ كَمَا قَالَ .

- وصفُ التوراةِ للنبي صلى الله بسلامةِ الصدرِ :

عَنْ ‏عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : لَقِيتُ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏قُلْتُ ‏: ‏أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي التَّوْرَاةِ ، قَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ ‏ ‏إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ‏: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا " [ الأحزاب : 45] ‏وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ ‏ ‏المتَوَكِّلَ ‏ ‏لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا . رواه البخاري (2125) .

وقد تأكد هذا الوصف من كلام عائشة رضي الله عنها .

‏عَنْ ‏أَبِي إِسْحَقَ ‏قَال سَمِعْتُ ‏أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ ‏يَقُولُ ‏: ‏سَأَلْتُ ‏عَائِشَةَ ‏عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ‏: ‏لَمْ يَكُنْ ‏ ‏فَاحِشًا ‏وَلَا ‏مُتَفَحِّشًا ‏ ‏وَلَا ‏ ‏صَخَّابًا ‏فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا ‏يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ‏وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ . رواه الترمذي (2016) ، وقال : ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : ولكن يعفو : ‏أي في الباطن ‏.

ويصفح : ‏أي يعرض في الظاهر عن صاحب السيئة لقوله تعالى : " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [ المائدة :13] .ا.هـ.

- مواقفُ من سلامةِ الصدرِ عند نبينا صلى الله عليه وسلم :
لقد ضرب نبينا صلى الله عليه وسلم المثل في هذا الباب العظيم ، وهذه الخصلة ، فكانت له مواقف يقتدى بها صلى الله عليه وسلم وهي :

1 - ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش :
لقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش له الكثير ، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه صبر ، وسلم صدره منهم على كفرهم ، وعنادهم . وهاهي عائشة رضي الله عنها تسأله عن هذا الأمر .

‏عَنْ ‏‏ابْنِ شِهَابٍ ‏قَالَ : حَدَّثَنِي ‏‏عُرْوَةُ ‏‏أَنَّ ‏عَائِشَةَ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏حَدَّثَتْهُ ‏ ‏أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ ‏ ‏أُحُدٍ ‏؟ ‏قَالَ ‏: ‏لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ ‏الْعَقَبَةِ ‏إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ‏ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ‏فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا ‏بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ‏ ‏فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا ‏جِبْرِيلُ ‏فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏، فَقَالَ : ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ ‏ ‏الْأَخْشَبَيْنِ ‏، ‏فَقَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا . رواه البخاري (3231) .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/364) :
وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه , ومزيد صبره وحلمه , وهو موافق لقوله تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [ آل عمران : 159] ، وقوله : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ‏ " [ الأنبياء : 107] .ا.هـ.

2 - موقفُ النبي صلى الله عليه وسلم من أهلِ مكةَ بعدما دخلها فاتحاً :
كان للنبي صلى الله عليه وسلم موقف مع أهل مكة عندما دخلها منتصرا ، فاتحا . وكان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتقم لنفسه من أذى قريش له عندما كان في مكة صلى الله عليه وسلم ، ولكنه ضرب لنا مثلا رائعا في الصفح ، والعفو عن حقه ضد من آذاه في دعوته إلى الله . وقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم الذين أهدر دماؤهم صلى الله عليهم وسلم .

‏عَنْ ‏أَبِي الْعَالِيَةِ ‏قَالَ حَدَّثَنِي ‏أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ‏قَالَ ‏: ‏لَمَّا كَانَ يَوْمُ ‏أُحُدٍ ‏أُصِيبَ مِنْ ‏الْأَنْصَارِ ‏أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا وَمِنْ ‏الْمُهَاجِرِينَ ‏سِتَّةٌ فِيهِمْ ‏حَمْزَةُ ‏فَمَثَّلُوا ‏بِهِمْ فَقَالَتْ ‏الْأَنْصَارُ ‏: ‏لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا ‏ ‏لَنُرْبِيَنَّ ‏عَلَيْهِمْ ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ ‏مَكَّةَ ‏فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : " ‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ‏" [ النحل : 126] ‏‏فَقَالَ رَجُلٌ : لَا ‏قُرَيْشَ ‏بَعْدَ الْيَوْمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏كُفُّوا عَنْ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً .
رواه الترمذي (3129) ، وقال : ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ‏ ‏مِنْ حَدِيثِ ‏ ‏أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ .

ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند (5/135) بلفظ :
‏عَنْ ‏أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ‏قَالَ ‏: ‏لَمَّا كَانَ يَوْمُ ‏أُحُدٍ ‏قُتِلَ مِنْ ‏‏الْأَنْصَارِ ‏أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا ، وَمِنْ ‏الْمُهَاجِرِينَ ‏ ‏سِتَّةٌ فَقَالَ ‏أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏لَئِنْ كَانَ لَنَا يَوْمٌ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ : لَا ‏قُرَيْشَ ‏بَعْدَ الْيَوْمِ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَمِنَ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا نَاسًا سَمَّاهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ‏" [ النحل : 126] ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏نَصْبِرُ وَلَا نُعَاقِبُ .

وقد أورد هذا الحديث الشيخ مقبل الوادعي في " الصحيح المسند من أسباب النزول " ( ص 91) ، وحسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد (35/152) .

3 - موقفُ النبي صلى الله عليه وسلم من الأعرابي الذي خنقهُ :
‏عَنْ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏قَالَ : ‏كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ‏وَعَلَيْهِ ‏ ‏بُرْدٌ ‏نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ ‏فَجَبَذَهُ ‏ ‏بِرِدَائِهِ جَبْذَةً ‏ ‏شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا ‏مُحَمَّدُ ‏مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏، ‏ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . رواه البخاري (5809) .

ونكتفي بهذه المواقف من النبي صلى الله عليه وسلم .

- ما هو القلبُ المخمومُ ؟ :
عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏‏قَالَ ‏: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ ‏: ‏كُلُّ ‏مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا ‏مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيهِ ، وَلَا بَغْيَ ، وَلَا ‏غِلَّ ‏، ‏وَلَا حَسَدَ . رواه ابن ماجة (4216) .

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/299) : هذا إسناد صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه .ا.هـ.

وقال الألباني في الصحيحة (2/669 ح 948) : وهذا إستاد صحيح رجاله ثقات .ا.هـ.

قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة :
‏قوله ( كل مخموم القلب ) ‏: ‏قال السيوطي : بالخاء المعجمة ، قال في النهاية : هو من خممت البيت إذا كنسته ونظفته ‏‏. قوله ( ولا غل ) ‏بالكسر الحقد .

- قصة الصحابي الذي بات عنده عبد الله بن عمرو مع بيان ضعفها :
عَنِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ‏قَالَ ‏: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏فَقَالَ ‏: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ ‏الْأَنْصَارِ ‏تَنْطِفُ ‏لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏مِثْلَ ذَلِكَ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏تَبِعَهُ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏فَقَالَ : إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ ، قَالَ : نَعَمْ . قَالَ ‏أَنَسٌ ‏: ‏وَكَانَ ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا ‏ ‏تَعَارَّ ‏وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، قَالَ ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏ ‏: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا ، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ يَا ‏عَبْدَ اللَّهِ ‏، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ ، وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ ‏يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ فَأَرَدْتُ أَنْ ‏ ‏آوِيَ ‏ ‏إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏، فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ . قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي ، فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، فَقَالَ ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏: ‏هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ .
رواه أحمد (3/166) .
وهذا الحديث ضعيف لأن فيه انقطاعا بين الزهري وأنس بن مالك رضي الله عنه .

قال االحافظ المزي في تحفة الأشراف (1/395) :
قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ : لم يسمعه الزهري من أنس ؛ رواه عن رجل عن أنس ؛ كذلك رواه عقيل وإسحاق بن راشد وغير واحد ، عن الزهري ؛ وهو الصواب .ا.هـ.

وقال االحافظ ابن حجر في النكت الظراف :
قلت : وذكر البيهقي في الشعب : أن شعيبا رواه عن الزهري ، حدثني من لا أتهم ن عن أنس . ورواه معمر ، عن الزهري ، أخبرني أنس ؛ كذلك أخرجه أحمد عنه . ورويناه في مكارم الأخلاق ، وفي عدة أمكنة عن عبد الرزاق . وقد ظهر أنه معلول .ا.هـ.

وقال العلامة الألباني – رحمه الله – في ضعيف الترغيب والترهيب (2/247) :
قلت : هو كما قال – يقصد الشيخ الألباني قول المنذري : رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم - ، لولا أنه منقطع بين الزهري وأنس ، بينهما رجل لم يسم كما قال الحافظ حمزة الكناني على ما ذكره الحافظ المزي في تحفة الأشراف ، ثم الناجي ، وقال : وهذه العلة لم ينتبه لها المؤلف . ثم أفاد أن النسائي إنما رواه في " اليوم والليلة " لا في " السنن " على العادة المتكررة في الكتاب ، فتنبه .

قلت : أخرجه عبد الرزاق في المصنف ومن طريقه جماعة منهم أحمد : قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك . وهذا إسناد ظاهر الصحة ، وعليه جرى المؤلف والعراقي في " تخريج الإحياء " ، وجرينا على ذلك برهة من الزمن ، حتى تبينت العلة ، فقال البيهقي في " الشعب " عقبه : ورواه ابن المبارك عن معمر فقال عن معمر ، عن الزهري ، عن أنس . ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ، قال : حدثني من لا أتهم .. ، وكذلك رواه عقيل بن خالد عن الزهري . وانظر " أعلام النبلاء " (1/109) .

ولذلك قال الحافظ عقبه في " النكت الظراف على الأطراف " : فقد ظهر أنه معلول .ا.هـ.

وذهب الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد (20/125) إلى تصحيح الحديث فقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين .ا.هـ.

وفي سير أعلام النبلاء (1/109) قال الشيخ شعيب في الحاشية رقم (2) على حديث أنس : ذكره صاحب الكنز ونسبه إلى ابن عساكر ، وقال : ورجاله رجال الصحيح ، إلا أن ابن شهاب قال : حدثني من لا أتهم ، عن أنس .. ا.هـ.

يعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على القصة في الفتاوى (10/119) فيقول :
فقول عبد الله بن عمرو له : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا نطيق . يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد .ا.هـ.

- عمرُ بنُ الخطاب وقافٌ عند كتاب الله :
‏عَنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏قَالَ ‏: قَدِمَ ‏عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ‏فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ‏ ‏الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ ‏، وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ ‏ ‏عُمَرُ ‏، ‏وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ ‏ ‏عُمَرَ ‏وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ ‏عُيَيْنَةُ ‏لِابْنِ أَخِيهِ : يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ ، قَالَ : سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ ، قَالَ ‏ابْنُ عَبَّاسٍ ‏: ‏فَاسْتَأْذَنَ ‏لِعُيَيْنَةَ ‏؛ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ ‏: ‏يَا ‏ ‏ابْنَ الْخَطَّابِ ‏، وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا ‏الْجَزْلَ ‏، ‏وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ . فَغَضِبَ ‏عُمَرُ ‏حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ ، فَقَالَ ‏ ‏الْحُرُّ ‏: ‏يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ " [ الأعراف : 199] ‏وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ ، فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا ‏ ‏عُمَرُ ‏حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ .
رواه البخاري (7286) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال االحافظ ابن حجر في الفتح (13/274) :
قال الطيبي : ما ملخصه أمر الله نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر أمته بنحو ما أمره الله به ، ومحصلهما الأمر بحسن المعاشرة مع الناس وبذل الجهد في الإحسان إليهم والمداراة معهم والإغضاء عنهم وبالله التوفيق .

فهذه بعض المواقف من سلامة الصدر في السنة النبوية ، ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر .
انتهى ،،،
عبد الله زقيل
 
يا روادَ منتديات الحوار ؛ أما سمعتم بحديث " المفلس " ؟




a30b65524a.gif





الموضوع الثالث والعشرون


يا روادَ منتديات الحوار ؛ أما سمعتم بحديث " المفلس " ؟


الحمد لله وبعد ،
إخواني في الله :
روى الإمام أحمد في مسنده (2/303) بإسناده فقال :
‏حَدَّثَنَا ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ،‏ ‏عَنْ ‏‏زُهَيْرٍ ‏، ‏عَنِ ‏‏الْعَلَاءِ ،‏ ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ،‏ ‏عَنْ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏، عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ ‏الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا ‏: الْمُفْلِسُ فِينَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ ‏: ‏إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ ‏، ‏فَيَقْتَصُّ ‏‏هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ .
رواه مسلم (2581) ، والترمذي (2418) .
وبوب عليه الترمذي : ما جاء في شأن الحساب والقصاص .

- تعريف المفلس :
المفلس لغة : من لا عين له ولا عرض .
شرعا : ما قصر ما بيده عما عليه من الديون .

- من هو المفلس بميزان الدنيا ؟ :
لقد قدح في ذهن الصحابة عند سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن المفلس بميزان الدنيا هو من لا درهم له ولا متاع .

فلماذا أجابوا بهذه الإجابة ؟
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي :
والحاصل أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عُرف أهل الدنيا كما يدل عليه قولهم " فينا " غفلوا عن أمر الآخرة ، وكان حقهم أن يقولوا : الله ورسوله أعلم . لأن المعنى الذي ذكروه كان واضحاً عنده صلى الله عليه وسلم .ا.هـ.

والإفلاس الذي أشار إليه الصحابة هو أمر عارض يزول بزوال المفلس .

يقول الإمام النووي في شرح مسلم :
وأما من ليس له مال ، ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلساً ، وليس هو حقيقة المفلس ؛ لأن هذا أمر يزول ، وينقطع بموته ، وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته .ا.هـ.

- المفلس بميزان الآخرة :
النبي صلى الله عليه وسلم يعرف حقيقة المفلس بالنسبة لميزان الدنيا ، فأراد نقل الصحابة - وهو المربي والمعلم للصحابة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم - من مفهوم الإفلاس في الدنيا إلى مفهومه في الآخرة لكي يكون الصحابة والأمة من بعدهم على علم بحقيقة المفلس .

قال الإمام النووي :
وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام المقطع فتؤخذ حسناته لغرمائه ، فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه .ا.هـ.

بعد هذه المقدمة انظروا إلى حال بعض الرواد - هدانا الله وإياهم - ترى أن حديث المفلس في بعض ألفاظه ينطبق عليهم تماما وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم " ويأتي قد شتم عرض هذا ، وقذف هذا " ، بل قد تجده من أهل الصلاة والصيام والزكاة ، ثم يأتي الشتم والقذف وقد جعل الصلاة والصيام والزكاة حسنات تأخذ منه وتعطى لغيره بسبب شتمه وقذفه لغيره .

فمن منا بالله عليكم يرضى لنفسه هذا المسلك الخطير ؟

- دعوى باطلة زينها الشيطان لبعضهم :
تجد بعضهم يدعي أن هذا دين يتقرب به إلى الله إذا نال من عرض فلان من الناس أو قذف فلانا ، ونسي المسكين أو تناسى حديث المفلس الذي فيه الوعيد الشديد من مثل هذه الأعمال .

فماذا لو حرصت على الحفاظ على حسناتك التي أنت أحوج الناس إليها يوم القيامة ؟

- باب التحلل من المظالم مفتوح :
ونصيحتنا لأمثال هؤلاء أن يتحللوا من المظالم التي سجلت في موازينهم .

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏قَالَ ‏: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ ‏دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ . رواه البخاري (2296) .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار " ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى : " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده .ا.هـ.

يا أيها الرواد ، اتقوا الله فيما تكتبون .
يا أيها الرواد ، تذكروا قول الله تعالى : " ‏مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "

يا أيها الرواد الذين شُغلوا بالشتم والقذف لإخوانهم في العقيدة ، واعتبروا أن هذا دينا يتدينون به هذا حديث المفلس بين أيديكم فهلا ترضون لأنفسكم يوم القيامة ما جاء فيه ؟

يا أيها المشرفون على المنتديات ، أنتم تتحملون جزءاً من الإثم فيما يحصل إن أنتم سكتم على هذا المنكر العظيم ، وقد يوافق هذا الأمر شيئا مما في نفوسكم ، ولكن أين الأمانة في تحمل هذا التكليف ولا أقول التشريف ؟

يا أيها المشرفون والرواد ، والذي نفسي بيده إنها رسالة من القلب أسأل الله أن تصل إلى قلوبكم .

رسالةٌ من أخٍ مشفقٍ عليكم .

تعالوا نقفُ وقفةَ إنصافٍ وحقٍ :

أين المواضيع العلمية التي ينتفع بها الرواد ؟

أين النقاش العلمي الذي يُبتغى به الوصول إلى الحق ؟

أين التخلي عن الانتصار للنفس ؟

وختاما :

أنا أعلم أن بعض الرواد لن يعبأ بهذا القول ، بل قد يصل الأمر إلى تصنيفي إلى فئة معينة ، ولكن تقطع قلبي لما يحصل في المنتديات من أمور لا ترضي الله ولا رسوله فكتبت هذه الكلمات التي أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه .

وأرجو أن يحمل كلامي على أحسن المحامل .

وأمتثل قول الله تعالى : " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ‏ ‏"
والله اعلم
عبد الله زقيل

 
((((ولا تنازعوا فتفشلوا))))



a30b65524a.gif





الموضوع الرابع والعشرون





((((ولا تنازعوا فتفشلوا))))




إخواني الكرام في المنتديات.


إنكم تشكرون على حماسكم لدينكم ومتابعاتكم لما يكتب، وتأييد ما يبدو لكم أنه الحق، ونقد ما يظهر لكم أنه يحتاج إلى نقد.



ولكن ذلك يحتاج إلى أمور مهمة لا بد من مراعاتها:



الأمر الأول: مواصلة الاجتهاد في طلب العلم وتحصيله من الكتاب والسنة وما استنبطه علماء المسلمين منهما من قواعد وضوابط وأصول، مع الاهتمام بعلوم الآلة من لغة عربية – بفروعها المتنوعة – ومن علوم الحديث، وعلوم التفسير، وأصول الفقه، ومباحث الإيمان ( العقيدة ) السلفية المبسطة الفطرية المأخوذة من القرآن والسنة …ودراسة ذلك كله على مشايخ العلم الأكفاء الذين يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه وتزكيته ويكون سنة حسنة لطلابه.



الأمر الثاني: معرفة أدب الخلاف، الذي دل عليه القرآن والسنة، وحض عليه علماء الإسلام في كتبهم، كما في كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.



الأمر الثالث: عدم إضاعة الوقت في الجدال الذي لا ينتهي إلى نتيجة إيجابية، لما فيه من ضياع الوقت، والاشتغال بغير النافع المفيد. ومعلوم ثواب من ترك المراء وهو محق.



الأمر الرابع: أن شبكة الاتصال العالمية وسيلة مشاعة، يطلع عليها كل من أراد الاطلاع من أهل الأرض، وكثير من الناس – مسلمين وغير مسلمين – يتابعون المواقع الإسلامية، وهم يجهلون حقيقة الإسلام، ولو وجدوا في هذه الوسيلة ما يجذبهم إلى هذه الحقائق لاهتدى من يريد الهدى.



فإذا وجد فيها كثرة النزاع والخصام والتنازع بين من يتصدون للكتابة فيها باسم أنهم طلاب علم – بل يعتقدون بأن كل الكتاب علماء – نفروا من الإسلام وتحقق عندهم ما تردده وسائل الإعلام المعادية للإسلام من أن المسلمين طبعوا على كثرة الكلام والخصام والتنازع، وقلة العمل.



الأمر الخامس: أن السخرية والاستهزاء ليسا من الآداب الإسلامية، وكذلك السباب والشتائم، فمن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن سبابا.



الأمر السادس: أن الصحابة وعلماء الأمة الإسلامية كانوا يختلفون في كثير من الأمور الاجتهادية في فروع العقيدة، والأحكام الفقيهة: الحلال والحرام والمندوب والمكروه والمباح، ولم يكن خلافهم يفسد ذات بينهم.



وقد بين ذلك علماء الإسلام، ومنهم الإمام الشافعي وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع عدة من كتبه، ومنها مجموع الفتاوى، وكذلك ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين وغيره.



الأمر السابع: أننا في حاجة إلى نشر ما يفيد المسلمين من الأمور الواقعة في هذا العصر وتوعيتهم بها وحثهم على السعي الجاد في التعاون على البر والتقوى، والوقوف صفا واحدا أمام أعداء هذا الدين، بالدعوة إلى الله وبيان محاسن الإسلام، ودفع الشبهات بالحجج والبراهين، وإعداد العدة المعنوية والمادية لرفع راية الإسلام، والذب عنه.



وقد هيأ الله تعالى هذه الوسائل المتاحة للاتصال في هذا العصر، ولو استغلت استغلالا إيجابيا من قِبَلنا في نشر الإسلام ودعوة الناس إليه بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الطيبة، لأنقذنا كثيرا من الناس وأخرجناهم من الظلمات إلى النور.



كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل


 
توجيهات لزوار المنتديات

a30b65524a.gif






الموضوع الخامس والعشرون




توجيهات لرواد المنتديات




الحمد الله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره الكافرون، وصلى الله على نبينا محمد خير خلق الله لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه وبعد، فإن الأصل في الموجودات في هذه الحياة أنها خلقت للإنسان ليستعملها في تحقيق العبودية التي خلق من أجلها "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا"، وبهذا يكون أخص الناس بحق استعمال هذه الموجودات هم الداعون إلى الله على بصيرة وعلم. وإن من أعظم النعم التي من الله بها علينا معاشر المسلمين نعمة الاتصالات التي يسر الله بها علينا أمورا كثيرة وزادت بوجودها على المسلمين المسؤولية وعظمت عليهم التبعة في تبليغ دين الله سبحانه وتعالى والذب عنه. وهنا أمر آخر تجدر الإشارة إليه ألا وهو أهمية استخدام المادة الإعلامية الجيدة عبر هذه الوسائل إذ لا يكاد يوجد في الوسائل الإعلامية الرسمية ما يقوم بالواجب فضلا عن غيره في تبليغ الدين بل لو قلنا إن المسلمين عانوا من وسائل إعلامهم ما لم يعانوه من أعدائهم لما كنا مجانبين للصواب. وإن من أعظم الوسائل التي يمكن استخدامها في تبليغ الدين والذب عنه وربط المسلمين ببعضهم الربط الشرعي المطلوب المنتديات المتاحة على صفحات الإنترنت إذ هي في الواقع وسيلة ثبتت جدواها لكل أحد ولكنها تحتاج إلى عناية وتأطير شرعي حتى لا يكون مصيرها مصير الوسائل الأخرى التي سبق الكلام عليها. ومن هذا المنطلق ومحبة لإخواني جاءت هذه المشاركة المتواضعة التي كتبتها على عجل لعلها تكون نقطة في بداية الانطلاق نحو ما ذكرت من العناية بهذه المنتديات. وهي في مجملها قابلة للأخذ والرد والزيادة والنقص وهي عبارة عن نقاط مختصرة:
و( إن تجد عيبا فسد الخللا. ........ جل من لا عيب فيه وعلا )
1) الإخلاص لله سبحانه وتعالى وحسن القصد إذ لا يقبل الله سبحانه وتعالى من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم"أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غير تركته وشركه" والآيات والأحاديث في هذا الباب لا تحصى كثرة.

2) الاحتساب عند إرادة أي عمل وهذا يشجع الإنسان على الاستمرار وإجادة العمل.

3) التوثيق العلمي لما يكتب ولو اضطر الكاتب إلى الرجوع إلى أهل العلم واستشارتهم لأن المسألة دين وتبليغ عن رب العالمين فلا يكن هم الإنسان هو أن يرى كتابته أمامه وعليها الردود والتعليقات. وإن من أعظم ما يصرف عن كثير من الوسائل هو الغثائية والحشو الذي لا فائدة فيه (وحبذا لو وثق كل كاتب ما يكتب بالإشارة إلى المصدر الذي أخذ عنه).

4) أن يقوم المشرفون بحقيقة الإشراف-وهم إن شاء الله فاعلون- ومن ذلك حذف ما يجب حذفه من مما فيه مخالفات شرعية، وطرد من يجب طرده إذ لاشك أن هذه المنتديات قد تخترق من قبل كثير من سيئي النوايا على اختلاف مشاربهم. ومما يسهل هذه المهمة خروج الدعاة بأسمائهم الحقيقة على هذه الصفحات وقول كلمة الفصل في هذا الأمر.

5) إبقاء المواضيع المفيدة لأطول فترة ممكنة إذ القصد هو الفائدة وليس شيئا آخر.

6) وضع حوافز للكتاب المتميزين تشجعهم على الاستمرار والأخوة المشرفون أعرف بالطرق المناسبة.

7) ترك المراء والجدال إذ لا خير فيه ولم تجن أمة الإسلام من ذلك إلا جرها إلى معارك جانبية ولبسهم شيعا يذيق بعضهم بعض.

8) وهو تابع لما قبله أن يكون الرد على أهل البدع والأهواء والجهال وطالبي الحق مؤصلا بالدليل الشرعي ولا بأس بالرجوع إلى أهل العلم الراسخين واستصدار فتاوى منهم بهذا الخصوص لأن هذا يقطع دابر النزاع ويحفظ الوقت.

9) تكوين لجنة علمية تتولى طرح فوائد علمية مدعمة بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم بشكل أسبوعي وبطريقة شيقة ومحببة للنفوس ويكون القصد من هذه الفوائد تصحيح الأخطاء لدى الناس (العقدية والفقهية والتربوية..............الخ)، وما ظنكم لو أكتشف كل عضو من الأعضاء في المنتدى كل أسبوع أن لديه خطأ قد وقع فيه ثم قام بتصحيحه وتنبيه غيره عليه كيف ستكون النتيجة.

10) وهو متعلق بما قبله إلى حد ما وهو أن يضع الكاتب في اعتباره أنه لا يخاطب قطره الذي يسكن فيه وإنما يطلع على ما يكتب أناس ذوو مشارب شتى وأفكار معينة وظروف ينبغي أن توضع بعين الاعتبار.

11) لا شك أن كثيرا من الناس لا يحسن التعامل مع الإنترنت فلو قام الأخوة بطباعة المواضيع المفيدة والأخبار الموثقة وتوزيعها على المجالس العامة والمدارس (وخصوصا مدارس البنات إذ هن من أعظم الأهداف لأعداء الله) لرأوا لذلك أثرا عظيما، وقد جربت هذه الفكرة على نطاق ضيق فوجدت لها أثرا كبيرا ولله الحمد والمنة.

12) ليعلم الأخوة أن هذه المنتديات هي كمجالسنا سواء بسواء يسوغ فيها ما يسوغ بمجالسنا ويحرم فيها ما يحرم فيها فالله الله أن تتحول هذه المنتديات إلى ساحات معارك يرفع فيها شياطين الأنس والجن ألويتهم.

13) أرجو من الأخوة تمحيص هذه الأفكار فالمؤمن مرآة أخيه كما أرجو من الأخوة الذي لهم مشاركات بمنتديات أخرى التكرم علي بنقل هذه الموضوع بنصه إليه. والحمد لله رب العالمين.



 
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا نصر

لمرورك ومشاركتك ونرجو لك ولنا ولسائر الأعضاء الفائدة بإذن الله

بارك الله فيك
 
رد: يارواد منتديات عاشق القمر / 50 موضوعاً اقرأوها قبل الكتابة

الموضوع السادس والعشرين



بسم الله الرحمن الرحيم


معاشر الإخوة : تعالوا إلى كلمة سواء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه أجمعين .. وبعد :
فإن من أوجب الواجبات ، الاجتماع على الحق والهدى قال تعالى : { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين }
{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا .... } الآية .

إنّ أعداء الإسلام والمسلمين يحيطون بالإسلام وأهله إحاطة السوار بالمعصم .. ويحاربونهم بكافة السبل والوسائل المتاحة لهم .. عسكرياً واقتصادياً وفكريّاً .. وإنهم لن يكفوا عن حربهم لهم ولا لحظة واحدة .. ولن يفرطوا في أي فرصة تسنح لهم ليصيبوا بعض مرادهم ويحققوا بعض مخططاتهم .. ولهم أتباع من أبناء جلدتنا يسيرون على ضلالهم ، ويتبنون شبهاتهم وشهواتهم ، وينفذون مطالبهم ، ويروجون لباطلهم ومنكراتهم .

وإنّ غايتهم هي إبعاد المسلمين عن دينهم ، وتعبيدهم لغير رب العالمين ، وتصييرهم أدواتٍ مطيعة لشياطين الجن والإنس ، وجعلهم يتنافسون على الدنيا وملذاتها ومتعها ، ويحرصون على الحياة والتعب من أجلها ، والكدّ والنّصب في سبيل تحصيلها .

وإنّ من أهم الأمور التي يحرص عليها أعداء الإسلام والمسلمين ، بثّ الفرقة والخلاف بين المسلمين ، وبذر الشقاق والعداء بينهم ، ومحاولة إشغالهم عن قضاياهم الكبرى والمصيرية بخلافات ونزاعات تورث الضغينة والحقد والكراهية بينهم ، حتى ينسوا عدوهم وينصرفوا عنه ، ويكون شغلهم الشاغل النزاع والغلبة ، وينتصر هذا لجماعته وشيخه ، وذاك لجماعته وشيخه ، ويكون العدو خلالها قد مرر ما يريد ويشاء من مخططاته وضلالاته .

وإنّ أعداء الإسلام والمسلمين وأتباعهم ، لن يقصروا في اتّباع كل وسيلة تؤدي إلى تأجيج هذه النزاعات والخلافات ، عن طريق عملائهم ووسائل إعلامهم ، من أجل إطالة أمد الخلاف والنزاع ، وتشويه صورة أهل الخير والصلاح عند المجتمعات الإسلامية ، وإيغار صدور بعضهم على بعض ، ومن أجل خلخلة الثقة ونزعها منهم وجعل عامّة الناس يتجرئون على علماء الإسلام ودعاته ، وعلى المجاهدين في سبيل الله ، وعلى أهل الالتزام .

إننا ندعو العلماء والدعاة وطلبة العلم وأهل الالتزام ونقول لهم : تعالوا إلى كلمة سواء ، تعالوا لنجتمع على الحق والهدى ، تعالوا لنعالج واقعنا الذي نعيشه ، تعالوا لنعالج أخطائنا وتقصيرنا ..

إننا نقول لهم : إن وقوع الخطأ والزلل أمر لازم للبشر ، ولا بد لهم من أن يقعوا فيه ولكن : ( خير الخطائين التوابون ) والرجوع إلى الحق فضيلة ، وإعلان ذلك وبيانه منقبة ..

إننا نقول لهم : لا مانع لدينا من التنبيه على الأخطاء ومناقشتها ، والأخذ والرد فيها ، ومن بيان الحق ، ومن إيضاح الأمور وتجليتها ووضعها في إطارها الصحيح .. بل إن هذا الأمر واجب ومتعيّن ، ولكن يختار له الكلمات المناسبة والوقت المناسب والطريقة المناسبة .. وأيضاً : أن لا تُستهلك الأوقات وتستعر القلوب بسببها كراهية وحقداً ، وأن لا تشتمل على اتهامات ودعاوى لا أصل صحيح لها ، ولا مستند أصيل يدل عليها .

إننا لا ندعو لإحياء أمور مضت وذهبت ، ولا لتفتيش إرشيف الماضي والأيّام الخالية ، ولا لإلقاء اللوم على فلانٍ أو فلان .. لكننا ندعو لتجاوز المرحلة مع الاستفادة من دروسها ، والاعتبار والاتعاظ والادّكار .

إننا ندعو لمرحلة البناء ، مرحلة الوحدة والاجتماع على الحق والهدى ، مرحلة الالتفات إلى الخطر المحدق الذي يحيط بنا ، وإلى البلاء الذي يوشك أن يفتك بنا ..

إننا نوجهها صريحة واضحة جليّة :
1- العقوبات الإلهية الشاملة العامّة توشك أن تحلّ بنا ، وقد حلّ بعضها ونزل ..
2- العلمانيون يحققون كثيراً مما كانوا يصبون إليه .. ويواصلون جهودهم ..
3- انصداع الصف والتفرق والتمزق والشقاق أمر ازداد واتسع وفرح به أعدائنا ..
4- الانشغال بقيل وقال عن أوضاعنا ومنكراتنا وأعدائنا ..
5- خذلان المجاهدين والمأسورين والمستضعفين نتيجة التلاوم والنزاع ..
6- قسوة القلوب وقلّة الورع والشدة على المسلمين نتيجة خطأ متوهم أو فهم لا يسنده دليل صحيح ..
7- تتبع الخلافات والنزاعات أكثر من تتبع أحوال إخواننا المسلمين المضطهدين ، ومن تتبع مخططات أعداء الدين ..

إننا نوجهها كلمة ناصحة ودعوة صادقة في الإنترنت وفي خارجه :
كفى نزاعاً وشقاقاً وخلافاً .. دعو العلماء والدعاة وطلبة العلم يختلفون .. وخذوا الحق بالدليل .. وارجعوا إلى من تثقون بدينه وعلمه عند الخلاف ، وعند حلول الفتن والمحن والمصائب .. واقبلوا الحق بالدليل .. وإيّاكم والهوى أو الانتصار للنفس ، وإيّاكم واتهام الغير بما ليس فيه .. وإيّاكم والانشغال عن إخوانكم المجاهدين ، عن إخوانكم المستضعفين ، عن إخوانكم المضطهدين ، عن أخواتكم اللواتي يستغثن ويطلبن النصرة وما من مجيب ..
يا قومِ أفيقوا فوالله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن لما نشاهد ونرى ..
أما تحرك قلوبكم جراحات المسلمين .؟
أما تشغل بالكم صرخات الثكالى وصيحات المسلمات اللواتي تنتهك أعراضهن .؟
أما يصيح بكم صائح { تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم .... } الآية .؟
أما يدفعكم حال مجتمعاتكم وما فيها من منكرات كثيرة شركيّة وكفريّة ودون ذلك إلى صرف الجهود لمكافحتها ومحاربتها والوقوف ضدها .؟

يا قومنا هذه دعوة وكلمة علّها أن تجد آذاناً واعية { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ..



كتبه / الواضح
12/5/1423هـ
 

أحدث المواضيع

أعلى