وعلم ادم الاسماء كلها

فوءة1

مؤسسي الموقع
إنضم
Mar 20, 2010
المشاركات
7,243
الإقامة
مصر الحبيبة
24b38bcf42.gif





















بسم الله الرحمن الرحيم




وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئِكَةِ إنِّى جَاعِلٌ فِى الأرْضِ خَلِيفَةً،

قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء

وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ...

وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى الْملئكةِ

فَقَالَ أَنبِـءونِى بِأَسْمَاءِ هَـؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ

قَالُواْ سُبْحَنَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا، إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ...

قَالَ يَـءـادَمُ أَنبْئهُم بِأَسْمَائِهِمْ، فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ

قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إنِّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَتِ وَالأرْضِ

وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (البقرة 30 – 33)






ارتبط استخلافُ الإنسان الأرض وما عليها بتعلمه للأسماء، فما هي هذه الأسماء؟







يُقالُ إنَّ "الأسماءَ" تَخُصُّ الموجُوداتِ والمخلوقاتِ على اخْتلافِها، جَبْلٌ، حِصَانٌ، زَيْدٌ وعُبيدٌ. ويقالُ إنَّ تعليمَ ءادمَ الأسماء تَزامَنَ مع خلقه عليه السلام، وبذا فقد انقضى منذُ عهده. وإنَّ استخلافَ الإنسانِ الأرض وسُجُودَ الملائكةِ الكرامِ له جَاءَ لتمكنِهِ من التعَلمِ وعَدمِ قدرتهم على مُجاراتِه في ذلك!




أختلفُ مع هذهِ الأقوالِ لأنَّها مُجْحِفةٌ بحقِّ الملائكةِ الكرامِ كثيراً، وفيها من البساطة ما لا يُناسبُ قضيَّة استخلافِ الإنسان الكُبرى إذ لا يُمكنُ اختزَالُها في مسألةِ حِفظِ أنَّ هذا جبلٌ وهذه خيمة! فالقضيَّةُ أكبرُ مما هو متصورٌ وتحتاجُ إلى تعمق وسعةٍ في الإدراك.





هُنا قد يُقالُ أنَّنا قد خُلقنا وانتهى الأمرُ، وأنْ لا جدوى في القضية فماذا عسانا أنْ نستفيدَ؟ فأقولُ وهل الإيمان يسمحُ بأنْ يُعتقدَ في اللهِ عزَّ وجلَّ النقصانَ في العدلِ كما سنُبينه فيما يلي؟




وإنْ كانتْ قِصَّةُ الاستخلافِ لا تهُمُ فما المُهِم؟ وإنْ لا يُهِمُّ إلَّا ما ارتبطَ بعبادات، فكيف تكتملُ العبادةُ وتصفو من دونِ إدراكٍ لسببها؟




فالموضوعُ ذو أهَميَّةٍ بالغةٍ إذاً، فهو سببُ وجُودِنا واستخلافِنا ...





بعض الأسئلة:







• كيف يُعلمُ سُبحانَه آدمَ شيئاً ولا يعلِّمُه للملائكةِ ثُمَّ يسألُهُما عن هذا الشيءِ نفسِه؟ هل ينبغي مثلاً لمدرسٍ إعطاء أجوبة الأسئلةِ إلى أحدِ الطلبة – من دونِ غيرِه – ثُمَّ يَمتحِنُهم كلَّهم بنفس الأسئلة وعلى حدٍّ سواء؟ ثُمَّ بعد ذلك يُثني على الذي أُعطيَّ الأجوبةَ مُسَبقاً؟! ثمَّ يُكْرِمُه؟! فإنْ كان هذا الفعلُ لا ينبغي لبشرٍ، فكيفَ يصحُ ذلك في حقِّه جلّ جلاله ... ربَّ العالمينَ الذي يضعُ الموازين القِسط؟









• وسؤالٌ آخر: كيف يصحُ نقصُ قَدْرِ الملائكةِ الكرامِ بقولِنا إنَّهم لا يعرفون أسماءَ موجُوداتٍ كالنباتِ والحيوان؟ كيف هذا وهم شهدوا الخلق من قبلِنا؟ هل معرفةُ أنَّ هذا كتابٌ وهذا ورقٌ يعجزُ عنه جبريل وهو المرسلُ إلى الأنبياءِ لِيُعلمَهم؟ هل معرفةُ الشمس والقمر تعجزُ عنه الملائكةُ وهم الذين يَجوبون السمواتِ والأرض بسرعاتٍ وقدرات لا يستطيعُ البشرُ حتى تصورَ أبعادِها أو ماهيتِها؟ هل تعجزُ الملائكةُ الكرامُ عن معرفةِ أنَّ هذا جميلٌ وهذا قبيحٌ وهم في جمالِهم وحُسنِهم ما لا يخطرُ على بالِ بشر؟








• لماذا نحصر مفهوم كلمة "العلم" على "الحفظ" و "التلقين"؟ فالعلم أشمل وأوسع من أن يحصر معناه في كلمة واحدة. فتأمل على سبيل المثال في قوله العزيز من سورة فاطر:







أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثمرت مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {28}...







• فالعلماء في الآية كما هو ظاهر من السياق هم الذين يتفكرون ويبحثون في آيات الخلق. فهل نجد تلقيناً وحفظ أسماءٍ في تعريف العلم من الآية الكريمة؟





• لماذا هي من المُسلماتِ أنَّ القِصَّةَ قد حدثتْ وانتهت؟ فلا يوجدُ أيُ دليلٍ من الكتابِ والسُنَّةِ يثبتُ أنَّ قِصَّةَ عَرضِ الأسماءِ قد انتهت. بل إنَّ قِصَّةَ الأسماءِ هذه لمْ تُذكرْ صراحةً في أيِّ موضعٍ آخر من المُصحفِ.





فعندما يقُولُ سُبحانَه {وعَلَمَ} في الفعلِ الماضي فليس من الضروري أنَّ الفعلَ قد وقعَ وانتهى! فاستعمالُ الفعلِ الماضي يُشيرُ إلى التوكيد عادة، والشواهدُ كثيرةٌ من القُرآنِ الكريمِ على استعمال الفعل الماضي لتأكيد وقوع فعل في المستقبل:





قَلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ... قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسـءـلِ الْعَادِّينَ {المؤمنون: 112، 113}،





فـ { قَلَ ، قالوا} أفعال ماضية بينما المحادثة في المستقبلِ ...







• الضميرُ الغائبُ "هم" في { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى الْملئكةِ لا يعود على الأسماء. لأنَّ الضمير لجمع المذكر العاقل، وكلمة "الأسماء" مؤنثة ومؤكدة بكلمة {كُلَّهَا}.








• ثم لِمَ لا يكونُ المقصودُ بالخِطابِ هو ءادمَ وذُريَّتَه وليس ءادمَ وحدَّه في قوله تعالى: وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا؟ فعندما يخاطبُ سُبحانَه ءادمَ فالخطابُ ينطبقُ على ذُريَّته أيضاً فهي من صُلبِه! أليس كذلك؟








فلو كنت ماشياً بين الناس وسمعت صوتاً ينادي "يا أكبر" فسأعتقد أنني المخاطب، وسأنظر خلفي مع أنّ اسمي هو "نبيل"، بينما "أكبر" هو اسم أحد أجدادي. فالناسُ تُسمى بأسماء أجدادها. ومن المتعارف عليه أنّ كلمة "آدمي" تنطبق وتستخدم في كثير من الأحيان بين الناس. فعندما اُستُخلِفَ ءادم، فإنَّ الاستخلافَ يشملُ ذُريَّته كما هو معلومٌ. فلِمَ يكونُ الخطابُ لآدمَ بشخصه فقط في تعليم الأسماء، بينما يشملُ الخطابُ ذريَّته في الاستخلاف؟ فلو كان الاستخلافُ لك، فلم لا يكون تعليمُ الأسماء كذلك؟






وعندما يخبرُ سُبحانَه ءادمَ وزوجَه أنَّ الشيطانَ عدوٌ لهما، فهو عدوٌ لذُريَّتِهما أيضاً: فَقُلْنَا يَـءـادَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ... {طه: 117} ... فلو كان الشيطان عدوٌ لك، فلم لا يكون تعليم الأسماء كذلك؟






وكذلك الأمرُ بالنسبة للحديث النبوي الشريفِ الذي فيه أنَّ الناسَ يأتون ءادمَ يومَ القيامةِ ليشفعَ لهم فيقولون أنت أبو الناس خلقك اللهُ بيده وأسجدَ {لك} ملائكته {وعلَّمك} أسماءَ كُلَّ شيء. فالسُجُودُ لمْ يكنْ لآدمَ وحدِه بل لذريَّتهِ أيضاً إذ كنَّا نحن فيه. فالضميرُ في {لك} و {وعلمكَ} يعودُ إلى آدمَ وذُريَّتِه على حدٍّ سواء.








• هناك إشارةٌ إلي التسلسلِ الزمنيِّ لأحداثِ قِصَّةِ الأسماءِ تكمنُ في وجُودِ حرفِ {ثمَّ} الدَّال على التوالي مع التراخي في قولِه عزَّ وجلَّ {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلئِكَةِ ...}. فلا يوجدُ مانعٌ في اللغةِ العربيَّةِ من كون زمن التراخي (أي زمن التعليم) يمتدُ عصوراً ودهوراً من بدايةِ تعليمِ آدمَ وذُريَّتِه إلى يومِ عرضِ الأسماءِ على الملائكةِ!







بل ذلك أقربُ إلى العقلِ والواقع. فتعليمُ بني آدمَ عَمليَّةٌ تسلسليَّةٌ معقدةٌ بطبيعتها مما يستلزمُ وقتاً يتناسبُ مع عظمةِ الشيءِ المرادِ تعلمه. فتعليمُ الإنسانِ يتطلبُ الخبرةَ، والخبرةُ بدورها تتطلبُ زمناً قد يطولُ أحياناً .... فإنْ كان الشيءُ المرادُ تعلُّمه من العظمةِ بحيثُ أنَّ منْ تَعَلمَه يرقى إلى مستوى (خليفة الله)، فلابدَّ وأنْ يكونَ زمنُ التعلُمِ بطولِ زمنِ الاستخلافِ نفسِه، أي بطولِ عُمرِ البشَرِيَّةِ ذاتِها.






• أحدُّ الدلائلِ على استمرارية تعليم الله تبارك وتعالى للإنسان هي أنَّ أولَ ما نزل من القرآن الكريم هو الأمر بالتعلم:




اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإنسَنَ مِنْ عَلَقٍ {2}



اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ {3} الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4}



عَلَّمَ الْإنسَنَ مَالَمْ يَعْلَمْ {5}.









فالآياتُ توضح أنَّ القلم سيكونُ مصدر العلوم والمعارف، فلماذا؟








قد يكونُ السببُ ارْتِباطُ حركةِ الأصابع أثناء الكتابةِ بمراكزَ معينةٍ في المخ لإتمام عملية التعلم وترسيخ المعلومات كما أرادها الخالق تبارك وتعالى. قد يكونُ ذلك، ولكنَّ المؤكدَ هو نقلُ القلمِ للمعارفِ من الأذهان والأفواه إلى الكُتبِ فتثبُتَ فتنتشرَ بين الناس من جيلٍ لآخر. وهكذا يَبني كلُّ جيلٍ جديدٍ مَعارفَهُ على ما وجده مكتوباً بـ "القلم"، وهكذا تتطورُ العلومُ تدريجياً وشيئاً فشيئاً وليس فجأةً كما يعتقد الكثير من البسطاء.







فالتعليمُ في أول ما أنزلَ من القرآن على آخر الأنبياء عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام هو نفسُه التعليمُ في أول ذِكرٍ لاستخلافِ أول الأنبياء في أول القرآن في البقرة. إلا أنَّ القرآن استخدم {اقرأ} في أول ما أنزل من القرآن وكلمة {وَعَلَّمَ} في سورة البقرة في أول القرآن.






ولكننا نعلم يقيناً إنَّ الأمر {اقرأ} في العلق هو أمر لبني آدم جميعاً بالتعلم.
فإنْ كنا نرى أنَّ الأمر {اقرأ} في العلق هو نفسه المشيئة الإلهية المتمثلة بكلمة {وَعَلَّمَ} في البقرة ...





ونرى التعليمَ في {عَلَّمَ الْإنسَنَ مَالَمْ يَعْلَمْ} هو نفسه التعليم {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا}، فلا بد من الاعترافِ بأنَّ تعليمَ آدمَ الأسماءَ سيستمرُ إلى أنْ ينتهي خَلقُ الإنسان يوم تقوم الساعة!





ولعلنا قد انتبها إلى أنَّ ذِكر التعليم في الآيتين مرتبطٌ بـ "خلق الإنسان". فآيةُ البقرة تتحدثُ عن تعليم آدم وهو أولُ الخلق، وآيات التعليم من سورة العلق ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ "خلق الإنسان" أيضاً. ونجد شاهداً آخر على ما نقول به هنا من ارتباط التعليم بخلق الإنسان في مطلع سورة الرحمن: الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ القُرءَانَ (2) خَلَقَ الْإنْسَنَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ... فتعليمُ البيانِ هنا للإنسانِ هو تعليمُ آدمَ للأسماء ...





فالخلْقُ والاستخلافُ والتعليمُ مُرتبطون بجنسِ الإنسانِ من آدمَ إلى يوم الدين، فطالما يُخلقُ الإنسانُ، فهو يتعلمُ ... فالعلم لا حدودَ له، وليس محدوداً بوقتٍ معين أو إنسان محددٍ ...






• تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ الملائكةَ الكرامَ ليست مَعْنيَّةً بخلافةِ الأرضِ ولم تُسَاورُها رغبة في ذلك البتة. فلا يوجدُ نصٌّ واحدٌ في المصحفِ يومئ إلى رغبةِ الملائكة باستخلاف الأرض، بل حتى إبليسَ نفسه لمْ يكنْ مُكْترثا بخلافةِ الأرض، فهي طينٌ حقيرٌ بالنِسْبةِ له وما كان تمردُه إلَّا استِكْباراً واسْتِنكَافاً لأمره بالسُجُود لآدمَ المخلوقِ من الطينِ وذلك واضحٌ بجميع النصوص القُرآنيَّة وبلا استثناء.







فالأرضُ دارُ امتحانٍ وابتلاءٍ وليست جَنَّةَ نعيمٍ وبقاءٍ. فكيف والحالُ هذه ترغبُ الملائكةُ الكرامُ بخلافتها؟ ثُمَّ هي (الدُّنْيا) أي السفلى فكيف يتنافسُ الخلقُ عليها؟ والملائكةُ خَلْقٌ مُغايرٌ لنا، كريمٌ منزهٌ من المشاعر السفلى كالغيرةِ والحسدِ. وقولُهم {... أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ...} شَفقةٌ على الأرض وساكنيها. وهذه الشفقة أحْرى بالملائكة من التفكير بِغيرتهم من الإنسان. أمَّا قولُهم {... وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ...} فهو سؤالٌ عن الحِكْمةِ من أمرِ الاستخلاف وتعجبٌ من هذا الأمرِ والدواعيَ له.







• تأملْ في قولِ الملائكةِ {... أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ...}، فكيف استنتجتِ الملائكةُ هذا لو صحَّ أنَّ فُصولَ قِصَّةِ الاستخلافِ قد انتهت قبل ظهور الذريَّة المُفسدة؟ القولُ بإنَّ الملائكةَ استنتجتْه من طَبيعَةِ خلقِ ءادمَ مردودٌ إذ لماذا لم تتفَكَّرْ من قَبْلُ وتستنتج الأسماء؟






جوابُنا لكل ما سبق هو أنَّ قِصَّةَ الاستخلافِ وتعليمِ الأسماءِ لمْ تنتهي بعدُ، وأنَّه أثناءَ عَمليَّةِ التعليم التي نعيشها الآن كانت الملائكةُ – ولا تزال – تَشْهَدُ عملياتِ الإفسادِ والقتل ولسانُ حالها يقول: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا؟} ...





أسبابُ استخلافِ الإنسانِ الأرضَ دُون غيرِهِ







• حسناً. هل أُسْتُخْلفَ الإنسانُ لمُجَردِ قدرتِهِ على التعلم؟ أقولُ وبه أستعينُ أنَّه عزَّ وجلَّ يُعَلمُ خلقَه ما يشاءُ وكيفما يشاءُ. فكما أنَّ لكُلِّ خَلَقٍ طريقتُه الخاصَّةُ به في الحَياةِ، فإنَّ له طريقتُه الخاصَّةُ للتعلم. فالملائكةُ تتعلمُ بطرقٍ فوقَ إدراكِنا، فلا يتوهمنَّ أحدٌ بأنَّ الإنسانَ أعلمُ من الملائكة ... إلَّا أنَّ:





ما يتميَّزُ به الإنسانُ هو ((مُعاناتُه في التعلمِ))





فالمعاناةُ تُنتجُ الحاجةَ التي بدورها تنتجُ التفَكُّرَ والإبداعَ والعلمَ ... فبادئ ذي بِدْءٍ، وبينما تستطيعُ معظمُ الكائناتُ الحيَّةُ حديثةُ الولادةِ تدبرَ أمُورها بنفسها وبغير وصايَّةٍ وحمايَّةٍ من غيرِها نَجِدُ وعلى النقيضِ أنَّ سيِّدَها الإنسانَ يُولَدُ جاهلاً لا يستطيعُ المشيَ أو الكلامَ أو الأكلَ أو الدفاعَ عن نفسِه، مصداقاً لقوله تعالى:





وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمهَتكِمْ لا تَعْلَمُونَ شيـءـاً ... {النحل: 78}





وكذلك قوله تعالى:




اللهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ {الروم: 54}







فالأنعامُ كمثالِ تمشِي وتركضُ وتندمجُ مع غيرِها بعد سُوَيْعاتٍ من ولادتِها. والثعابينُ الوليدةُ تخرجُ من البيضِ تدافعُ عن نفسِها مُباشرةً وتصْطاد أيضاً! أمَّا الإنسانُ الوليدُ فتلزمُه سنواتٌ طِوالٌ من العنايَّةِ والوصايَّةِ المُضنيَّةِ لكي يبدأَ حياته مُستقلاً، مصداقاً لقوله تعالى:





لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَنَ فى كَبَدٍ {البلد: 4} ...






وقوله تعالى:



يأيُّهَا الْإنسَنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَقِيهِ {الانشقاق: 6}،







فيكدَحُ الإنسانُ ويُعَاني من لحظةِ ولادته من رحمِ أمِّهِ حتى يكْبُرَ ويهرمَ وتتدهورَ صحتُهُ وتُنخَرَ عِظامُه ويتأثرَ جسدُه إلى أعماقِه فيموتَ وتُنزعُ روحُهُ وهو في أشدِّ المعاناةِ والعذابِ ...






فلقد تعلمَ بنوا آدمَ بـ " الطريق الصعب " ... كان لابدَّ لهم من المُعَانَاةِ ليتعَلمُوا ... فتعلمُوا الزِّرَاعةَ لتجَنُبِ الجُوع ... وبناءَ السُّدودِ وحفرَ الآبار ِلتجنبِ العطش ... والطِّبَّ لتجنبِ الألمِ والموت ... والهندَسةَ والبناءَ ليسْتتِروا ويتَّقُوا البردَ والحرَّ ... ووسائلَ المواصلاتِ لتجنبِ مشقةِ السفر ... ووسائلَ الاتصالاتِ للتقرُبِ من عزيزٍ بعيد ...





بل إنَّ معظمَ معارفِ بني آدمَ نتجتْ من تطويرِ الإنسانِ لوسائل الدفاع والهجوم التي يحتاجُها لدرءِ شرِّ أخيه الإنسان أو للقضاءِ عليه .... كان لابدَّ لهم من الموتِ ليتعلموا الحَياة ... وكان لابدَّ لهم من الهدمِ ليتعلموا البناء ... كان لابدَّ من الخطأِ ليتعلموا الصوابَ ... كان لابدَّ لهم من الضلال ليتعلموا الهدى ...






وفي هذه الأزمنةِ والدهورِ التي كان بنوا آدمَ يتعلمون فيها تدريجيَّاً، كانتِ الملائكةُ الكرامُ تراقبُ وتتحسرُ وتتعجبُ لهذا الإنسانِ الذي يقتلُ بعضُه بعضَاً ويفسد في الأرضِ ... فعندها .... قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟






ولارتباطِ تعلُّمِ الإنسانِ بمعاناته أكرمَه سُبحانَه وتعالى باستخلافهِ الأرض ... فالعدلُ يقتضي المكافأةَ للمجتهدِ، وكلما زادَ الاجتهادُ والمعاناةُ زادتِ المكافأة ... فالإنسانُ إذاً لمْ يُستخلفْ لعلمِه، بل لما يقتضيه العلمُ من معاناةٍ وصبرٍ. وما جزاءُ ذلك إلَّا الخلافةَ ...






فهي خلافةٌ ومعاناةٌ وتكليفٌ








ونعلمُ أنَّ المعاناةَ لا تنبغي للملائكةِ الكرام، ولذا اسْتأثرَ الإنسانُ بهذه الخلافةِ ...






• وهناك سببٌ آخر يُميِّزُ الإنسانَ عن غيرهِ من الخلائقِ ويُوضِحُ سببَ عدم استطاعة الملائكةِ (وبالتالي ما دونها من خلائق) من مجاراتِه في التعلمِ ذلك أنَّ:





العلمَ مرتبطٌ بالخطأِ والإنسانَ مرتبطٌ بالخطأِ






فبادئ ذي بِدْءٍ أُخْرِجَ آدمُ من الجنَّةِ لخطئِه، والخطيئةُ ملازمةٌ لكُلِّ بني آدمَ (عدا المُصطفين من الرُسلِ كَونُهُم قدوةً). وفي الموثقِ من الحديثِ: والذي نفسي بيدِه، لو لمْ تُذنبوا، لذهبَ اللهُ بكم، ولجاءَ بقومٍ يذنبون، فيستغفرون اللهَ، فيغفِرُ لهم ...





فتعليمُ بني آدمَ عَمليَّةٌ تسلسليَّةٌ معقدةٌ تعتمدُ أساساً على التجربةِ العَمليَّةِ والنظريَّةِ العِلميَّة. والتجربة تُبنَى أساساً على مجموعةٍ من الأخطاءِ. ثُمَّ يَتِمُ تحديدُ العواملِ المُسَببَّةِ للأخطاءِ بالقياس والمشاهدةِ، ثُمَّ إعادةُ التجربةِ بتقليص تأثير هذه العوامل، وهكذا تعادُ التجربةُ مراراً وتِكْراراً بتقليص تأثير هذه العواملِ في كُلِّ دورةٍ إلى أنْ تصلَ النتائجُ تدريجياً إلى الحدِّ المقبول.






والشيءَ ذاتَه يقالُ عن تطويرِ النظريَّةِ العِلميَّةِ إذ تبدأُ بفرضياتٍ خاطئةٍ فتعْطي مبدئياً نتائجَ لا تتوافقُ مع المشاهدةِ. فيتمُ تطويرُ الفرضياتِ الأساسيَّةِ تدريجيَّاً إلى أنْ تتوافقَ التنبؤاتُ والنتائجُ النظريَّةُ مع المشاهدةِ إلى الحدِّ المقبول. إذاً فالتجاربُ والنظرياتُ بل وجميعُ علومِ الإنسانِ وبلا استثناءٍ تقومُ على مبدأ التقليصِ التدريجيِّ للخطأ ...





وشاهدٌ من القُرآنِ:





وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أمهتكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيـءـاً، وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأبْصَرَ وَالأفْـءدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل: 78}،





فنبدأُ من الصفرِ وبكثيرٍ من الأخطاءِ. ثُمَّ نستخدمُ حواسَّنا من سمعٍ وبصرٍ لنتعلمَ ونُقلصَ من هذه الأخطاءِ لنتعلمَ ونصِلَ إلى مُبْتغَانا، ثُمَّ نَشْكرُ الله تعالى ....





ولأنَّ الملائكةَ مُنزهةٌ عن الخطأِ، فمن غيرِ الممكنِ لهم مجاراةُ بني آدم في التعلمِ. وبهذا تقتنع الملائكة بأحقيِّةِ آدمَ وذُريَّته بالاستخلاف فيتحققُ قولُه تعالى { ... إنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } ...






• ومن الشواهدِ على تعلم الإنسان عن طريق المعاناة ما هو معلوم لكلِ إنسان بالبداهة وبالتجربة الشخصية. فمرحلة الرجولة للذكور ومرحلة اكتمال الأنوثة للفتيات لا تحصل إلا بالخوض في مرحلة "المراهقة" بين سن العاشرة والعشرين. وكلمة "المراهقة" مشتقة من التعب والإرهاق إذ يعاني الإنسان في هذه الفترة الكثيرَ من التغيرات النفسية والفسيولوجية التي تجعله في معاناة واضطراب وحيرة.







ثم بعد مرحلة الرجولة، يدخل الرجال إلى مرحلة الكهولة و "الرشد" وذلك بالخوض في مرحلة "المراهقة الثانية" وذلك بين سن الأربعين والخمسين. وكثيراً ما تصيب الرجل أزمات نفسية واجتماعية وفسيولوجية حادة، لدرجة أنَّها تسمى بـ "أزمة منتصف العمر". ولا يستغرب أن تكثر نسب الطلاق وتغيير مكان الإقامة والعمل وما إلى ذلك من التغيرات الناتجة عن المراهقة الثانية.






بهذا فمراحل الرجولة والرشد واكتمال العلم والعقل تحصل مباشرة بعد معاناة وشقاء الإنسان وصراعه الداخلي.






ما قيل عن تعلم الإنسان ورشده واكتمال علمه وعقله بعد مراحل المراهقة، يقال عن تعلم الأمم والشعوب ورشدها بعد مراحل من الحروب والكوارث كما هو معلوم تاريخياً. فعلى سبيل المثال فقط، لم يزدهر العالم الإسلامي - ومن بعده شعوب الأرض - إلا بعد معارك طاحنة وفتوحات وغزوات واكبت عصر النبوة. والشيء نفسه يقال عن الحضارات الأوربية والأمريكية.







• قولُ الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} ليس المراد منه الأمر الظاهرُ البديهي من أنَّ علمهم مقصورٌ على ما علمهم الله، وإنما لبيان أنَّ علمَهُم لا يزدادُ كازديادِ علمِ الإنسانِ كما قدره تعالى. أي أنهم أدركوا بأن الإنسان مخلوق لحكمة وأنه مكلفٌ بما لا يستطيعونه.






فتعليمُ الأسماءِ المُشارُ إليه في قولِهِ تعالى {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} يقومُ على أساس تجهيزِ بني آدمَ بمُستلزماتِ التعَلُمِ عن طريق دَفْعِ المعاناةِ وبطريقة التجربةِ والخطأ، وهو مستمرٌ إلى يوم عرضِ الأسماءِ .... مستمرٌ من التعليم في العصور الحجرية إلى عصر الكمبيوتر ومن الكهوف والعشش والكتاتيب إلى المعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث ...





فما هي الأسماءُ إذن؟ وكيف وأين عُرضت؟ هذا ما سأجيبُ عليه فيما يلي ....





كيف وأين عُرِضتِ الأسماءُ على الملائِكةِ الكرام؟







إنَّ عبارة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئِكَةِ إنِّى جَاعِلٌ فِى الأرْضِ خَلِيفَةً} لا تعني أنَّه تعالى توجه إلى الملائكة بخطاب مباشر بلغةٍ من اللغات! فخلق السموات والأرض وما فيهنَّ هو المقصود بالعبارة.





فالله سبحانه "اللطيف الخبير" يُخْبِرُ بطريقةٍ خَفيَّةٍ غيرِ مباشرةٍ وبأمثلةٍ تستدعي التفكرَ والتأملَ والعلمَ والإدراكَ. فإخبارهُ تعالى يكونُ بِخِفْيَّةٍ ولُطْفٍ وقد يستغرقُ الدهورَ من التفَكُّر والتعلم والبحث في جميع المجالات كي يُدركَ المُخاطبُ بَعضاً من هذه الأخْبارِ. بعبارةٍ أخرى فهو تعالى يخاطب خَلْقَهُ بطريق خَلْقِهِ، ولغةُ الخطاب هي الخلقُ ذاتُه ...





وعندما يقول تعالى: وَهُوَ الذى خَلَقَ السَّمَوتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ، وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ، قَوْلُهُ الْحَقُّ، وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّوَرِ، عَلِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهدةِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {الأنعام: 73} ... أي "خلقه الحق" ... ولاحظ اسمه تعالى {الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} فهو يَحكُمُ ويُخبرُ، إذ جاءت في الآية عبارةُ الأمر {كُن فَيَكُونُ} ويرادفها اسمه تعالى {الْحَكِيمُ}، أي له الحكم. وجاءت عبارة {قَوْلُهُ الْحَقُّ} ويرادفها اسمه تعالى {الْخَبِيرُ } ... فهو يخبرُ وهو الخبير ...





كما إنَّ عبارةَ {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسْمَاءَ} لا تعني أبداً محادثةً بين الله تعالى وبين الملائكة وآدم، ولا تعني أنَّ الله أجلس آدم أمامه يعلمه ... بل تُعبِّرُ عن لسان الحال كقولك: قالت له العينانُ سمعاً وطاعة. وعندما يُخاطب تعالى بني إسرائيل: وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنى إسْرَءِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ ... {الإسراء: 104} فلا يفهمُ أحدٌ أنَّه تعالى كلمَّهم كما نُكلمُ بعضنا البعض، بل المعنى أنَّه أمرَهم وقدَّرَ لهم السكنَ في الأرض.





فمَشاهِدُ تعليمِ بني آدمَ "الأسماء" على مَرِّ العصورِ بوسيلةِ دفعِ المُعاناة والتجربةِ والخطأ هو ذاتُه عرضٌ كونيٌ للأسماء.





فاللهُ خلقَ الأكوانَ والإنسانَ وكانت الملائكةُ تُشاهِدُ عمليةَ الخلقِ المهيبةَ العظيمةَ التي استغرقت عصوراً طويلةً ليس هذا مكان تفصيلها. وأبْطَنَ وأودعَ سُبحانَه "أسماءً" أي أسراراً في هذا الخلق لا يُمكنُ رؤيتُها أو رَصْدُها مُباشرةً ولكنْ يُمكنُ استنباطُها بوسيلتين حددهما الخالق وهما "العقل" و "العلم". هذه الأسماءُ من منظورنا هي أسْرار الخلقِ وأسبابه، أي كيف ولماذا خلقَ اللهُ الأكوانَ والإنسان وما هي أسُسُ الخلق ولَبِنَاتِه؟





فاللهُ تركَ الإنسانَ في الأرض ليتعَلَمَ بنفسهِ سرَّ خلقِهِ وسَبَبِهِ. ولأنَّ اكتشافَ الأسماءِ "الأسرارِ" يتطلبُ العقلَ والعلمَ، فقد جَعَلَ سبحانه للإنسانِ عقلاً ثُمَّ علَّمَه تدريجياً ليستنتجَ بنفسهِ هذه الأسماءَ والأسرار.





وقد أخبرَ اللهُ تعالى الملائكةَ باستخلاف آدمَ وذُريَّتَه الأرضَ منذ بدايةِ خلقهِ وتعليمه. طبعاً إخبارُه لهم كان عن طريقِ جعلهم يشاهدوا عمليةَ بناء الكونِ وما فيه وما تتطلبه من مليارات السنوات إلى أن خلق الإنسان، ولكنَّه تعالى لم يُخبرْهُم عن هذه الأسماءِ والأسرارِ وعن الحكمةِ من هذا الخلقِ كُلِّه.





فبدأتْ عجلةُ تعليمِ بني آدمَ تدورُ في الأرضِ لكي يتمكنَ في النهايةِ البعيدةِ من معرفةِ "الأسماءِ" و"أسرارِ الكونِ". ولقد جهزه تعالى بما يلزم، فجعل له السمع والبصر والعقل وجهز جسده بما يلزم وجعله يتعلم. ولكنَّه كان يتعلمُ لِدَفْعِ المعاناةِ عنه وبطريقِ التجاربِ المريرةِ التي تستوجبُ الخطأ ...






وعلى مر هذه السنين والدهور والعصور التي كان يتعلم فيها الإنسان، كانت الملائكةُ ترصُدُ ذلك كُله فَتتحَسَّرَ وتتعَجَبَ لعدمِ إدراكِها أنَّ هذه الوسائلَ أي المعاناة والخطأ هي السبيلُ الوحيدُ لتعليم بني آدم "الأسماء" والأسرار ...






ولأنَّ الملائكةَ معصومُون ولا يصحُ لهم الخطأُ ولا المعاناةُ فلم يستطيعوا أنْ يتعلموا كما تعلَمَ بنوا آدم ... فهُم أسَاسَاً في غِنَىً عن تَعَلُمِ هذه "الأسماء" لعدمِ وجُودِ دافعِ المعاناةِ عندَهم ...






فتعلمَ بنوا آدم بـ "الطريق الصعب" ... إذ لابدَّ من المعاناةِ ليتعلمُوا ... لابدَّ من الموتِ ليتعلموا الحَياة ... لابدَّ من الإفسادِ ليتعلموا الإصلاح ... وفي هذه الأزمنةِ والعُصور، كانتِ الملائكةُ الكرامُ تراقبُ وتتحسرُ وتتعجبُ وتبحثُ عن حكمةِ هذا الأمر ... وعندها ... قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ ... وقولُهم هذا يبيِّنُ شيئينِ اثنين ...






الأوَّلَ أنَّ بني آدمَ – كما تشاهدُهمُ الملائكةُ – لمْ يُخْلقوا من أجلِ العبادةِ فَهُم مَشغولون بأمُور أخرى. فإن كانتِ العبادةُ هي الهدفَ من وجُودِهم، فاللهُ سُبحانَه أغنى من أنْ يحتاجَ إلى عبادتِهم! فالملائكة تقومُ بهذا الغرض على أكملِ وجهٍ ... فلماذا خُلِقوا إذاً؟ وهذا السؤالُ بحدِّ ذاته عرضٌ للأسماء ...






الثاني أنَّ قولَ الملائكةِ: أتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا؟ هو بِحدِّ ذاتِهِ أيضاً عَرْضٌ للأسماء عليهم بطريقة غير مباشرة من الله تبارك وتعالى ... فهُم عندما يُشاهدُون الإنسانَ يُفسدُ ويَسفكُ، فلابدَّ من أنْ يتساءَلوا: لماذا خلقَ العليمُ الحكيمُ هؤلاءِ المفسدين؟ ولأنَّهم يَعرفُون اللهَ تبارك وتعالى حَقَّ مَعرفتِه فقد عَلِموا أنَّه لابدَّ من وجُودِ حِكْمةٍ مُبْطنةٍ كبيرةٍ في هذا الخلقِ، هم لا يُدركوها ...






فَتحيَّرُوا وهم يُشاهدون ويُعَايِنون هذا "الاستعراضَ" الكَونيَّ الداميَّ . فبحثوا عن الأسبابِ من وراءِ كُلِّ هذا ... وبهذا فقد عُرضتْ عليهم الأسماءُ عن طريقِ مُشاهدةِ الإنسانِ في الأرضِ ومُعاناته وإفْسادِه وتطوراتِه عبر الدهورِ والعصور ..... (انقر هنا لعرض مثال عن تعليم الإنسان) ...






فلم يستطيعوا إدراكَ الحِكْمةِ من كُلِّ هذا .... فوقفوا عاجزين لأنَّهم لا يملكونَ الأدواتِ اللازمةِ – المعاناةَ والخطأَ – لمعرفةِ أسرارِ هذا الخلق .... فقَالُواْ :






سُبْحَنَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ...







ولهذا السببِ تحديداً فقد اختاروا اسمَه تعالى " الْحَكِيمُ " ... فلابدَّ من حِكْمةٍ، ولكنَّهُم عاجزون عن استنباطِها من هذا "العرض الكونيِّ" فتمتْ كلمةُ الله تبارك وتعالى أنَّهم لا يعلمونَ ....



فبنوا آدمَ إذن هم القادرون على المعاناةِ فالتعلم بالخطأِ ... فعليهم أنْ يتعلموا ثُمَّ يستنبطوا هذه "الأسماءَ" و "أسرارَ الكون" المُبْطنةِ في الخلقِ ... فَتتمُ كلمةُ اللهِ تباركَ وتعالى باستخلافِ بني آدمَ عن استحقاقٍ ما بعدهُ استحقاق، وهذا هو عينُ الحقِّ ....







فما هي " الأسماءُ " ومنِ المَقصُودُ بقَولهِ تعَالى : يَـءـادَمُ أَنبْئهُم بِأَسْمَائِهِمْ؟

</B></I>


 

المواضيع المتشابهة

أحدث المواضيع

أعلى