همسات حائرة
عضو ذهبي
مهما طال ليل الظلم البهيم إلا وبعده يسطع نور العدل المبين , وهذا ماتحقق على بعض الأراضي العربية في الأوقات الراهنة ,
فهاهي الشعوب الثائرة التي تجرعت - على مدى السنين الماضية - الظلم والذل والهوان قد وصل الأمر بها إلى الانفجار في المظاهرات الشعبية التي خرجت تطالب بحقوقها وحريتها المشروعة ,
وما كان أحد يتصور أن هذه الأنظمة الطاغية التي ظلت تحكم شعوبها بالاستبداد والقهر تسقط بهذه السرعة – كما رأينا في تونس ومصر وقريباً في سوريا بإذن الله تعالى - وبذلك أيقن المتربصون من الغرب الكافر وأذنابهم المتخاذلون أن الشعوب إذا أرادت العدل والعزة والكرامة فلا شيء يقف أمامها – بإذن الله تعالى – لذا تسابق هؤلاء المتربصون وأذنابهم - كعادتهم – في محاولة التزلف لهذه الشعوب الثائرة بصورة جديدة وبأي طريقة تحقق مصالحهم.
والمتابع للأحداث المتسارعة العجيبة على بعض الأراضي العربية يستبشر بتتابع سقوط الأنظمة الظالمة الطاغوتية التي لم تعتبر بغيرها ,
وهذه النهاية الطبيعية لكل ظالم مهما تجبر وعلا في الأرض ؛ لأن الله – تبارك وتعالى – حرَّم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده , ولنا عبرة وعظة في نهاية الظالمين من الأمم والشعوب السابقة الذين أهلكهم الله – سبحانه وتعالى - بقوته وجبروته وعظمته , كيف لا ؟ وقد قال - تبارك وتعالى - : "فكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" ,
وهكذا تكون نهاية الظلمة والطغاة وأعوانهم والراكنين إليهم على مر الأزمان والدهور , ويعجبني كثيراً قول الإمام الحسن البصري - رحمه الله تعالى - : "خصلتان من العبد إذا صلحتا صلح ما سواهما : الركون إلى الظلمة , والطغيان في النعمة قال الله – عز وجل - : " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" ,
وقال الله – عزوجل - : "ولا تظغوا فيه فيحل عليكم غضبي".
ومن تأمل نهاية الظالمين وما جرى عليهم من العذاب والهلاك – قديماً وحديثاً – يتعجب من هؤلاء الظلمة الطغاة الذين لا يهدأ لهم بال حتى يروا دماء الأبرياء من المؤمنين تنـزف على أيدي زبانيتهم المجرمين "وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" ,
ومع كل هذا الظلم والطغيان نجدهم قد أطلقوا لأنفسهم ولأعوانهم العنان , ووقعوا في مستنقعات الشهوات والشبهات , وتجاوزوا الحدود وانتهكوا المحرمات , وجاهروا بالمعاصي والمنكرات , وداهن علماء السوء في شرعنة أفعال هؤلاء الطواغيت وما فعلوا ذلك إظهاراً للحق وإنما جرياً وراء حطام هذه الدنيا الفانية !
أين هم من قول سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - عندما سأله رجل فقال : "إني أخيط ثياب السلطان . هل أنا من أعوان الظلمة ؟
فقال سفيان : بل أنت من الظلمة أنفسهم ، ولكن أعوان الظلمة من يبيع لك الإبرة والخيوط".
ولا جرم أن الظلم وخيم العاقبة , شديد النكاية , يمزق أهله كل ممزق , ويبيدهم شر إبادة , ويخرب الديار , ويقصم الأعمار , ويجعل أهله إلى دمار ,
فكم قُصِم به من أمم , وفُرِّقت به من جماعات , وخرب به من حصون , وأفني به من أجيال , وسقطت به من دول وحكومات ,
قال - تبارك وتعالى - : "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين " , والذين يظلمون الناس بغير حق , ويعذبون العباد , ويظنون أن الملك والسلطة التي في أيديهم والمال الذي في خزائنهم والقوة التي في أجسادهم هي حصون تمنعهم من الله – تبارك وتعالى - ؛ ألا فليعلموا أن بطش الله شديد , وليتذكروا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ : "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" ,
ولما حُبس جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي هو وأبوه , قال لأبيه : (يا أبت , بعد الأمر والنهي أصارنا الدهر القيود ، ولبس الصوف , والحبس.
فقال: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها).
وختاماً ...
فمن روائع سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - أنه سأل رجاء بن حيوة - رحمه الله تعالى - عن حال رعيته مع العمال
فقال : (رأيت الظالم مقهوراً , والمظلوم منصوراً , والفقير مبروراً ,
فقال: الحمد الله الذي وهب لي من العدل ما تطمئن إليه قلوب رعيتي).