الوعى الجمالى الاسلامى

amira90

عضو مجتهد
إنضم
Aug 30, 2009
المشاركات
381
الإقامة
cairo
الوعي الجمالي الإسلامي...... الجانب التفكري والجانب الإيماني

الوعي الجمالي الإسلامي يسير في طريق ينقسم إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: المعرفة والاكتشاف ووسيلتهما التفكر·
المرحلة الثانية: الإيمان ووسيلته الإدراك·
المرحلة الثالثة: الإبداع ووسيلة الفن·
وسنعرض لجانبين من جوانب الجمال الإسلامي وهما: الجانب التفكري والجانب الإيماني، ثم نفرد الجانب الفني ببحث مستقل·
الجانب التفكري
ليس هنالك من جمال مستقل بنفسه عن العين الرائية، معزول عن المستجمل إلا مطلق الجمال ـ الله·
وطالب الجمال يبلغ غاية الطلب حين يكون متفكراً بهذا الجمال، يثير النظر إلى الجمالات في نفسه، هذه الأسئلة: كيف، لماذا، من؟ وهذه الأسئلة هي بوابات المعرفة·
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت· وإلى السماء كيف رفعت· وإلى الجبال كيف نصبت· وإلى الأرض كيف سطحت) الغاشية:17ـ19·
(فلينظر الإنسان مم خلق) الطارق:5·
( أمَّن خلق السموات والأرض) النمل:60·
تمام جمال الأحياء في كيفية خلقها، ما كانت العلوم المختلفة التي تتناول الجسد ووظائفه، والنفس وتكوينها، إلا لتحيط بكيفية هذا الخلق، وبالرغم من تقدمها المذهل فإنها مازالت في كل يوم تكشف شيئاً جديداً في كيفية هذا الخلق·
وتمام جمال السماء في عمارتها الكونية من غير عمد مرئية، تربطها قوانين دقيقة في التجاذب والكتلة والسرعة رغم ملايين السنين الضوئية التي تفصل النجوم عن بعضها بعضاً، وبعد كل ما قطعته علوم الفضاء من أشواط في اكتشاف الكون فإن طريق البحث والاكتشاف مازالت طويلة·
وتمام جمال الأشياء كلها في كيفية خلقها، وإدراك كيفية هذا الخلق تنكشف للإنسان مهمة هذا الخلق·
وفي القرآن الكريم دعوة ملحة للإنسان إلى البحث والاكتشاف لما فيهما من قيمة جمالية فكرية، والعائد إلى الآيات الكريمة التي يخاطب الله فيهاعباده حاضاً إياهم على البحث والمعرفة، يجد أن اللفظة التي يتكرر استعمالها في لغة الخطاب هي >يتفكرون<، ولم تستعمل لغة الخطاب لفظة >يفكرون< ألبتة لما فيها من قيمة ارتكاسية ذاتية سلبية، كما أن التفكر يتميز أيضاً عن التأمل الذي هو أقرب إلى الذاتي السكوني منه إلى الفعل الحركي الموضوعي· (ويتفكرون في خلق السموات والأرض) آل عمران:191·
والخطاب القرآني في هذا المجال يؤكد، ويكرر الآية التالية:
(إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الرعد:3·
ذلك أن في >التفكر< خطاب المخصوص:
1 ـ الإنسان الباحث عن الحقيقة·
2 ـ الحقيقة التي يجب أن يسعى إليها الإنسان·
وفي >التفكر< قيمتان جماليتان معرفيتان هما:
1 ـ التذكر: والمقصود هنا أن يعود الإنسان إلى موقف الفطرة الأولى التي فطره الله عليها وهي الإيمان، ويتذكر الميثاق الأول والقديم بينه وبين الله·
(واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) المائدة:7·
2 ـ التواشج: من خلال إقامة علاقة حركية إيجابية دائمة بين الإنسان كذات عاقلة والعالم كموضوع، بما فيه الإنسان كموضوع أيضاً، وصولاً إلى إدراك كنه الخلق وغايته· التفكر في الجمال إذن يحقق لذة جمالية عند المتفكر، كما يحقق له حرية أوسع من التفكير والتأمل، إنه فعل حركي حر فاعل ونشيط·
يستعرض القرآن الكريم الجمالات الكونية مرتبطة بوظائفها ليثير في نفس الإنسان حركة عقلية منتهياً به إلى ضرورة التفكر المؤدي إلى طريق اليقين·
والجمالات التي يستعرضها ليست خيالية أو غرائزية أو محدودة، وإنما هي جمالات واقعية، كلية، سامية تزود المرء برؤية كونية·
(الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخَّر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبِّر الأمر يفصِّل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون· وهو الذي مدَّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرا جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الرعد، الآىة 2ـ 3·
والنص القرآني نفسه هو أحد موضوعات الجمال يدعو الإنسان إلى التفكر واستكناه ما فيه من قيم جمالية تعبيرية وتصويرية، وإشارات معرفية ينكشف الغطاء عن سيمائياتها مع تقدم العلوم والمعارف الإنسانية·
(ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين) الحجر: 16·
(ألم نجعل الأرض مهاداً· والجبال أوتاداً) النبأ:6ـ7·
(وورث سليمان داود وقال يأيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء··· إلى قوله تعالى: فتبسم ضاحكاً من قولها) النمل:16 ـ حتى بداية الآية 18 من السورة نفسها· (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً) يونس:5·
ما كنا في هذه الآيات وغيرها لندرك ما فيها من سيمائيات معرفية وعلمية وجمالية لولا تقدم العلوم والمعارف وظهور النظريات الحديثة كنظرية >فاجنر< في انسياح القارات ودور الجبال كأوتاد في تثبيت طبقة السيال ـ القشرة الأرضية ـ على السيما، أو الدراسات الحديثة لعلماء الحيوان حول اكتشافهم للكودات اللغوية الصوتية والإشارية التي تتخاطب بها الحيوانات، أو اكتشافهم أن الشمس بما يحدث فيها من تفاعلات نووية هي مصدر الضوء: أما القمر فهو نور، شأنه شأن الأرض، جسم بارد، يتلقى الفوتونات الضوئية من الشمس· كما أن ظهور الكمبيوتر، والتقدم العلمي التكنولوجي المذهل في العصر دفعا باحثاً كالدكتور رشاد خليفة(1) إلى أن >يتفكر< في نصوص الآيات 11 ـ 30 من سورة المدثر والمنتهية بقوله تعالى: (عليها تسعة عشر) فيقدم بحثاً قيماً وكشفاً غالياً في مضاعفات العدد >19< في القرآن، وهذا العدد هو مجموع أحرف البسملة· ومثل هذه المحاولات على اختلاف في المنهج، ظهرت عن المتصوفة ـ العرفانيين، والغلاة في ـ العرفانيين، والغلاة في المذاهب الإسلامية المنحرفة كالحروفيين· ومثل مبحث الدكتور خليفة يدخل في مباحث >علم الجمال السيبرنيتي< Cybernetic Aesthetics المستند إلى معطيات علم الإعلام informatique الذي يبحث في الموضوعات الجمالية سواء أكانت طبيعية من صنع الإنسان بالوسائل السيمائية والرياضية بعيداً عن الفلسفة التقليدية وما ورائياتها، لأن ما يهمه هو الحيثيات الرياضية والتكنولوجية·
خلاصة القول: إن النص القرآني نفسه بمعطياته الفنية التي لا تنفد ـ (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) لقمان: 27 ونظامه السيمائي ـ المعرفي الجمالي ـ هو دعوة للإنسان إلى التفكر· لأن التفكر هو السبيل إلى الوصول للعلوم والمعارف التي تنتهي في نقطة النور ـ الإيمان ـ·
(إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر: 28·
النظر إلى الجمال في الإسلام حركة معرفية يرقى بها الإنسان إلى الكشف عن أسرار الخلق والاستزادة من العلوم والمعارف لينتهي إلى معرفة الخالق· والوعي الجمالي الإسلامي هو وعي معرفي سبيله التفكر، وهذا التفكر يقودنا إلى الجانب الثاني من الجمال وهو الجانب الإيماني·
الجانب الإيماني:
يقود التفكر في جمالات الكائنات والأشياء إلى غاية التفكر نفسه وهو الإيمان بالله عن طريق المعرفة الصحيحة، فإذا انتهى إليه المرء جمع بين سعادتين: سعادة الجمال، وسعادة الإيمان·
معرفة المرء للكلي الجمال ـ الله ـ من خلال تفكره بجمالات الخلق، وإىمانه بالحق مبدع جمالات الخلق ترتد ثانية إلى النفس والأشياء ارتداداً إيمانياً فيزداد وعيه الجمالي بها، وبإدراكه جديد أسرارها الجمالية فإنه يراها أكثر حسناً> لأنه يرى تجليات الخالق فيها، وجمال صنعه، وحسن ألطافه، ويرتد هذا الوعي الجمالي المسلح بالمعرفة المستنيرة، مرة ثانية، إلى الأعلى الكلي الجمالي فيزداد إيماناً به· وهكذا يكون المرء من خلال عمليات الارتداد الأرضية السماوية هذه في بحث دائم عن أسرار الجمال والكون، وتتحقق لديه سعادة الاكتشاف الجديد من خلال سعادة الإيمان·
هذه المسألة تزداد بحكم الصلة بين الإنسان والأشياء كروحين تتبادلان التواد والمرحمة، وتجتمعان على التسبيح، فكل الأشياء، وليس الكائنات الحية فحسب، ذات طبيعة روحية خاصة بها·
(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) الإسراء: 44·
ويزداد الوعي بجمال النفس وجمال العالم بازدياد فاعلية الارتداد الإيماني وتظهر تجلياته في جوانب عديدة من النفس والحياة·
والفعل النفسي قد يكون قبيحاً أو جميلاً·
والفعل الاجتماعي قد يكون قبيحاً أو جميلاً·
ومن ارتفعت نفسه إلى مستوى النفس الجميلة استطاع أن يرى الجمال في الأشياء، واستطاع أن يصنع الفعل الجميل:
(فتعالين امتعكن واسرحكن سراحاً جميلاً) الأحزاب: 28·
(فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) البقرة: 231·
(فاصفح الصفح الجميل) الحجر: 85·
(فاصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً) المزمل: 10·
(فاصبر صبراً جميلاً) المعارج: 5·
والمولد لهذه الأفعال الجميلة هو الإيمان بالله، إن الإيمان وحده هو القادر على أن يحول فعلاً هو في الأصل قبيح فيه قطع وإلغاء، مثل فعل الطلاق إلى فعل جميل فيه وصل واتصال، وهذا يستفاد من موقع ودلالة اللفظتين في الآيتين الأولى والثانية (جميلاً، بمعروف)·
العلاقات الإنسانية النبيلة هي من موضوعات الجمال ومظاهره، والإيمان وحده الذي يحافظ على استمرار هذه العلاقات حتى في أعلى درجات تأزمها: التسريح، والهجر، والأذى·
الإنسان هو أعلى قيمة جمالية في الكون فطرها الله، والأصل في خلقه أنه الجسد والروح خلق في أعلى درجات الجمال (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) التين: 4· بذا فهو وحده المؤهل ليكون خليفة >لكلي الجمال< في الأرض، وبعد هذه الفطرة الأولى >كل مولود يولد على الفطرة< حديث نبوي· يبقى معرضاً لأحد ارتدادين، الأول هو الارتداد القبيح (ثم رددناه أسفل سافلين) التين: 5· أي أن طبيعة الارتداد مرتبطة بقيمتين جماليتين تجمعان النفس والحياة معاً هما:
1 ـ الإيمان·
2 ـ الفعل الاجتماعي·
وإذا كان الإنسان هو أعلى قيمة جمالية في الكون فطرها الله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأعلى لهذه القيمة الجمالية لما انفرد به من أفعال الجمال النفسية والاجتماعية:
(ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران:159·
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة:128·
(إنه لقول رسول كريم· ذي قوة عند ذي العرش مكين) التكوير:19ـ20·
إن الإيمان بالله وما ينجم عنه من منظومات أخلاقية نبيلة وعلاقات حياتية، وإن اللاإيمان وما ينجم عنه أيضاً، قضية جمالية بقدر ما هي فكرية أيضاً، في الإيمان الحق يكون الجمال وفي اللاإيمان يكون القبح، وهما حدا الجمال: الإيجابي والسلبي·
لابد لكل إنسان: مفكر أو أديب أو فنان، أو من العامة، أن يؤمن بشيء ما، قضية ما، فكرة ما، ليكون لحياته معنى ولنتاجه قيمة، وما يؤمن به الأديب أو المفكر أو الفنان يكون مادة إبداعه، وقيم الجمال ونسبه تختلف باختلاف ما يؤمن به الأفراد أو الجماعات، فالعفة والشرف مثلاً في مجتمع يؤمن بالقيم الروحية هما فعلان جميلان، ولكنهما في مجتمع لا يؤمن إلا بالقيم المادية، أو الذرائعية، هما فعلان قبيحان· والدفاع عن الوطن والمطالبة بالحق المشروع والحرية هما فعلان جميلان في مجتمع يعاني من الاحتلال، ولكنهما فعلان قبيحان وضرب من الإرهاب من وجهة نظر المستعْمِر ومقاييسه الجمالية·
إذاً لابد من البحث عن وحدة قياسية عامة ومشتركة بها توزن جمالات الأشياء وتقاس· والإيمان بالله ـ وحده ـ الذي يعطينا هذه الوحدة القياسية العامة والمشتركة ورغم أنها تكاد تكون واحدة في جميع الديانات التوحيدية والسامية إلا أنها بلغت في الإسلام حد الكمال·
 

المواضيع المتشابهة

رد: الوعى الجمالى الاسلامى

اسعدتنى بمرورك الكريم
بارك الله فيك وجزاكى الله كل الخير
wh_39784802.gif
 
رد: الوعى الجمالى الاسلامى

تنشيط الموضوع
 

أحدث المواضيع

أعلى