مقالات فى سلسلة العقيدة

الطائرالمسافر

عضو ذهبي
إنضم
Sep 27, 2013
المشاركات
1,447
العمر
79
الإقامة
جمهورية مصرالعربية-مدينة المنصورة-
المقالة الاولى

من سلسلة العقيدة

مجمل اعتقاد السلف فى الاسماء والصفات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما قولكم أدام الله النفع بعلوكم في آيات الصفات، والأحاديث الواردة في ذلك: مثل قوله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}
[طه: 5]
، ومثل قوله:
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}
[الفتح: 10]
، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا»
،وقوله صلى الله عليه وسلم:
«قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن»
، إلى غير ذلك مما ظاهره يوهم التشبيه؟!

فأفيدونا عن اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في ذلك؟ وكيف مذهبه، ومذهبكم من بعده؟
هل تمرون ما ورد من ذلك على ظاهره مع التنزيه؟ أم تئولون؟ وابسطوا الكلام على ذلك، وأجيبوا جوابا شافيا، تغنموا أجرا وافيا.
[وصلى الله على سيدنا محمد، وآله، وصحبه وسلم] .

الجواب

الحمد لله رب العالمين.
[مجمل الاعتقاد في الأسماء والصفات]

قولنا في آيات الصفات، والأحاديث الواردة في ذلك:
- ما قاله الله ورسوله.
- وما قاله سلف الأمة، وأئمتها، من الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة، وغيرهم من علماء المسلمين.
فنصف الله تعالى:
- بما وصف به نفسه في كتابه.
- وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
بل نؤمن بأن الله سبحانه:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
[الشورى:11] .
فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه، ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفو له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

فهو -سبحانه- ليس كمثله شيء:
لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. بل يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله: من غير تكييف ولا تمثيل، خلافا للمشبهة، ومن غير تحريف ولا تعطيل، خلافا للمعطلة.

فمذهبنا مذهب السلف:
إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل
، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه
، وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم. فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع
في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة رضي الله عنه، فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة:

قال الإمام أحمد رحمه الله:
لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث.
وهكذا مذهب سائرهم كما سننقل عباراتهم بألفاظها إن شاء الله تعالى.

ومذهب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- هو ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة المذكورون، فإنه يصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوز القرآن والحديث، ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين، الذين هم أعلم هذه الأمة بهذا الشأن نفيا وإثباتا، وهم أشد تعظيما لله وتنزيها له عما لا يليق بجلاله.

فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يقال: هي ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا يعرف المراد منها فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل هي آيات بينات، دالة على أشرف المعاني وأجلها، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم والإيمان
إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل،

كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم كذلك؛ فكان الباب عندهم بابا واحدا، قد اطمأنت به قلوبهم، وسكنت إليه نفوسهم، فأنسوا من صفات كماله، ونعوت جلاله، بما استوحش منه الجاهلون المعطلون، وسكنت قلوبهم إلى ما نفر منه الجاحدون، وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فصفاته لا تشبه الصفات، فما جاءهم من الصفات عن المعصوم تلقوه بالقبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار، لعلمهم بأنه صفة من لا شبيه لذاته ولا لصفاته.

قال الإمام أحمد لما سئل عن التشبيه:

هو أن يقول: يد كيدي، ووجه كوجهي، فأما إثبات يد ليست كالأيدي، ووجه ليس كالوجوه، فهو كإثبات ذات ليست كالذوات، وحياة ليست كغيرها من الحياة، وسمع وبصر ليسا كالأسماع والأبصار.

وهو -سبحانه- موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، وهو -سبحانه- في صفات الكمال لا يماثله شيء، فهو حي، قيوم، سميع، بصير، عليم، خبير، رءوف، رحيم.
{الذى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}
[الفرقان: 59، والسجدة: 4] .

وكلم موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا. لا يماثله شيء من الأشياء في شيء من صفاته................

والى التتمة فى المقال التالى ان شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته







image022.gif





المقالة الثانية


من سلسلة العقيدة

مجمل اعتقاد السلف فى الاسماء والصفات



لشيخ الاسلام احمد بن تيمية




المقالة الثانية

من سلسلة العقيدة
مجمل اعتقاد السلف فى الاسماء والصفات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي، بعده‏.‏
مجمل اعتقاد السلف
قال الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ الإسلام تقي الدين، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، رضي الله عنه وأرضاه‏:‏

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى إله وصحبه وسلم، أما بعد‏:‏
فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه منى في بعض المجالس، من الكلام في التوحيد والصفات، وفي الشرع والقدر، لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين، وكثرة الاضطراب فيهما‏.‏ فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما ومع أن أهل النظر والعلم والإرادة والعباد، لا بد أن يخطر لهم في ذلك من الخواطر والأقوال ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال، لا سيما مع كثرة من خاض في ذلك بالحق تارة، وبالباطل تارات، وما يعتري القلوب في ذلك من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات فالكلام في باب ‏[‏التوحيد والصفات‏]‏‏:‏ هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات، والكلام في ‏[‏الشرع والقدر‏]‏‏:‏ هو من باب الطلب والإرادة، الدائر بين الإرادة والمحبة، وبين الكراهة والبغض، نفيًا وإثباتًا والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات، والتصديق والتكذيب، وبين الحب والبغض، والحض والمنع، حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة ومعروف، عند أصناف المتكلمين في العلم كما ذكر ذلك الفقهاء في ‏[‏كتاب الإيمان‏]‏

...وكما ذكره المقسمون للكلام، من أهل النظر والنحو والبيان

فذكروا أن الكلام نوعان‏:‏

خبر وإنشاء،

والخبر دائر بين النفي والإثبات،

والإنشاء أمر أو نهي، أو إباحة

وإذا كان كذلك، فلا بد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال،

وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال،

ولا بد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته، وعموم مشيئته،

ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه، من القول والعمل

ويؤمن بشرعه وقدره، إيمانا خاليا من الزلل، وهذا يتضمن التوحيد في عبادته وحده لا شريك له،

وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن التوحيد في العلم والقول،

كما دل على ذلك سورة ‏

{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}
‏[‏الإخلاص‏:‏ 1‏]‏‏.

‏ ودل على الآخر سورة‏:‏ ‏

{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}

‏ ‏[‏الكافرون‏:‏ 1‏]‏

وهما سورتا الإخلاص

وبهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر، وركعتي الطواف، وغير ذلك

فأما الأول

وهو التوحيد في الصفات، فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله، نفيا وإثباتا،

فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه

وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل

وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه، مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد‏:‏ لا في أسمائه ولا في آياته
فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى‏:‏

{‏وَلِلّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}

‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 180‏]‏

وقال تعالى‏:
‏ ‏{‏إن الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ‏}
‏[‏فصلت‏:‏ 40‏]‏ الآية‏.‏
فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات‏:‏ إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل

كما قال تعالى‏:‏

{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}

‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏‏.‏

ففي قوله‏:‏
{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}
‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏‏:‏
رد للتشبيه والتمثيل
وقوله‏:‏
{‏وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}
‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏‏.‏
رد للإلحاد والتعطيل‏.‏
فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات، مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل،

كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}
‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏،
ففي قوله‏:‏
{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}
‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏
رد للتشبيه والتمثيل،
وقوله‏:
‏ ‏{‏وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}
‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏
رد للإلحاد والتعطيل،

والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل، ونفي مجمل،

فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل، ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل،

كما قال تعالى‏:‏
{‏فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}

قال أهل اللغة

هل تعلم له ‏[‏سميًا‏]‏ أي نظيرًا يستحق مثل اسمه، ويقال مساميًا يساميه،

وهذا معنى ما يروي عن ابن عباس‏:‏
{‏هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}

مثيلاً أو شبيهًا،



image022.gif





المقالة الثالثة
من سلسلة العقيدة
مجمل اعتقاد السلف
كتاب الفتاوى الكبرى لشيخ الاسلام بن تيمية
... وقال تعالى‏:‏
{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ‏.‏ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}
‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 3، 4‏]‏،
وقال تعالى‏:‏
{‏فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}
‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 20‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏
{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ‏}
‏[‏البقرة‏:‏ 165‏]‏،
وقال تعالى‏:‏
{‏وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يَصِفُونَ‏.‏ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏
‏[‏الأنعام‏:‏ 100، 101‏]‏،
وقال تعالى‏:‏
{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا‏.‏ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ‏}‏ ‏
[‏الفرقان‏:‏ 1، 2‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:
‏ ‏{‏فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ‏.‏ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ‏.‏ أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ‏.‏ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ‏.‏ أَصْطَفى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ‏.‏ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏.‏ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏.‏ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ‏.‏ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ‏.‏ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏.‏ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ‏.‏ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏}‏
‏[‏الصافات‏:‏ 149‏:‏ 160‏]‏
إلى قوله‏:‏
‏{‏سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ‏.‏ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ‏.‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏
[‏الصافات‏:‏ 180‏:‏ 182‏]‏‏.‏
فسبح نفسه عما يصفه المفترون المشركون، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من الإفك والشرك، وحمد نفسه إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من الأسماء، والصفات وبديع المخلوقات‏.‏
وأما الإثبات المفصل، فإنه ذكر من أسمائه وصفاته ما أنزله في محكم آياته كقوله‏:‏
{‏اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}
‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏
الآية بكمالها،
وقوله‏:‏ ‏
{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏.‏ اللَّهُ الصَّمَدُ‏}
‏[‏الإخلاص‏:‏ 1، 2‏]‏
السورة‏.‏
وقوله‏:‏
{‏وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}
‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏،
{‏وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ‏}
‏[‏الحج‏:‏ 54‏]‏،
{‏وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}
‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏،
{‏وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}
‏[‏الروم‏:‏ 27‏]‏‏.
‏ ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏
[‏يونس‏:‏ 107‏]‏، ‏
{‏وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ‏.‏ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ‏.‏ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ‏}
‏[‏البروج‏:‏ 14 ‏:‏16‏]‏،
{‏هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏.‏ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}
‏[‏الحديد‏:‏ 3، 4‏]‏‏.‏
وقوله‏:‏
{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ‏}
‏[‏محمد‏:‏ 28‏]‏
،وقوله‏:‏
{‏فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏
[‏المائدة‏:‏ 54‏]
‏ الآية،
وقوله‏:‏
{‏رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏}
‏[‏البينة‏:‏ 8‏]‏،
وقوله‏:‏
{‏وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ‏}
‏[‏النساء‏:‏ 93‏]‏،
وقوله‏:‏
{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ‏}
‏ ‏[‏غافر‏:‏ 10‏]‏‏.‏
وقوله‏:‏
{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ‏}
‏[‏البقرة‏:‏ 210‏]‏،
وقوله‏:
{‏ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ‏}‏،
وقوله‏:
‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}
‏[‏النساء‏:‏ 164‏]‏
وقوله‏:‏ ‏
{‏وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا‏}‏ ‏
[‏مريم‏:‏ 53‏]‏
وقوله‏:‏
{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ‏}
‏[‏القصص‏:‏ 62‏]‏
وقوله‏:‏
{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}
‏ ‏[‏يس‏:‏ 82‏]‏‏.‏
وقوله‏:
‏ ‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏.‏ وَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسماء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}
‏[‏الحشر‏:‏ 22‏:‏ 24‏]
‏ إلى أمثال هذه الآيات، والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، في أسماء الرب تعالى وصفاته، فإن في ذلك من إثبات ذاته وصفاته على وجه التفصيل، وإثبات وحدانيته بنفي التمثيل، ما هدى الله به عباده إلى سواء السبيل، فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،

وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين، والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية، والقرامطة والباطنية ونحوهم، فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية، على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل،

وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان، فقولهم يستلزم غاية التعطيل، وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات، ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات، فغلاتهم يسلبون عنه النقيضين، فيقولون لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات، فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول، وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب، وما جاء به الرسول، فوقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات، إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات، وقد علم بالاضطرار أن الوجود لابد له من موجد، واجب بذاته غني عما سواه، قديم أزلي، لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، فوصفوه بما يمتنع وجوده، فضلا عن الوجوب أو الوجود، أو القدم وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم، فوصفوه بالسلوب والإضافات، دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق، بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات، وجعلوا الصفة هي الموصوف‏.‏
فجعلوا العلم عين العالم مكابرة للقضايا البديهات، وجعلوا هذه الصفة هي الأخرى،
فلم يميزوا بين العلم، والقدرة، والمشيئة، جحدًا للعلوم الضروريات، وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم، فأثبتوا لله الأسماء، دون ما تتضمنه من الصفات، فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير، كالأعلام المحضة المترادفات، ومنهم من قال‏:‏ عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بصير بلا سمع ولا بصر، فأثبتوا الاسم، دون ما تضمنه من الصفات، والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات، وهؤلاء جميعهم يفرون من شيء، فيقعون في نظيره وفي شر منه مع، ما يلزمهم من التحريف والتعطيل، ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات، وفرقوا بين المختلفات، كما تقتضيه المعقولات، ولكانوا من الذين آوتوا العلم، الذين يرون أن ما أنزل إلى الرسول، هو الحق من ربه، ويهدي إلى صراط العزيز الحميد، ولكنهم من أهل المجهولات المشبهة بالمعقولات يسفسطون في العقليات، ويقرمطون في السمعيات، وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غنى عما سواه، إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات، كالحيوان والمعدن والنبات، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع،

وقد علم بالاضطرار،

أن المحدث لا بد له من محدث، والممكن لابد له من موجد، كما قال تعالى‏:
‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}
‏[‏الطور‏:‏ 35‏]‏‏.
‏ فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق، ولا هم الخالقون لأنفسهم، تعين أن لهم خالقا خلقهم، وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه، ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الاضافة والتخصيص والتقييد، ولا في غيره، فلا يقول عاقل إذا قيل أن العرش شيء موجود وأن البعوض شيء موجود، إن هذا مثل هذا، لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا، هو مسمى الاسم المطلق، وإذا قيل هذا موجود، وهذا موجود، فوجود كل منهما يخصه، لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما، ......
واستأنف ما بدأته فى المقال التالى ان شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته














image022.gif





المقالة الرابعة

من سلسلة العقيدة

من اختيارات شيخ الاسلام الاعتقادية

مجمل اعتقاد السلف

...ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء وكانت تلك الأسماء مختصة به،

إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره،

وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص،

ولم يلزم من اتفاق الاسمين، وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة، والتخصيص اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص،


فقد سمى الله نفسه حيا، فقال‏:

‏ ‏{‏اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}

‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏،

وسمى بعض عباده حيًا، فقال‏:‏

{‏يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ‏}
‏ ‏[‏الروم‏:‏ 19‏]‏‏.

‏ وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله الحي اسم لله مختص به

وقوله‏:‏

يخرج الحي من الميت

اسم للحي المخلوق مختص به،

وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص،

ولكن ليس للمطق مسمى موجود في الخارج،

ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركا بين المسميين

وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق،

ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والإتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق، للخالق في شيء من خصائصه، سبحانه وتعالى،

وكذلك سمى الله نفسه عليمًا حليمًا


وسمى بعض عباده عليمًا فقال‏:‏

وبشرناه بغلام عليم،

يعني إسحق،

وسمى آخر حليمًا، فقال‏:‏

وبشرناه بغلام حليم

يعني إسماعيل،

وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم،

وسمى نفسه سميعًا بصيرًا، فقال‏:‏

{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا‏}

‏‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏،

وسمى بعض عباده سميعًا بصيرًا فقال‏:

‏ ‏{‏إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا‏}

‏[‏الإنسان‏:‏ 2‏]‏

وليس السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، وسمى نفسه بالرؤوف الرحيم فقال‏:

{‏إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏

‏[‏البقرة‏:‏ 143‏]‏،

وسمى بعض عباده بالرؤوف الرحيم فقال‏:‏

{‏لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}

‏[‏التوبة‏:‏ 128‏]‏‏.‏

وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم،

وسمى نفسه بالملك فقال‏:

‏ ‏{‏الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ‏}‏

وسمى بعض عباده بالملك فقال‏:‏

{‏وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا‏}
‏[‏الكهف‏:‏ 79‏]‏،
{‏وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ‏}
‏[‏يوسف‏:‏ 50، 54‏]‏‏.‏

وليس الملك كالملك،

وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن،

وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال‏:

‏ ‏{‏أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ‏}
‏[‏السجدة‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وليس المؤمن كالمؤمن،

وسمى نفسه بالعزيز فقال‏:‏

{‏الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ‏}
‏[‏الحشر‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وسمى بعض عباده بالعزيز، فقال‏:
‏ ‏{‏قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ‏}
‏[‏يوسف‏:‏ 51‏]‏‏.‏

وليس العزيز كالعزيز،

وسمى نفسه الجبار المتكبر،

وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر، فقال‏:‏

{‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏}
‏[‏غافر‏:‏ 35‏]‏

وليس الجبار كالجبار، ولا المتكبر كالمتكبر،

ونظائر هذا متعددة،

وكذلك سمى صفاته بأسماء، وسمى صفات عباده بنظير ذلك، فقال‏:‏

{‏ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء‏}

‏{‏أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ‏}‏

وقال
{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}
‏[‏الذاريات‏:‏ 58‏]‏
وقال ‏
{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً‏}‏
‏[‏ فصلت‏:‏ 15‏]‏

وسمى صفة المخلوق علمًا وقوة، فقال‏:
‏ ‏{‏وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا‏}
‏[‏الإسراء‏:‏ 85‏]‏
وقال‏:‏
{‏وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ‏}
‏[‏يوسف‏:‏ 76‏]‏
وقال‏:‏
{‏فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ‏}
‏[‏غافر‏:‏ 83‏]‏
وقال‏
{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً‏}
‏[‏الروم‏:‏ 54‏]‏
وقال
{‏وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ‏}
‏[‏هود‏:‏ 52‏]‏‏.‏
وقال
{‏وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ‏}
‏[‏الذاريات‏:‏ 47‏]
‏ أي بقوة،
وقال
{‏وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ‏}‏
‏[‏ص‏:‏ 17‏]
‏ أي ذا القوة، وليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة ووصف نفسه بالمشيئة

ووصف عبده بالمشيئة فقال‏:
‏ ‏{‏لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ‏.‏ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}
‏[‏التكوير‏:‏ 28، 29‏]‏
وقال
{‏إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا‏.‏ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}
‏[‏الإنسان‏:‏ 29، 30‏]‏

وكذلك وصف نفسه بالإرادة وعبده بالإرادة فقال‏:
‏ ‏{‏تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}
‏[‏الأنفال‏:‏ 67‏]‏‏.‏
ووصف نفسه بالمحبة، ووصف عبده بالمحبة فقال‏:‏
{‏فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}
‏[‏المائدة‏:‏ 54‏]‏‏.
‏ وقال
{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ‏}
‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏]‏
ووصف نفسه بالرضا، ووصف عبده بالرضا، فقال‏:‏
{‏رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ‏}
‏[‏البينة‏:‏ 8‏]‏
ومعلوم
أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد، ولا إرادته مثل إرادته، ولا محبته مثل محبته، ولا رضاه مثل رضاه، وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار،

ووصفهم بالمقت فقال‏:‏
{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ‏}
‏ ‏[‏غافر‏:‏ 10‏]‏‏.‏
وليس المقت مثل المقت‏.‏ وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد، كما وصف عبده بذلك،

فقال‏:
‏ ويمكرون ويمكر الله،

وقال‏:‏
{‏إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا‏.‏ وَأَكِيدُ كَيْدًا‏}
‏[‏الطارق‏:‏ 15، 16‏]‏،
وليس المكر كالمكر، ولا الكيد كالكيد،

ووصف نفسه بالعمل، فقال‏:‏
{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ‏}‏
‏[‏يس‏:‏ 71‏]‏
ووصف عبده بالعمل فقال‏:‏
{‏جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}
‏[‏السجدة‏:‏ 17‏]‏
وليس العمل كالعمل

ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة، فقال‏:‏

{‏وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا‏}
‏[‏مريم‏:‏ 52‏]‏
وقال‏:‏
‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ‏}
‏ ‏[‏القصص‏:‏ 62‏]‏
وقال
‏{‏وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا‏}‏
‏[‏الأعراف‏:‏ 22‏]‏
ووصف عباده بالمناداة والمناجاة، فقال‏:
‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ‏}
‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 4‏]‏
وقال
{‏إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ‏}‏ ‏

[‏المجادلة‏:‏ 12‏]‏
وقال‏:‏
{‏إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}
‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 9‏]‏
وليس المناداة ولا المناجاة، كالمناجاة والمناداة،

والى تتمة فى المقال التالى ان شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته










image022.gif









المقالة الخامسة
من سلسلة العقيدة
اختيارات شيخ الاسلام الاعتقادية
مجمل اعتقاد السلف
تتمة
....ووصف نفسه بالتكليم في قوله
{‏وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏
[‏النساء‏:‏ 164‏]‏‏.‏
وقوله‏:‏
{‏وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ‏}
‏[‏الأعراف‏:‏ 143‏]‏
وقوله‏:‏
{‏تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ‏}‏ ‏
[‏البقرة‏:‏ 253‏]‏،
ووصف عبده بالتكليم في قوله
{‏وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ‏}
‏[‏يوسف‏:‏ 54‏]‏
وليس التكليم كالتكليم، ووصف نفسه بالتنبئة،

ووصف بعض الخلق بالتنبئة، فقال‏:‏
{‏وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ‏}‏ ‏
[‏التحريم‏:‏ 3‏]‏‏.‏
وليس الإنباء كالإنباء‏.‏
ووصف نفسه بالتعليم ووصف عبده بالتعليم فقال‏:‏
{‏الرَّحْمَنُ‏.‏ عَلَّمَ الْقُرْآنَ‏.‏ خَلَقَ الْإِنسَانَ‏.‏ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ‏}‏ ‏
[‏الرحمن‏:‏ 1‏:‏ 4‏]‏
وقال‏:‏
{‏تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ‏}‏ ‏

[‏المائدة‏:‏ 4‏]‏
وقال‏:‏
{‏لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}
‏[‏آل عمران‏:‏ 164‏]‏‏.‏

وليس التعليم كالتعليم،

وهكذا وصف نفسه بالغضب، فقال‏:‏ ‏
{‏وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ‏}
‏[‏الفتح‏:‏ 6‏]‏،
ووصف عبده بالغضب في قوله
{‏وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا‏}
‏[‏الأعراف‏:‏ 150‏]‏
وليس الغضب كالغضب،
ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه،
فذكر ذلك في سبع مواضع من كتابه أنه استوى على العرش،
ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره، في مثل قوله
{‏لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ‏}
‏[‏الزخرف‏:‏ 13‏]‏
وقوله‏:‏
{‏فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ‏}
‏[‏المؤمنون‏:‏ 27‏]‏
وقوله‏:‏
{‏وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ‏}
‏[‏هود‏:‏ 44‏]‏
وليس الاستواء كالإستواء،
ووصف نفسه ببسط اليدين، فقال‏:‏
{‏وَقَالَتِ اليهود يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء‏}
‏[‏المائدة‏:‏ 64‏]‏‏.‏
ووصف بعض خلقه ببسط اليد، في قوله‏
{‏وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ‏}‏ ‏
[‏الإسراء‏:‏ 29‏]‏
وليس اليد كاليد، ولا البسط كالبسط،
وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه ولا جوده كجودهم

ونظائر هذا كثيرة، فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي مماثلته بخلقه،

فمن قال ليس لله علم ولا قوة ولا رحمة، ولا كلام ولا يحب ولا يرضى ولا نادى ولا ناجى ولا استوى‏.‏
كان معطلا جاحدا، ممثلا لله بالمعدومات والجمادات‏.‏

ومن قال له علم كعلمي أو قوة كقوتي، أو حب كحبي أو رضاء كرضائي، أو يدان كيداي، أو استواء كاستوائي،

كان مشبها ممثلا لله بالحيوانات

تعالى الله عما يقول المشبهون علوآ كبيرآ

بل لا بد من إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل،

ويتبين هذا بأصلين شريفين ومثلين مضروبين‏.‏

ولله المثل الأعلى‏.‏

‏.‏ ‏[‏وبخاتمة جامعة‏]‏‏.‏

فأما الأصلان‏:‏
فأحدهما أن يقال‏:
القول في بعض الصفات كالقول في بعض،
فإن كان المخاطب ممن يقول‏:‏
بأن الله حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة، ويجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهته، فيجعل ذلك مجازا ويفسره، إما بالإرادة وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات،
فيقال له‏:
‏ لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر،
فإن قلت‏:‏
أن إرادته مثل إرادة المخلوقين فكذلك محبته ورضاه وغضبه‏.‏
وهذا هو التمثيل

وإن قلت‏:‏
أن له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به

قيل لك‏:‏

وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به
وإن قلت‏:‏
الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام
فيقال له‏:‏
والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة
فإن قلت‏:‏
هذه إرادة المخلوق
قيل لك‏:‏
وهذا غضب المخلوق
وكذلك يلزم القول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته، إن نفي عنه الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك مما هو من خصائص المخلوقين، فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات

وإن قال‏:‏
أنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختص بالمخلوقين، فيجب نفيه عنه

قيل له‏:‏

وهكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة، فهذا المفرق بين بعض الصفات وبعض،

يقال له‏:‏
فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته،

والى تتمة الموضوع فى المقال التالى ان شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته









image022.gif





المقالة السادسة

من سلسلة العقيدة

مجمل اعتقاد السلف

لشيخ الاسلام احمد بن تيمية

...وكذلك إذا قال‏:

‏ كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا‏؟‏

قيل له‏:‏

كيف هو‏؟‏

فإذا قال لا أعلم كيفيته‏.‏

قيل له‏:‏ ونحن لا نعلم كيفية نزوله

إذ العلم بكيفية الصفة، يستلزم العلم بكيفية الموصوف،

وهو فرع له، وتابع له،

فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه، ونزوله، وأنت لا تعلم كيفية ذاته‏؟‏‏.‏
وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابته في نفس الأمر، مستوجبه لصفات الكمال، لا يماثلها شيء،

فسمعه وبصره وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر،

وهو متصف بصفات الكمال التي لايشابهه فيها سمع المخلوقين، وبصرهم، وكلامهم، ونزولهم، واستواؤهم،

وهذا الكلام لازم لهم في العقليات، وفي تأويل السمعيات،

فإن من أثبت شيئًا ونفي شيئًا بالعقل، إذا ألزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة، نظير ما يلزمه فيما أثبته؛

ولو طولب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا لم يجد بينهما فرقًا؛

ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض الذين يوجبون فيما نفوه،

إما التفويض وإما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ قانون مستقيم‏.‏

فإذا قيل لهم‏:‏

لم تأولتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد‏؟‏‏.‏ لم يكن لهم جواب صحيح،

فهذا تناقضهم في النفي وكذا تناقضهم في الإثبات، فإن من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها، فإنهم إذا صرفوا النص عن المعنى الذي هو مقتضاه إلى معنى آخر، لزمهم في المعنى المصروف إليه، ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه،

فإذا قال قائل تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه هو إرادته للثواب والعقاب، كان ما يلزمه في الارادة نظير ما يلزمه في الحب والمقت، والرضا والسخط‏.‏
ولو فسر ذلك بمفعولاته، وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب، فإنه يلزمه في ذلك نظير ما فر منه، فإن الفعل لابد أن يقوم، أولًا بالفاعل والثواب والعقاب المفعول إنما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه ويسخطه ويبغضه، المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا، وإن أثبتوه على خلاف ذلك فكذلك الصفات‏.‏

وأما المثلان المضروبان‏:

‏ فإن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عما في الجنة من المخلوقات‏:‏ من أصناف المطاعم والملابس والمناكح والمساكن،

فأخبرنا أن فيها لبنًا وعسلًا وخمرًا وماء ولحمًا وحريرًا وذهبًا، وفضة وفاكهة، وحورًا وقصورًا،

وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏

‏[‏ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء‏]‏

وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها، هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا وليست مماثلة لها، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى‏

فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات منه مباينة المخلوق للمخلوق

ومباينته لمخلوقاته‏:

‏ أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا،

إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في الاسم، من الخالق إلى المخلوق، وهذا بين واضح،

ولهذا افترق الناس في هذا المقام ثلاث فرق‏:

‏ فالسلف والأئمة وأتباعهم‏:‏

آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا وبين ما في الآخرة، وإن مباينة الله لخلقه أعظم

والفريق الثاني‏:‏

الذين أثبتوا ما أخبر الله به في الآخرة من الثواب والعقاب، ونفوا كثيرًا مما أخبر به من الصفات، مثل طوائف من أهل الكلام‏.‏

والفريق الثالث‏:

‏ نفوا هذا وهذا كالقرامطة، والباطنية والفلاسفة أتباع المشائين، ونحوهم من الملاحدة الذين ينكرون حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر،


ثم إن كثيرًا منهم يجعلون الأمر والنهي من هذا الباب، فيجعلون الشرائع المأمور بها والمحظورات المنهي عنها‏:‏ لها تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها،

كما يتأولون من الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، فيقولون‏:‏
إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم، وإن صيام رمضان كتمان أسرارهم، وإن حج البيت السفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك من التأويلات التي يعلم بالاضطرار أنها كذب وافتراء على الرسل - صلوات الله عليهم - وتحريف لكلام الله ورسوله عن مواضعه وإلحاد في آيات الله

وقد يقولون الشرائع تلزم العامة دون الخاصة

فإذا صار الرجل من عارفيهم ومحققيهم وموحديهم‏:‏ رفعوا عنه الواجبات وأباحوا له المحظورات وقد يدخل في المنتسبين إلى التصوف والسلوك من يدخل في بعض هذه المذاهب

وهؤلاء الباطنية‏:‏

هم الملاحدة الذين أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى

وما يحتج به على الملاحدة أهل الإيمان والإثبات‏:‏ يحتج به كل من كان من أهل الإيمان والإثبات على من يشرك هؤلاء في بعض إلحادهم

فإذا أثبت لله تعالى الصفات ونفي عنه مماثلة المخلوقات كما دل على ذلك الآيات البينات

كان ذلك هو الحق الذي يوافق المعقول والمنقول ويهدم أساس الإلحاد والضلالات

والله سبحانه لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه

فإن الله لا مثيل له، بل له المثل الأعلى،

فلا يجوز أن يُشرَك هو والمخلوقات في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده؛

ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى،

- وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به،

- وكل ما ينزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه،



فإذا كان المخلوق منزها عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم‏:‏

فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق،

والى تتمة ما بدأنا فى المقال التالى

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

المواضيع المتشابهة

رد: المقالة الاولى من سلسلة العقيدة

بارك الله فيك الطائر المسافر
ومشكور على الموضوعات القيمة والمفيدة
 
رد: المقالة الاولى من سلسلة العقيدة





جزاك الله كل خير ( الطائر المسافر ) .. على قيم ما تضيف .. و ما تخطه يمينك ..

بارك الله فيك .. و أكثر من أمثالك .. و أثابك حسن الثواب ..

جزاك الله جنات النعيم .. و حفظك .. من كل شر ..

أطال الله عمرك على طاعته ..



 
رد: المقالة الاولى من سلسلة العقيدة





جزاك الله كل خير ( الطائر المسافر ) .. على قيم ما تضيف .. و ما تخطه يمينك ..

بارك الله فيك .. و أكثر من أمثالك .. و أثابك حسن الثواب ..

جزاك الله جنات النعيم .. و حفظك .. من كل شر ..

أطال الله عمرك على طاعته ..




شكرآ أيها الغالى
 
رد: مقالات فى سلسلة العقيدة

جزاك الله خيرا
 

أحدث المواضيع

أعلى