همسات حائرة
عضو ذهبي
استلقى مرتميا" على فراشه و أغمض عينيه ، لقد حاول النوم مبتعدا" عن التفاصيل الدقيقة ليومٍ شاقٍّ وعصيب ، وأراد الدخول في عالمٍ آخر ينسيه واقع الحياة المليء بالتوتر والانفعالات المعقّدة..
شعر بأنّ روحه بدأت تتسلل بخفيةٍ وحذر ، تودّ التحرّر من قيودالجسد التي كانت تحجبها عن عالم الحقيقة ، فارتسمت أمام الروح صورة امرأةٍ تتيه بٍإطلالةٍ رشيقةٍ هزّت علاقتها بالجسد .
أدركت الروح الإنسانية بأنوارهاالثاقبة
أنّ هذه المرأة لم تكن إلا صورة الحياة الدنيا ،
فدار حوار بينهما
خرج بكينونته عن نطاق الزمان
لكنّ مكانه تجلّى بين السماء و الأرض..
الدنيا: مرحبا" بك أيتها الروح ، عودي من حيث أتيت فأنت معلّقة" بحبّي متيّمة" بجمالي ولا تستطيعين هجري وفراقي بملء إرادتك.
الروح: كلما ازداد ارتباطي بذاك الجسد أراك جميلة" نضرة ، ويزداد عشقي وهيامي بك أيتها الحياة الدنيا ، فأفتتن بسحرك مع كلّ نظرةٍ ترمقني بها عيناك ، لكن عندما تسنح لي الفرصة للتحرّر من أسرك قدر ما أستطيع ، أرى وجهك القبيح على حقيقته، فتعجزين أيتها الدنيا عن استمالتي بحسنك الأخّاذ.
الدنيا: لقد كشفت صورتي الحقيقية أيتها الروح بتحرّرك المؤقت من أغلال المادة ، لكنك ستعودين إليّ زاحفة" مرغمة" طالما ارتباطك بالجسد قدر محتوم ، لقدأقسمت أن أذيقك من كأسي الذي لا مفرّ منه.
الروح: صراعي الدائم مع الجسد لن يهدأ حتى لا أحترق بنيرانك أيتها الدنيا ،أعلم أنه صراع شائك بالألم والجراح ، وإن كان لابدّ من الاحتراق فليصبح الجسد بنيرانك رمادا" ، ولأمسي بلهيبك جوهرا" ثمينا" لا حدّ لقيمته.
الدنيا: مفاتني البرّاقة تطيل اغترارك بالأمل أيتها الروح حتى تنسين الأجل ، وتغرقين بحبّي وحبّ من أحبّني حتى لا يبقى فيك قبسة" من النور إلا وطمستها بظلماتي ، فتركنين إليّ هادئة" مطمئنّة ليغدو انفصالك عنّي أبغض ما يكون إليك.
الروح: لقدأيقنت حقيقتك الغدّارة الخادعة أيتها الحياة الدنيا ، فبعدا" لسهامك المسمومة عن إصابتي بعد اليوم ، وإن ركنت إليك بعد أن كشفت اللثام عن وجهك المريع لا بدّ أن أكون في عداد الهلكى.
الدنيا: لن أصفو لك يوما" أيتها الروح بعد أن تغلغلت في حقائقي ، إني لأعجب منك كيف تتجرّعين الصبر مع مرارتي وتأبين تذوّق حلاوتي.
الروح: أحسّ برائحةالسمّ تدسّينه في حلاوتك الزائفة ، فكيف تعديني بالبقاء وطول الأمل وتغرقيني في بحر شهواتك العميق ، ثمّ تولّين هاربة" تاركةّ أشلائي كزجاجٍ محطّمٍ وملوّثٍ بألوانك الخبيثة؟!
الدنيا: الأيام بيني وبينك ، لن أغادرك حتى تغادريني ، وسأملأ من حبري القلم حتى أدوّن الفصل الأخير من حكايتناأيتها الروح ..
اهتزّت أجفانه على أنغام موسيقى هادئة قطعت عنه الحوار ،
فاستدار برأسه المثقل بأفكارٍ لا يسعها كوكب الأرض باحثا" عن مصدرالصوت ،
فإذا بهاتفه الجوّال يخبره بأن صراعه مع الحياة الدنيا
قد انتقل من الحلم إلى الحقيقة...